نجح الاندماج الذي جرى مؤخراً بين بنك الخليج الأول وبنك أبوظبي الوطني لإنشاء بنك أبوظبي الأول في إيجاد أكبر بنك في دولة الإمارات العربية المتحدة بإجمالي أصول تبلغ 682 مليار درهم (186 مليار دولار). ولا يمثل ذلك إنجازاً كبيراً لجميع الأطراف المعنية فحسب، ولكن يمكن أن يبشِّر أيضاً بأنشطة عمليات اندماج واستحواذ أخرى في جميع أنحاء المنطقة، مما سيجلب فرصاً كبيرة وتحديات لجهات الأعمال المعنية. ومع استمرار تركيز الشركات على تنمية وتوسعة علاماتها التجارية، عليها أن تبحث دائماً عن طرق جديدة للتطور والوصول إلى فرص النمو المقبلة بدءاً من دخول أسواق جديدة ووصولاً إلى طرحها لمنتجات وخدمات جديدة، ويتطلب كل خيار من الخيارات المتوافرة لها خطة عمل تستند إلى بحث علمي جيد واستراتيجية اتصالات مدروسة من منظور كلٍ من أصحاب المصلحة الداخليين والخارجيين. تعد عمليات الاندماج أو الاستحواذ المخطط لها من أهم الأحداث بالنسبة لأي شركة، سواءً أكانت مدرجة في البورصة أم خاصة. وبالشروع في مثل هذه الصفقات الكبيرة، يمكن للشركة تسريع نموها عبر حيازة تقنيات ومجموعات مهارات جديدة والوصول إلى أسواق وامتدادات جغرافية جديدة أيضاً. لكن مثل هذا الحدث الكبير يمكن أن يتسبب أيضاً في «نجاح أو إخفاق» الشركة. فعندما كنت أعمل في مدينة لندن، شاهدت العديد من الشركات المدرجة التي فشلت في هذا المجال بسبب سوء إدارة توقعات أصحاب المصلحة وتنبؤاتهم المالية من منظور تجاري واتصالاتي. في البداية، يجب الاهتمام بشكلٍ حازم بالمتطلبات العملياتية والمالية والقانونية العميقة التي يجب إيلاؤها العناية الواجبة عند التفكير بأي عمليات دمج واستحواذ مخطط لها، والتي إذا ما جرى منحها الدعم الكافي والمتعمق من حيث التنبؤ بالتكاليف والتنبؤ المالي، يمكن التأكد من إمكان نجاح الصفقة. لذلك ينبغي تقديم الدعم من خلال إيجاد استراتيجية فعالة للاتصالات من شأنها أن توفر سرداً إيجابياً للطريقة التي ينظر بها إلى مثل هذه الصفقة كلٌ من الموظفين والمستثمرين والموردين ووسائل الإعلام، فضلاً عن مجموعة كبيرة من أصحاب المصلحة الآخرين. وفي عالم اليوم الذي يعمل 24 ساعة على مدار 7 أيام في الأسبوع، يتوافر كل شيء عبر شبكة الإنترنت والحلول الرقمية، بحيث يمكن لأي جهة أن تفقد السيطرة على أي صفقة في حال الافتقار إلى استراتيجية اتصالات قوية. ومن أهم مقومات استراتيجية الاتصالات الناجحة وجود اتصالات متسقة وواضحة وشفافة، لتجنب أي معلومات «سوقية» مضللة، يمكن أن تقلل من قيمة الصفقة ومزاياها الجوهرية. وفيما يلي 5 توصيات رئيسية مهمة للحصول على اتصالات فعالة فيما يخص عمليات الدمج والاستحواذ: 1 ــــ السيطرة بإحكام على معلومات الصفقةمنذ البداية إبقاء دائرة الأشخاص الذين يعرفون عن الصفقة المخطط لها صغيرة قدر الإمكان في المراحل الأولية لتجنب تسربها الى وسائل الاعلام والمنافسين. إذ غالباً ما تؤدي الاتصالات غير الرسمية إلى التضليل على مستوى المعلومات، مما يمكن أن يكون له آثار خطيرة على الشركات المعنية، سواءً من حيث الثقة أو التأثير على الموظفين والعملاء وأصحاب المصلحة على نطاق أوسع. كما أن العواقب بالنسبة للشركات المدرجة التي تعمل في البيئات المنظمة تكون عادةً أكبر، لأنها يجب أن تلتزم بالقواعد الصارمة للإدراج في الأسواق المالية فيما يخص شفافية المعلومات والإفصاح. ولتجنب مثل هذه السيناريوهات، يجب أن تكون استراتيجية الاتصالات ملائمة، بحيث تضم بشكلها المثالي جدولاً زمنياً لإعلانات الشركات، والتواريخ والأوقات وجميع أنواع المحتوى والرسائل المعتمدة، والجمهور والقنوات المستهدفة، والمتحدثين الرسميين المعتمدين، فضلاً عن إدارة الطوارئ للأحداث غير المتوقعة، مثل التسريبات الإعلامية أو الأزمات. وسيضمن وجود نهج منضبط التأكد من أن جميع مخرجات المعلومات يتم التحكم بها وتوزيعها مع رصد أي حالات تتسم بعدم الدقة ومعالجتها بسرعة لضمان نشر الأخبار الصحيحة في الأسواق وأن يكون الأساس المنطقي للصفقة المقترحة واضحا ومفهوما. 2 ــــ التناغم دائماً في مرحلة التخطيط لعملية دمج أو استحواذ، ينبغي وضع مجموعة من الرسائل الجوهرية التي تمثل كل جزء من الصفقة، بدءاً بالإدارة والهيكلية ومروراً بالاستراتيجية والموظفين والموردين ــــ إذا أردنا تسمية عدد قليل من أصحاب المصلحة الرئيسيين. وينبغي دعم كل متطلبات إيصال الرسائل المعتمدة بوضع قائمة متعمقة بالأسئلة المهمة والمتكررة والإجابات عنها والتوجيهات لدعم المتحدثين الرسميين للشركة (الذين يجب أن يكونوا مدربين بصورة ملائمة) خلال عروضهم التقديمية وردودهم على أسئلة الحضور المختلفة، وخاصةً المستثمرين ووسائل الإعلام. وسيضمن هذا النهج المتحكم به أن جميع الرسائل والمواد الإعلامية الخارجية متناغمة ويمكنها معالجة أي مسائل محتملة قد تنشأ. 3 ــــ الالتزام بالشفافية خلال أحداث الدمج والاستحواذ الكبيرة، خاصةً بالنسبة للشركات المدرجة والخاصة، يمكن أن تكون الشفافية أمراً صعباً نظراً لطبيعة البيئة التنظيمية أو وجود المخاوف حول الكشف عن معلومات حساسة جداً للمنافسين. ومع ذلك، وبالاتفاق مع مستشارين آخرين، هناك العديد من الطرق للحديث عن صفقة ما دون الكشف عن السعر أو معلومات حساسة تجارياً مثل الأرقام الدقيقة للأرباح والخسائر أو التنبؤات المالية. ويمكن شرح المعلومات الأساسية للصفقة من خلال مجموعة متنوعة من الأساليب والقنوات، كاستخدام بحوث القطاع المعدة خصيصاً، ومقالات وتقارير القيادة المدروسة، والرسائل التوضيحية ورسائل البريد الإلكتروني الموجهة إلى الجمهور الداخلي أو الخارجي مثل الموظفين والموردين، وصولاً إلى استخدام دور البلديات، ومقاطع الفيديو الخاصة بالشركة، والمواقع الإلكترونية الملحقة والرسوم البيانية، بالإضافة إلى البيانات الصحافية التقليدية. وسيكون لكل صفقة سلسلة من الفرص والتحديات المحتملة التي ينبغي التعامل معها، لذلك يجب أن يكون هناك مستشار اتصالات داخلي أو خارجي على مستوى عال على مقربة من مجلس الإدارة لتقديم المشورة اللازمة. 4 ــــ تطوير المحتوى كما ذكرنا سابقاً، يمكن أن تكون عمليات الدمج والاستحواذ عسيرة، وغالباً ما تدعمها تفاصيل مالية وعملياتية معقدة. لكن الشركات يجب أن تضع في اعتبارها جمهورها المستهدف، وأن تقوم بالتكيف مع المحتوى والرسائل وفقاً لذلك. إن اللغة القانونية أو المالية المعقدة ليست مناسبة للتواصل مع عملاء التأمين، على سبيل المثال، الذين يرجح أن يبدوا اهتماماً أكبر بالتغيرات المحتملة للمزايا أو الخدمات أو الأقساط الخاصة بهم – وإذا لم يكن السرد مفهوماً بسهولة، لن تصل الرسالة المطلوبة. لذلك يجب أن يقوم بتطوير المحتوى فريق التواصل المخصص للصفقة للتعامل مع كل فئة من فئات الجمهور بشكل يمكنهم من متابعة المحتوى بسهولة. وينبغي أيضاً تقديم هذا المحتوى، عند الاقتضاء، بالشكل الأمثل لاستخدام وسائل الإعلام الرقمية والتواصل الاجتماعي، والتي يمكن أن تستهدف بقوة فئة جمهور محددة جداً، ويمكن قياس تأثيرها بدقة لتقييم فعاليتها والمزايا المترتبة عن التكاليف. 5 ــــ نهاية الصفقة ليست سوى البداية بمجرد اكتمال الصفقة تبدأ قصةٌ جديدة. حيث ستكون هناك حاجة إلى الكثير من العمل للتواصل بشكل مستمر مع الموظفين وجميع أصحاب المصلحة الرئيسيين لإعلامهم بالتحديثات الخاصة باستراتيجية العمل، والأداء، والإنجازات الرئيسية التي تحققت، وما إلى ذلك، والتي ستكون مطلوبةً لتأييد مبررات القيام بالصفقة. وبالنسبة للشركات المدرجة في البورصة، يتطلب ذلك أيضاً تقارير مالية مستمرة وتحديثات عن عمليات التكامل، وإقامة جولات ترويجية للمساهمين والمستثمرين، فضلاً عن التقارير السنوية، والتي تتطلب عمل كبار التنفيذيين وفِرَقِ علاقات المستثمرين والاتصالات المؤسسية معاً بشكل وثيق. ومن دون أدنى شك، فإن عملية اندماج أو استحواذ يمكن أن تكون مسألة نجاح أو إخفاق بالنسبة لأي شركة. ومن سمات العمليات الناجحة بذل أقصى الجهود الواجبة لها، سواء من حيث الأساس المنطقي من الناحية المالية والعملياتية، وأيضاً من حيث التفكير في كيفية التواصل بنجاح للحصول في نهاية المطاف على ثقة أصحاب المصلحة ودعمهم. شاين دولانمدير عام شركة إف تي آي كونسلتينغ للاستشارات
مشاركة :