اعتقادًا منه بأن اليهود هم سبب هزيمة الألمان في الحرب العالمية الأولى، شن الزعيم النازي آدولف هتلر حملات استهدفتهم منذ توليه الحكم، ملاحقات وترحيل مستمر حتى نصب لهم ما يُعرف بـ«الهولوكوست»، وأُنشأت 6 معتقلات إبادة، هم «بلزك» و«سوبيبور» و«تريبلينكا» و«أوشفيتز» و«مايدانيك»، والأخيران كانا معسكرا اعتقال وإبادة في الوقت نفسه. في الفترة 1933 : 1945 وصل عدد ضحايا «الهولوكوست» إلى 11 مليون شخص، منهم 6 مليون يهودي، أي ثلثي عددهم في أوروبا بأكملها آنذاك، بجانب وفاة 1.1 مليون طفل، بعد أن لجأ «هتلر» لتصفيتهم عن طريق إجبار المعتقلين على خلع ملابسهم للاستحمام، وبعدها يزج بهم السجّان إلى غرف الغاز ليلقون مصرعهم. وسط هذه الأجواء المشحونة كان للطبيب المصري، محمد حلمي، على أرض الصراع، وهو المولود بالعاصمة السودانية الخرطوم عام 1901 لأبوين مصريين، إلى أن سافر إلى ألمانيا في 1922 لدراسة الطب، واستقر في برلين. وحسب «الأهرام» التحق «حلمي» بمعهد «روبرت كوخ» لإكمال دراسته، لكنه طُرد عام 1937 لأنه ليس من الجنس الآري، بعد تصنيفه على أنه «من السلالة الحامية المنتسبة إلى حام بن نوح، وهي سلالة اصطلح عليها في نهاية القرن الـ 19، للإشارة إلي سكان شمال إفريقيا بما فيهم قدماء المصريين، وسكان القرن الإفريقي». في ذلك الوقت جمعته علاقة عاطفية بإحدى الألمانيات، وكاد أن يخطبها لولا ازدياد موجة العنصرية ضده، بعد أن منعته السلطات من العمل في نظام الصحة العامة بالدولة، حتى ألقي القبض عليه عام 1939، لكن أُطلق سراحه لمعاناته من مشكلات صحية. تلك الأحداث شحنته ضد الحكم النازي في ألمانيا، وما أن بدأ ترحيل اليهود من برلين طلبت منه صديقته اليهودية، «آنا بوروز»، مكان لتختبئ فيه، ليساعدها الطبيب المصري ويخفيها داخل كابينة يملكها في برلين، وأصبحت ملاذًا لها حتي انتهاء الحرب في ألمانيا. بعد الحرب تغير اسمها إلى «جوتمان»، وكتبت في مذكراتها عن «حلمي»: «إنه كان صديقًا جيدًا للعائلة، ساعدني على الاختباء في حي (بوخ) ببرلين منذ العاشر من مارس 1942 وحتي نهاية الحرب في 1945، فمنذ عام 1942 فقدت كل تواصل مع العالم الخارجي، وعلم الجستابو (البوليس السري الألماني)، أن دكتور حلمي هو طبيب العائلة، وعلموا أنه يملك كابينة في حي بوخ ببرلين». وتابعت: «لقد نجح في التهرب من كل تحقيقاتهم، وفي هذه الحالات كان يقدمني لبعض أصدقائه، حيث كنت أقيم عندهم لأيام عدة، وكان يعرّفني على أنني ابنة عمه القادمة من دريسدن، وعندما يمر الخطر أعود إلي الكابينة مرة أخري، لقد فعل دكتور حلمي كل شئ لأجلي بكرم شديد من القلب، وسأكون ممتنة له للأبد». مساعدة الطبيب المصري لم تقتصر على «جوتمان»، بل شملت والدتها «جولي»، وزوج أمها «جور وير» وجدتها لأمها «سيسيليا رودنيك»، وذلك عن طرق توفير العناية الطبية اللازمة لهم، كما ساهم في إخفاء الجدة بمنزل صديقته «فريدا سزوتسمان» لمدة عام كامل. في عام 1944 تعرف البوليس السري على الدور الذي يلعبه الطبيب المصري، بعد أن اعتقلوا زوج والدة «جوتمان»، لينقل حلمي صديقته اليهودية إلى منزل نظيرتها «فريدا سزوتسمان»، ليستطيع بمجهوداته في حماية الأسرة. بانتهاء الحرب توجه «حلمي» مباشرةً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك كتب خطابات لمجلس الشيوخ ببرلين من الخمسينيات وحتى الستينيات، لتوثيق ما جرى لليهود في تلك الفترة، وباستقرار حياته بعد الحرب في ألمانيا استطاع الزواج من حبيبته الألمانية، وعاش معها إلى أن توفي في عام 1982.
مشاركة :