القاهرة: عصام فضل في صباح يوم صيفي ساخن مطلع مايو/ أيار الماضي، كان أحد أفراد الأمن التابعين لوزارة الداخلية، يجلس على مقعده على رصيف أحد شوارع وسط القاهرة، حيث تقضي مهمته بتأمين المحيط الخارجي لأحد البنوك القطرية، إضافة إلى فرع صغير لأحد البنوك الحكومية المصرية، فجأة انتفض فرد الأمن واقفاً، ليس بسبب موجة الهواء الساخنة التي لفحت وجهه، والتي قال خبراء الأرصاد وقتها إنها آتية بفعل موجة شديدة الحرارة قادمة من منطقة الخليج العربي، وإنما قفز واقفاً لمساعدة عجوز مسنة في الدخول إلى البنك المصري، فأخذ بيديها وأجلسها على مقعد قريب من مدخل البنك، بينما قام موظف شركة الأمن الخاصة التي تتولى تأمين البنك من الداخل باستدعاء إحدى موظفات خدمة العملاء لتتولى إنهاء معاملات العجوز، بعد لحظات عاد فرد الأمن حاملاً في يده كوباً من الشاي مخاطباً موظف الأمن الداخلي للبنك في لهجة مازحة «البنك القطري أعطوني الشاي، وأنتم يا مصريين لم أر منكم شيئاً منذ الصباح»، وهنا تدخلت السيدة العجوز بحدة وهي تطلق شهقة عميقة «أرجوك يا ابني لا تأخذ شيئاً من القطريين، ربما وضعوا شيئاً سيّئاً في الشاي»، ومع مشاركة بعض رواد البنك في الحوار تحول الأمر إلى تعليقات ساخرة، ربما كان الشاي مفخخاً، هذا الشاي ماركة «داعش» أم القاعدة؟ ومع بساطة التعليقات وفكاهيتها، إلا أنها تعكس حجم الشرخ الذي سببته جرائم النظام القطري لدى المصريين، وهو جرح نفسي اجتماعي قد لا يندمل حتى مع رضوخ قطر وتوقفها عن دعم الإرهاب، والتدخل في الشأن الداخلي لجيرانها، إذ يبدو أن الدوحة تنافس «إسرائيل» في لائحة الأكثر كراهية لدى المصريين.مع طول قائمة جرائم قطر ضد مصر، إلا أن الكثير من الجرائم السياسية - بحكم طبيعتها - قد يصعب إثباتها، خاصة أمام المحاكم الدولية، وبرغم هذه الصعوبة، إلاّ أن قطر أدينت رسمياً من القضاء المصري وفقاً للحكم الذي أصدرته محكمة جنايات القاهرة في 19 يونيو/ حزيران الماضي في القضية المعروفة إعلامياً ب «التخابر مع قطر»، وقضت المحكمة على الرئيس المعزول محمد مرسي أحد المتهمين الرئيسيين بالسجن 40 عاماً، إضافة إلى أحكام لمتهمين آخرين تراوحت بين السجن 15 عاماً والإعدام، وبدأت محكمة النقض «أعلى محكمة مصرية» مؤخراً نظر طعون المتهمين على الأحكام التي أصدرتها محكمة الجنايات ضدهم، وقررت المحكمة تأجيل نظر القضية إلى 16 سبتمبر/ أيلول المقبل.ووفقاً لأوراق القضية، ثبت للمحكمة قيام المتهمين باختلاس تقارير سرية تتعلق بالأمن القومي المصري، وتسليمها إلى كل من جهاز المخابرات القطري وقناة الجزيرة.يقول الكاتب والباحث السياسي، الدكتور عمار علي حسن، إن الكثير من جرائم النظام القطري ضد مصر، قد يصعب إثباتها، بسبب طبيعتها السياسية.ويضيف حسن: «إعداد ملف قوي عن جرائم قطر لمقاضاتها دولياً، يحتاج إلى تعاون من أجهزة المخابرات الغربية، خاصة المخابرات الأمريكية التي لديها معلومات لو أنها كشفت عنها ستكون أكثر من كافية لإدانة قطر».وبين ما لا يمكن إثباته وما لا يمكن إنكاره، نشرت صحيفة عاجل السعودية الإلكترونية، وثائق استخباراتية قالت إنها صادرة عن مكتب رئاسة الوزراء القطرية، ومصنفة على أنها «سرية». ووفقاً للصحيفة، أثبتت الوثائق أن قطر سعت خلال فترة تولي جماعة الإخوان المسلمين حكم مصر، عقب ثورة يناير 2011، إلى فرض سيطرتها الشاملة على الاقتصاد المصري.وذكرت الصحيفة أيضاً، أن الوثائق، التي حصلت عليها من مصادر خاصة، تؤكد أن الدوحة سعت إلى إغراق الاقتصاد المصري بالديون لصالح قطر، بالتعاون مع تنظيم الإخوان المسلمين الذي بسط سيطرته على الحياة السياسية في مصر عقب فوزه بأغلبية مقاعد البرلمان في نهاية 2011، ثم بفوز مرشحه محمد مرسي برئاسة الجمهورية منتصف 2012.وتضمنت الوثائق محاضر اجتماع بين الحكومة القطرية والحكومة الإخوانية في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، لجعل قطر المقرض الأكبر لمصر، مع منحها حق الاستثمار في حرم مطار القاهرة الدولي، وتأجير جزء من المطار للخطوط القطرية، ومنح تصاريح لأي طائرة قطرية لعبور الأجواء المصرية خلال ساعة واحدة فقط من طلب ذلك.وبحسب الوثائق، اتفقت قطر مع حكومة الإخوان في مصر على السيطرة على قطاع الحديد عبر إنشاء شركة قطرية للحديد، إضافة إلى إنشاء محطة كهرباء تكون طاقتها الإنتاجية بين 500 و1000 ميجاوات، مع شرط وحيد هو حصر كل إنتاجها من الكهرباء لتغذية المشاريع القطرية شرق التفريعة قرب مدينة بورسعيد المصرية، إضافة إلى إقامة منطقة صناعية قطرية، ومحطة كهرباء قطرية، وقرية لوجستية متكاملة.ويظهر محضر أحد الاجتماعات وفقاً للوثائق، أن رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني طرح على الرئيس المصري وقتها محمد مرسي، تقديم قروض بقيمة 10 إلى 20 مليار جنيه مصري (نحو 2 - 5 مليار دولار بأسعار الصرف وقتها)، وعند استفسار مرسي عن اختيار الجنيه المصري ليكون عملة الإيداع بدلاً من الدولار، قال رئيس الوزراء القطري، إن ذلك يرجع إلى أن الفائدة مرتفعة على القروض بالجنيه المصري، وهو ما لم يعترض عليه الرئيس الإخواني الذي أكمل الحديث في الاجتماع دون التوقف عند هذه النقطة.ولخص الكاتب الصحفي، أحمد الجار الله، رئيس تحرير جريدة السياسة الكويتية، جانباً عميقاً من رسوخ المؤامرة القطرية على مصر، قائلاً: «عذراً يا مصر، لقد كذبناك في موضوع قطر، وكنا نظن أنك تبالغين في خلافك مع قطر، الآن حصحص الحق، المعذرة يا أم الدنيا يا خير الأجناد يا مصر الصبورة».وغرد الجار الله، عبر حسابه على تويتر: «دول مجلس التعاون ستتبادل أسماء مواطنيها المتعاونين مع قطر، خصوصاً الناشطين معها في دعم الإرهاب بما فيها النشاط الإعلامي الضارّ بأمن أوطانهم، ونقول للمخدوعين، لا يخدعنك هتاف القوم بالوطن، فالقوم في السرّ غير القوم في العلن».بينما دعا رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، رجال الأعمال المصريين، إلى سحب استثماراتهم من قطر ووقف التعاملات التجارية معها، بعد قرار الحكومة المصرية بقطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع الدوحة.وكتب ساويرس عبر حسابه على «تويتر»: «إحنا أول ناس كان لازم نقطع علاقتنا مع مركز تصدير الإرهاب ده كموقف أساسي مصري».ودخل الأقباط في مصر على خط الرغبة في التصعيد الدولي ضد قطر، عبر ما أعلن عنه المحامي القبطي، نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، اعتزامه إقامة دعوى قضائية ضد قطر، للمطالبة بتعويض خمسة مليارات دولار أمريكي، على خلفية ما وصفه بأنه تورط قطر بتمويل العمليات الإرهابية ضد الأقباط، وعلى وجه التحديد استهداف أتوبيس الرحلات بمحافظة المنيا الشهرمنذ شهرين ، والذي أدى إلى استشهاد ثلاثين قبطياً.يقول جبرائيل «تلقيت تأكيدات من منظمات دولية عديدة، بينها، المنظمة الكندية المصرية لحقوق الإنسان بكندا، ومنظمة الأوفيد الفرنسية بباريس، يؤكدون استعدادهم للتعاون لإقامة دعوى التعويض ضد قطر، وقد بدأنا الآن في جمع الأدلة وتجهيز أوراق الدعوى التي سنقيمها أمام القضاء المصري أولاً قبل اللجوء إلى المحاكم الدولية».
مشاركة :