ماكرون يحدد أولوياته الدبلوماسية مع تراجع شعبيته

  • 8/27/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

باريس - يعرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء المحاور الكبرى لسياسته الخارجية، بعد بدايات على الساحة الدولية تضمنت خطوات ملفتة ومبادرات غير متوقعة أثارت الإعجاب أو الاستياء وما زال يتعين التثبت من نتائجها الملموسة، لكن محليا أظهر أحدث استطلاع للرأي عدم رضا غالبية الناخبين عن أداء الرئيس الشاب. ويلقي ماكرون غداة قمة أوروبية إفريقية، كلمة في قصر الإليزيه أمام السفراء الفرنسيين المجتمعين في باريس مع استئناف العمل السياسي بعد العطلة الصيفية، الملتقى السنوي الذي يحدد خارطة عملهم. وخلال أقل من أربعة أشهر في السلطة تمكن ماكرون حديث العهد في السياسة الخارجية، من لفت الأنظار على الساحة الدولية، متبنيا مواقف تراوحت بين المجاملة والحزم وصولا إلى الشجب شديد اللهجة مثلما فعل مع بولندا الجمعة الماضية وردت عليه وارسو بشدة واتهمته بالعجرفة. وترقبت الأوساط الأوروبية باهتمام وفضول كبيرين تحركات الرئيس الشاب (39 عاما) المؤيد بشدة لأوروبا والذي يطرح نفسه على أنه يجسد التجديد السياسي. والواقع أن خطواته الأولى أثارت الإعجاب، فاستقبل بحفاوة في اتحاد أوروبي تحت وقع صدمة بريكست، ولقي الإشادة لتحديه صراحة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مصافحة شديدة سلطت عليها عدسات المصورين ومجابهته الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علنا في مسألة حقوق الإنسان. ورأى السفير السابق ميشال دوكلو المستشار في معهد مونتانيه أن "ماكرون دخل بنجاح الساحة الدولية من حيث أسلوبه. والأسلوب مهم في الدبلوماسية وبفضله، عاد صوت فرنسا مسموعا". لكنه قال "هل أن ذلك ستتبعه نتائج؟ هذا أمر مختلف"، مشيرا إلى بعض العثرات التي قد يواجهها عمله مثل "السعي بأي ثمن إلى التمايز عن سلفه والعودة إلى أداء فاتر بعد بعض الخطوات الملفتة". أوروبا في قلب نهج ماكرون ويقوم نهج ماكرون في جوهره على أوروبا والتصميم على إعادة إعطائها زخما ومصداقية من خلال إنعاش المحرك الفرنسي الألماني لها. وقال بيار فيمون من مركز كارنيغي أوروبا للدراسات إن "النهوض بالنفوذ الفرنسي في بروكسل سيتوقف إلى حد بعيد على نجاح الإصلاحات الداخلية. إن الأوروبيين جميعهم بدءا بألمانيا يراقبون ما يقوم به ماكرون على صعيد قانون العمل أو الحد من العجز. تقديري أن هناك في بروكسل مراقبة ودية". غير أن أوروبا لا تختزل بالعلاقة الفرنسية الألمانية برأي مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية توما غومار الذي يذكر بأن "العلاقة صعبة مع إيطاليا" حول مسألة الهجرة والتحديات الصناعية والبحرية. وأبدت إيطاليا قوة الاستعمار السابقة في ليبيا والتي تقف في الخط الأمامي على جبهة أزمة اللاجئين، استياءها عند تنظيم فرنسا في يوليو/تموز لقاء بين الخصمين الليبيين رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي فايز السراج وقائد الجيش الوطني الليبي في الشرق المشير خليفة حفتر قرب باريس. وقد وافقا في نهاية اللقاء على إعلان مبدئي من عشر نقاط لإخراج البلاد من الفوضى. وأعلن في فرنسا في ذلك الحين أن "هذا الاتفاق لقي ترحيبا من جميع شركائنا، فرنسا حركت الخطوط في الملف الليبي"، إلا أن روما ابدت انزعاجها من توافق ومن تحرك فرنسي لم تستشر فيهما، لكن باريس قالت إنها لا تسعى لانتزاع زمام المبادرة من أحد وأنها نسقت خطواتها مع دول الاتحاد الأوروبي. مبادرات غير متوقعة وأعلن ماكرون في عدد من المواضيع عن مبادرات قوية بل أحيانا متسرعة، مثل إقامة مراكز لدرس طلبات اللجوء في ليبيا، في خطوة سارع قصر الإليزيه إلى التراجع عنها. وتنظم باريس الاثنين قمة مع شركائها الأوروبيين (ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا) والإفريقيين (ليبيا والتشاد والنيجر) حول أزمة الهجرة. وفي ما يتعلق بسوريا، فإن ماكرون الذي استقبل بوتين في قصر فرساي بعد قليل على انتخابه، أكد مرارا أن الأولوية الفرنسية هي مكافحة الإرهاب، مبديا "براغماتية" حيال الرئيس السوري بشار الأسد. وأعلن أن ازاحة الأسد من السلطة لم تعد في حد ذاتها ضمن أولويات السياسة الخارجية الفرنسية. غير أن اليد الممدودة لموسكو من أجل التعاون في مكافحة الإرهاب أو تفكيك ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية بالكامل، لم تظهر مفاعيلها حتى الآن على الأرض. وأفاد معهد دراسة الحروب في تقرير مؤخرا أن روسيا "تدعي أنها طرف فعال لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية" في سوريا غير أن عملها يهدف بصورة أولية إلى "الحد من حرية تحرك التحالف الدولي ضد الجهاديين". وفي ما يتعلق بالولايات المتحدة، فإن ماكرون كان محط الأنظار حين دافع بشدة عن اتفاق باريس حول المناخ بوجه الرئيس الأميركي رغم استقباله له بتشريفات كبرى حين حل ترامب ضيف شرف على احتفالات 14 يوليو/تموز في باريس. وردد قصر الإليزيه أن هذا النهج يهدف إلى الإبقاء على الرابط مع الرئيس الأميركي الذي يباغت دائما بمواقفه غير المنتظرة، وتفادي عزله أكثر على الساحة الدولية، غير أن ترامب لم يعط أي إشارة توحي بإمكانية التراجع عن موقفه حيال اتفاق باريس. أداء أدنى من المطلوب وأظهر استطلاع للرأي الأحد أن غالبية الناخبين الفرنسيين غير راضين عن أداء ماكرون مما يشكل تغيرا كبيرا في مجريات الأمور بالنسبة للرئيس الذي حقق انتصارا ساحقا في الانتخابات قبل أقل من أربعة أشهر. وأظهر الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة إيفوب لصالح صحيفة لو جورنال دو ديمانش أن معدل عدم الرضا عن ماكرون وصل إلى 57 بالمئة وهو أسوأ بواقع 14 نقطة مئوية من الاستطلاع الأخير الذي أجري في يوليو/تموز. ووصلت نسبة تأييد الزعيم الذي ينتمي لتيار الوسط إلى 40 بالمئة متراجعة أيضا بنسبة 14 نقطة عن يوليو/تموز. وصرح المتحدث باسم الحكومة الفرنسية كريستوف كاستانيه بأن الحزب الحاكم يمر بمرحلة حرجة، مضيفا أن إغضاب البعض هو ثمن جدير بأن تدفعه الحكومة إذا ما كانت ترغب بالمضي قدما في إجراء إصلاحات. وقال كاستانيه في تصريحات لتليفزيون بي.إف.إم "نعم نواجه صعوبات، لكن عندما تكون في الحكومة لا يمكنك أن تقضي وقتك في النظر إلى استطلاعات الرأي فقط، فنحن هنا لإحداث تحول في الدولة، فالبلاد تتطلب منا المخاطرة وها نحن نقدم على المخاطرة". وعانى ماكرون منذ انتخابه من عدة انتكاسات منها نقاشات حادة في البرلمان بشأن إصلاحات قوانين العمل وخلاف مع الجيش وتقليص معونات الإسكان. وأظهر استطلاع إيفوب أن الانخفاض التراكمي لشعبية ماكرون منذ مايو/أيار هو أكبر من ذلك الذي واجهه الرئيس السابق فرنسوا هولاند خلال الفترة ذاتها. وكشف الاستطلاع أيضا تراجع شعبية رئيس الوزراء ادوار فيليب، حيث أعرب 47 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع عن شعورهم بالرضا عن أدائه، في تراجع نسبته 9 بالمئة مقارنة بالشهر الماضي. ويواجه ماكرون وهو أصغر زعيم لفرنسا منذ نابليون، اختبارا صعبا الشهر المقبل عندما تقود نقابة سي.جي.تي اليسارية المتطرفة مسيرة للاحتجاج على خطط إعادة تنظيم سوق العمل في البلاد.

مشاركة :