«بلاستيك أونو باند» لجون لينون: كبير «البيتلز» يرسخ انشقاقه

  • 8/28/2017
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

ربما تكون أجمل رواية صدرت هذا الموسم عن مدينة نيويورك، فرنسية لا أميركية. ومع هذا عنوانها نيويوركي بامتياز وتدور أحداثها في نيويورك طوال عقد السبعينات وتحديداً في ذلك المبنى الشهير المطل على سنترال بارك والمعروف باسم «داكوتا بلدنغ». عنوان الرواية «داكوتا سونغ» ومؤلفتها هي آريان بوا التي اختارت من بين سكان وهميين للمبنى الذي يقال عنه انه مسكون ولكن يقطن فيه عادة نخبة من الأثرياء والمشاهير، سبعة جعلت جريمة ترتكب في أوساطهم ويدور البحث عن مقترفها. لكن هذا الجانب البوليسي من الحكاية ليس هو المهم هنا، المهم هو أن من بين سكان المبنى الحقيقيين، مغني فريق البيتلز الشهير جون لينون الذي سيقتل في نهاية ذلك العقد على باب المبنى تحديداً وهو أمر سنعود اليه بعد سطور. > أما هنا فلنلتقط لينون في أول العقد بعد انفراط فريق البيتلز حين أصدر بمعاونة امرأته الفنانة اليابانية يوكو أونو، واحداً من أول ألبوماته الخاصة، «بلاستيك أونو باند»، وذلك قبل أن يصدر تينك اللتين ستصبحان من أشهر أغانيه: الملتزمة الرائعة «إيمادجين» (تصوّروا)، والخاصة التي يلوم بها شريكه السابق بول ماكارتني: «كيف تراك تنام؟». والحال أن جون لينون الذي كان أكبر البيتلز سناً وبالتأكيد أكبرهم موهبة وميلاً نحو الإلتزام السياسي والإنساني، أكد في أغنيات ذلك الألبوم فرادة موهبته لا سيما في أغان تحمل من الدلالات الفكرية بقدر ما تحمل من الإشارات الإنسانية، مثل «أمي ماتت» و «بطل الطبقة الشعبية» لا سيما رائعته «الرب»... ولسوف يقول لينون أن أهم ما حققه في هذه الأغنيات هو توصّله الى ما سمّاه «الموسيقى بضمير المتكلم» مضيفاً في حديث شهير أدلى به يومها الى مجلة «رولنغ ستون»: «أعتقد أن هذا أفضل شيء حققته في حياتي، وانه فن واقعيّ اعتقد انه نبع لديّ بمرور الزمن مع اعمال لي مثل «في حياتي» و «أنا خاسر» و «حقول الكمثرى الى الأبد»... لقد كانت كل هذه الأغاني شخصية حببتني بالموسيقى بضمير المتكلم». وإذ قال لينون هذا يومها أضاف: «اليوم هاأنذا لا أكتب إلا عن نفسي، ولذا أحب هذه الأسطوانة. فأنا موجود فيها دون أي شخص آخر...». > والحقيقة أن محبي أغاني الروك والغناء الشعبي تبعوا جون لينون يومها في اختياراته حيث مكنوا ذلك الألبوم من أن يحقق مبيعات إستثنائية ما كان في إمكان أحد أن يتخيلها، بعد سنوات من انشقاق فريق البيتلز وتفرق اعضائه الأربعة، لينون، ماكارتني ورنغو ستار وجورج هاريسون، كل منهم في طريق. ونعرف أن الفريق كان قد تكون اولاً في ليفربول، مدينة الطبقة العاملة البريطانية بامتياز من لقاء تم بين لينون وماكارتني انسجما خلاله ثم كوّنا الفريق بدءاً من العام 1957 رسمياً قبل ان ينضم رنغو ستار لاحقاً اليهم كطبال إثر جولتهم التأسيسية الناجحة في هامبورغ وترك طبالهم الأصلي بيتر بيست إياهم. ومنذ ذلك الحين لم يعد في إمكان أي كان أو أية قوة أن توقف نجاح ذلك الفريق - الذي أحدث أكبر ثورة في الذهنيات طاولت شبيبة العالم من أقصاه الى أدناه... -، اللهم باستثناء الأنانيات الفردية التي ما لبثت في العام 1970 أن أدت الى الإنفراط. > ولكن على رغم اختفائهم عن ساحة الغناء وعن الحياة الفنية العالمية منذ ما يقرب من نصف قرن متجمعين، وفشل معظمهم متفرقين في الوصول الى المكانة التي كانوا يحتلونها تحت اسم «فريق البيتلز»، فإن ثمة اياماً بين الحين والآخر تشهد عودة مظفرة لهم ولأغانيهم، حيث تسجل مثلاً أسطوانة عليها أغنيات لهم، منها واحدة لم يسبق أن أذيعت من قبل، أرقاماً قياسية في البيع، وحيث تزدان أغلفة المجلات الفنية وصفحات معظم المجلات السياسية بتحقيقات عنهم وعن حياتهم وأعمالهم وتعاد الى الأذهان الثورة التي أحدثوها في الستينات متواكبة مع ثورات الشبيبة ومختلطة بها في شكل جعل الكثيرين يختلط عليهم الأمر فلا يعودون عارفين هل أن «البيتلز» وأغنياتهم المتمردة هم سبب الثورة، أم أن الثورة هي التي انجبتهم. > كانوا أسطورة إذاً، أولئك الشبان الأربعة الذين حمّلوا فريقهم اسم «البيتلز» واشتهروا لدى جمهرة المستمعين العرب باسم «الخنافس»، وكانت سيدة الغناء العربي أم كلثوم من الاندهاش بهم وبظاهرتهم الى حد أنها أدلت ذات يوم بتصريح قالت فيه: «إن الغناء في المستقبل القريب سيكون غناءً جماعياً بالتأكيد». وأولئك الشبان الأربعة حملوا أسماء طبقت شهرتها الآفاق، بيد أن جون لينون سيظل أشهرهم وأكبرهم سناً وأكثرهم إبداعاً على أي حال. بيد انه الوحيد من بينهم الذي رحل عن عالمنا باكراً، وفي تلك الحادثة التي جرت في نيويورك قبل أكثر من ثلث قرن على باب عمارة داكوتا نفسها. > كان ذلك بالقرب من «سنترال بارك» في وسط نيويورك، حين كان جون لينون عائداً الى بيته برفقة زوجته الفنانة اليابانية يوكو اونو، عند الليل، إذ فجأة ما إن وصل الزوجان الى محاذاة باب البيت حتى انبثق لهما من قلب الظلام شاب في الخامسة والعشرين من عمره تلاسن مع لينون بعض الوقت قبل أن يستل مسدسه ويطلق عليه سبع رصاصات قضت عليه. وحين هرع رجال الشرطة الى المكان استسلم القاتل بسرعة من دون أدنى مقاومة فقيل انه مختل عقلياً وأنه يدعى مارك دايفيد تشابمان وأصله من جزر هاواي. > لماذا قتله؟ لا أحد يعرف. قال فقط انه لا يحبه ويشعر بأنه يستفزه، لذلك قرر القضاء عليه. هكذا، بكل بساطة. غير أن هذه التفاصيل لم تعن لمعجبي لينون الكثير، فالجريمة ذكّرتهم بجريمة أكثر عنفاً حدثت في أميركا ايضاً قبل سنوات من ذلك، وكانت ضحيتها الممثلة شارون تيت زوجة المخرج رومان بولانسكي، وذكّرتهم بكم أن الشهرة وإعجاب الملايين يشكلان سبباً يحكم على الفنان بالإعدام، وبكم أن القتل بات مجانياً في أميركا في ذلك الحين. ولكن أكثر من هذا وذاك ذكّرت الجريمة ملايين الأميركيين بأن كبار نجوم الموسيقى والغناء كانوا لا يكفون عن التساقط واحداً بعد الآخر، بالقتل، وبحوادث السيارات، بفعل الإدمان، أو بفعل الإرهاق لا فارق. ففي تلك السنوات مات في شكل عنيف وفجائي فنانون من طراز جيمي هندركس وبادي هولي وآد كوشران ثم بوب مارلي وأوتيس ريدنغ. فهل كانت لعنة أصابت أهل الفن؟ > منذ اللحظة التي أُعلن فيها نبأ مقتل جون لينون، استمرت ملايين المكالمات التلفونية تتساءل عن حقيقة الحادث وتبدي أسفها وتعبر عن تعاطفها مع زوجة الفنان وأبنه الطفل، وراحت أغنيات «البيتلز» في شكل عام وأغنيات جون لينون في شكل خاص تُطلب في كل ساعة ودقيقة. واكتشف المعجبون كم كان هشاً ومقداماً، في الوقت نفسه، ذلك الفنان الأربعيني الذي أدرك الناس حينذاك وبسرعة انه كان الفنان المبدع الحقيقي الذي يقف خلف النجاح الخارق والاستثنائي الذي حققه فريق «البيتلز». فالحال أن معظم الأغاني الناجحة الكبيرة التي غناها الفريق كانت إما من تأليفه ام من تلحينه او من تأليفه وتلحينه معاً. > مهما يكن فإن ما يمكن التوقف عنده هنا هو أن جون لينون كان الأكثر نجاحاً بين أعضاء «البيتلز» الأربعة بعدما انفرط عقد الفرقة ولم تعد موجودة وراح كل واحد من أعضائها يبحث عن مساره الفني متفرداً. فبالمشاركة مع زوجته يوكو اونو وعبر أغنيات مثل «تصوروا» و «امرأة» لا تزال حتى اليوم تسجل ارقاماً قياسية في البيع والاستمتاع، تمكن جون لينون من أن يكون طوال السنوات السابقة على رحيله واحداً من سادة الأغنية الانغلو - ساكسونية، بخاصة أن معظم أغنياته تميزت بالتزام سياسي واجتماعي واضح وراحت تدعو الى السلام والمحبة والعدالة الاجتماعية، وليس فقط في كلماتها وألحانها المبتكرة، بل كذلك عبر احتجاجات المغني نفسه ضد سياسات التمييز العنصري وضد السلاح النووي وضد أنواع الحروب كافة. ولقد وصل الأمر بلينون وزوجته خلال النصف الثاني من سنوات السبعين الى تنظيم لقاءات وتجمعات احتجاجية في مناطق عديدة من العالم، بحيث صار في لحظة من اللحظات فناناً مزعجاً. وهذا ما جعل الكثيرين، حتى اليوم، يتساءلون، هل حقاً أن من قتل جون لينون كان شاب مخبولاً، ام أن الجريمة كانت نتيجة لمؤامرة محكمة هدفها التخلص من لينون واحتجاجاته الدائمة؟

مشاركة :