راهبة الفن... أمينة رزق (2 - 10)

  • 8/28/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في الحلقة السابقة، تعرفنا على بداية قصة حياة الطفلة أمينة رزق، وكيف كانت الطفلة الوحيدة لوالديها، وأصر والدها على كسر تقاليد الريف في مدينة طنطا وألحقها بالمدرسة، وحقق رغبتها في الذهاب إلى مولد «السيد البدوي»، وهناك تعرفت على العروض المسرحية لأول مرة، وبدأت تقلد الممثلين في المنزل، كما عاصرت ثورة 1919، وشاركت في تظاهرات مع زملائها في المدرسة ضد الاحتلال الإنكليزي، وفي السطور التالية نعرض فصلاً جديداً من حياة راهبة الفن. بين حين وآخر، كانت أمينة تشارك خالتها التمثيل أمام المرآة، وتتابعهما الأم دون أن تعلق، فلم تكن والدة أمينة تعترض في البداية على ما تقوم به ابنتها، لدرجة أنها كانت تؤدي بعض الحركات التي قدمها الممثلون على خشبة المسرح أمامها، بينما كان والدها يصفق لها ويشجعها على التقليد الجيد للممثلين الذين شاهدوهم في عرض سابق أقيم في محيط مسجد «السيد البدوي»، بالتزامن مع احتفالية ذكرى مولده. ربما كان الوالد محمد رزق يشعر بأنه لن يرى ابنته عندما تكبر، فأراد تعويض ذلك في السنوات القليلة التي عاشها معها، فحادثة على الطريق كانت سبباً في توديعه الحياة فجأة، لتدخل أمينة رزق في حالة حزن واكتئاب غيّرت مسار حياتها، فكانت الحادثة وارتداء والدتها الملابس السوداء وحالة الحداد التي عاشتها الأسرة على شباب الأب الراحل سبباً في شعورها بفقدان الأمان، خصوصا أنها لن تتمكن من الذهاب إلى المدرسة بمفردها لاحقاً، بينما حاولت الأم تعويض ذلك في الأيام الأولى بموافقتها على ذهاب ابنتها برفقة صديق والدها في طريقه يومياً. اتشحت القرية الصغيرة بالسواد، لم تدرك أمينة ما حدث بعدما وجدت نساء عائلتها خاصة والدتها وجدتها يصرخن وينهمرن في البكاء، في البداية حاولوا إخفاء حقيقة الأمر عنها، لكن لم تمر دقائق قليلة حتى علمت أمينة بالخبر المؤسف، فقد مات والدها الذي اعتاد تدليلها بين الفتيات، وميزها عنهن بالذهاب إلى المدينة والمدرسة، مات من أحبها وعاملها كفتاة ناضجة وليس كطفلة ممنوعة من مغادرة المنزل مثلما كان حال أقرانها. حاولت الأم تعويض غياب الأب، فالشدة التي كانت تظهرها أحياناً توقفت عنها، وبدأت تدلل ابنتها وتسمح لها بمرافقتها في نومها بنفس الغرفة، بعدما كانت ترفض ذلك، وتقاسمت الأرملة الشابة الحزن مع ابنتها... صحيح أنها حاولت الصمود والتغلب على المشاعر المتضاربة التي عاشتها، لكنها حرصت على ألا تشعر ابنتها بأن الحياة اختلفت بعد وفاة والدها الذي لم يكن مجرد زوج عادي، بل شخص اجتمعت فيه صفات جعلت شريكة حياته، لا تتحمل بعد رحيله مواجهة أي مشكلة أو صعوبات الحياة القاسية، فقد كان يعاملها معاملة ظلت تتذكرها حتى وفاتها. أمُها كاتمة أسرارها تقول أمينة: «من لحظة وفاة أبي تحولت أمي إلى ظلي الذي لا يفارقني، كاتمة أسراري التي أبوح لها بكل شيء، صحيح أنني قمت في بداية حياتي الفنية بإخفاء بعض الأمور عنها، لكنها كانت تشعر بي وبما أفكر فيه، وبدأت الحياة بينهما تسلك مسارا آخر»، مضيفة: «احتضان أمي لي ومحاولتها التغلب على أحزانها، ومساعدتي على تجاوز محنة وفاة والدي المفاجئة جعلتني أشعر بالأمان، وأنني لست بمفردي في هذا الموقف الصعب، خصوصا بعد الأيام الصعبة التي عشناها». وتابعت: «تحولنا إلى جسد واحد، لأن الفارق بيننا لم يكن كبيراً، فهي تزوجت صغيرة ما جعلني أشعر أنها شقيقتي الكبرى وليست أمي فقط، لم يكن بيننا رسميات أو مناسبات، كانت تعاملني كطفلة حتى وفاتها، وتحرص على منحي المصروف، فهي سيدة أدين لها بفضل كبير فيما وصلت إليه». ربما ساهم قرار والدة أمينة في رفض الزواج مجدداً -والذي لم يكن مطلب والدتها فحسب ولكن مطلب جدتها أيضا- في خلق حالة خاصة من العلاقة بينها وبين ابنتها، فالأم لم تدّخر جهداً في تربية ابنتها ورعايتها والتفرغ لها، فبالرغم من عدم تعلمها، حيث لم تلتحق إلا بـ«الكتَّاب» لفترة وجيزة في طفولتها، فإن عاطفة الأمومة الجياشة لديها كانت كفيلة بأن ترفض مطالب نساء القرية ورجالها بأن تتزوج من آخر يعولها ويساعدها في تربية ابنتها، خصوصا أنها لم تكن أكملت عامها الخامس والعشرين، لكن الأم الشابة أبت أن تأتي بزوج قد يضايق ابنتها أو يعاقبها بقسوة، رغم جمالها الذي كان يمكنها من الارتباط، وبداية حياة جديدة بعد وفاة زوجها. المؤكد أن الصلابة التي شاهدتها أمينة في والدتها بالحديث عن مطالبتها بإغلاق هذا الموضوع، ورفضها الحاسم للزواج وتعاملها بحسم في القرارات التي تخص حياتها هي التي شكلت وجدانها كطفلة، وانعكست في علاقاتها بالمحيطين بها لاحقاً، فالنشأة في كنف أم صارمة تتحمل نتيجة قراراتها حتى لو كانت خاطئة ولديها قدرة على المواجهة أثرت إيجابياً في تكوين شخصية أمينة رزق التي خرجت صلبة تدافع عن مواقفها واختياراتها. أزمات القرية لم يترك الأب لزوجته وابنته أرضاً أو ميراثاً في منزل يجعلهما يتمسكان بالبقاء في القرية التي بدأت الخلافات تدب فيها بين فرعي عائلة والدها بسبب خلافات ثأرية قديمة تجددت على خلفية مشاكل بين الأطفال، وهي أحد الأسباب التي جعلت عائلة أمينة تفكر في السفر إلى القاهرة والاستقرار فيها، مستغلين امتلاكهم الأموال السائلة والذهب الذي يمكنهم من الإقامة في العاصمة بعيداً عن مشاكل القرية، وجعلت الجميع يعيشون في قلق، بينما وصلت ثورة 1919 لذروتها، وتفاقمت الأوضاع في القرية التي وقف أبناؤها في مواجهة الاحتلال الإنكليزي، فكانت الأخبار شبه يومية عن وقوع أحد أبنائها شهيداً في التظاهرات الرافضة للاحتلال الإنكليزي. وبينما تتواصل الأحزان على رحيل الأب الشاب، جاءت سيدات من قرية مجاورة لتقديم واجب العزاء للزوجة المكلومة، قدمن أنفسهن بأنهن زوجات وأقارب عمدة قرية مجاورة، كان محمد أفندي يتبادل التجارة مع أهلها، وعلمن بالخبر بعد عدم قدومه لعدة أيام على عكس العادة، لتتحول الجلسة بعد العزاء إلى مناقشة مصير التجارة التي كان يقوم بها الزوج الراحل، وأخبرن الزوجة بأن الراحل كان له 3 جنيهات باقي معاملات تجارية وقمن بتسليمها لزوجته التي عادت للإقامة مع والدتها في منزلها. صفقة مزيفة تكررت زيارات السيدات بشكل شبه يومي، وعرضن على الزوجة الدخول في شراكة بالأموال مع عمدة القرية القريبة «الشيخ علام» حسبما أخبروها، وهو تاجر كبير لديه تجارة مع كبار الباشوات في القاهرة والعزب المحيطة، وتحمست الأم للدخول في شراكة بتجارة تحقق لهن عائداً يعيشن من خلاله، لكنها فوجئت بشرط سدادها نصف رأس المال الذي قدروه وقتها بـ40 جنيهاً، وهو المبلغ الذي كان يعني أن تضع الأسرة كل ما ورثته عن الأب في هذه التجارة، التي رغم ربحيتها المضمونة فإنها تحمل مخاطرة كبيرة بوضع كل ما يملكونه بها، خاصة أن الأم لا تعرف مهنة، ولا تجيد القراءة والكتابة، وتريد الإنفاق على نفسها وعلى ابنتها الصغيرة. ترددت الأم قليلاً، لكن الفكرة لاقت ترحيبا منها بعد تفكير، فخوفها على مصير الأموال، وشعورها بالخطر زال عندما تذكرت مبلغ الجنيهات الثلاثة التي ردها الشيخ علام مع نسائه إليها بعد وفاة زوجها، وقبل الاتفاق في اليوم التالي كانت النساء تودعن والدة أمينة، بينما دخلت بعدهن لزيارتها الست نفوسة جارتها التي ما ان ألقت السلام وتبادلت القبلات مع الأم حتى بدأت في الحديث. • نفوسة: هو صحيح هتدفعي 40 جنيه لشراكة العمدة؟ - الأم: آه... بس انت عرفتي منين يا نفوسة؟ • نفوسة: الستات اللي كانوا عندك أنا سمعتهم وأنا جاية بيتكلموا على سرقة الفلوس دول شكلهم نصابين من اللي بنسمع عنهم. - الأم: يا لهوي ده أنا ماكنتش قولت لحد خالص. • نفوسة: طب الحمد لله إني لحقتك، ربنا بعتني في الوقت المناسب علشان دي فلوس حلال وحق اليتيمة دي (في إشارة إلى أمينة). عادت النساء في اليوم التالي وبرفقتهن العمدة المزيف، وما ان وصلن إلى المنزل حتى فوجئن بالست نفوسة، وهي سيدة تجاوزت عقدها الخامس تجلس مع والدة أمينة وجدتها، حيث تم إبلاغ العمدة بعدم قدرتهن على مشاركته في التجارة لعدم توافر المال. • الشيخ علام: بس يا ست أم أمينة ممكن نبدأ بـ30 جنيه بس. - نفوسة: والله يا شيخ اللي موجود يا دوب يمشي البيت، وأكيد لو بقى في ورث للمرحوم أو تجارة تجيلنا فلوسها مش هنلاقي أحسن منك. أدرك الشيخ علام ونساؤه أن مخططتهم قد كشف للعائلة الصغيرة، وأنهم يتهربون من شراكته، فخرج من منزلهم دون أن يحصل على أي مبلغ مالي، بينما شكرت العائلة الست نفوسة على دورها في إنقاذهم من الكارثة التي كانوا على وشك التورط فيها. تصاعد خلافات الثأر تسارعت الأحداث في القرية، وتجددت الخلافات بين أفراد عائلة أمينة رزق وتجدد الثأر بينهم بالتزامن مع وصول ثورة 1919 لذروتها، وبدأ الضحايا يسقطون بين الجانبين، مما دفع العائلة إلى التفكير في السفر للقاهرة ليقيموا بها، وهي الخطوة التي اقترحت الأم الأرملة على والدتها الجدة العجوز التي وافقت على السفر، فجمع الاسرة أغراضها القليلة، وباعت منزلها الصغير وانتقلت إلى القاهرة للإقامة بها، فكان من الصعب على عائلة لا يوجد بها رجل أن تعيش في قرية أصبح صوت الرصاص يطلق فيها كل ساعة بسبب الخلافات الثأرية. غادر أفراد الأسرة مستقلين القطار، وهم يفكرون في المكان الذي سيقيمون فيه بالقاهرة، فالأم سمعت عن منطقة «روض الفرج» التي يقطنها متوسطو الحال، وقررت الذهاب للبحث عن شقة صغيرة للإيجار تستأجرها مع عائلتها، فوالدتها وشقيقتها الصغرى أمينة وابنتها أمينة سيقيمن معها في نفس الشقة، لتكون أمينة على موعد مع رحلة ليست فقط لتغيير محل إقامتها، ولكن مع أبواب الفن والشهرة والمجد التي طرقتها في عاصمة المحروسة. الوصول إلى العاصمة وصلت العائلة إلى القاهرة مبكراً في القطار، 4 نساء أكبرهن الجدة التي لم يتجاوز عمرها 45 عاماً مصطحبة ابنتيها وحفيدتها، توجهن إلى منطقة «روض الفرج» للبحث عن شقة لاستئجارها في المنطقة التي سمعن عنها في بلدتهن الصغيرة باعتبارها أحد الأماكن المناسبة للإقامة للوافدين، لكون أسعارها جيدة وبعيدة عن المناطق الشعبية التي لم تكن العائلة ترغب في الإقامة بها، خصوصا أنهن سيعيشن بلا رجل يحميهن من أحاديث أبناء المناطق الشعبية، التي لم تكن تتوقف عندما تقيم نساء بمفردهن في إحدى الشقق المستأجرة. وجدت الأسرة غرضها في شقة جيدة الفرش وبإيجار يناسب المبلغ الذي يعتزمون الإنفاق منه بعد وصولهم، وبدأوا في تنظيف الشقة التي كساها التراب، بينما لم تكن تخطط الأسرة لخطواتها المقبلة إلا بالبحث عن مدرسة قريبة تستكمل فيها الطفلة أمينة تعليمها، بينما ستجلس خالتها الصغيرة مع شقيقتها وأمها في المنزل دون عمل على الأقل في الأسابيع الأولى من الإقامة في العاصمة. معاودة الدراسة كانت أمينة توقفت فترة عن الذهاب إلى المدرسة، حين كانت في قريتها، فقبل الانتقال إلى القاهرة، كانت لدى والدتها رغبة في تعويض ابنتها عن فقدان والدها، خصوصا بعدما اضطرت إلى التوقف عن إيفادها مؤقتا إلى المدرسة بسبب التظاهرات، ولما انتقلت الأسرة للإقامة في القاهرة قدمت الأم أوراق أمينة لمدرسة «ضياء الشرق» القريبة من المنزل، وجعلتها تتردد عليها بانتظام، وعادت أمينة إلى الدراسة، وتفوقت فيها بسبب حبها للعلم بينما كانت تستغل خالتها خروجها لشراء مستلزمات المنزل بعد الظهر، لمشاهدة كواليس بعض العروض التي كانت تقدمها مسارح روض الفرج في تلك الفترة، حيث جرت العادة أن يقوم الممثلون بـ»البروفة» ظهراً قبل أن يعودوا في المساء لتقديم عروضهم. لم يكن مقبولاً أن تتأخر الفتيات الصغيرات خارج المنزل سواء في شراء متطلبات المنزل أو في العودة من المدرسة مثلما هو الحال بالنسبة لأمينة رزق، وهو ما قيد حركتها كثيراً في الأيام الأولى من الإقامة في «روض الفرج» إلى أن اقترحت الخالة على شقيقتها الكبرى أن تصطحب أمينة يومياً لشراء متطلبات المنزل بعد انتهاء دراستها حتى تجيد مهارة الشراء، وهو الطلب الذي وافقت عليه الأم دون تردد، لأن طفلتها الصغيرة ستكون في النهاية زوجة وعليها أن تجيد فن التسوق، لكن السبب الحقيقي وراء تطوع الخالة لتعليم أمينة رزق مهارة الشراء لم يكن سوى رغبتها في أن تصاحبها لحضور بعض البروفات التي تشاهدها للفرق المسرحية التي تقدم عروضها على المسارح القريبة من المنزل. • الخالة: فاكرة يا أمينة المسرح اللي شوفناه في طنطا؟ - أمينة: طبعاً وده يتنسي. • الخالة: في مسارح كتير زيه حوالينا قريبة من البيت والمدرسة بتاعتك أنا شوفتهم وسمعت عنهم من الناس في السوق. - أمينة: الله يرحمه بابا اللي كان بيودينا المسرح. • الخالة: أه طبعاً بس إحنا ممكن نروح برضو. - أمينة: إزاي بس؟ هي نينا هترضى تخلينا نروح؟ • الخالة: ومين هيقولها. - أمينة: أنت عاوزانا نروح من وراهم؟ • الخالة: أنا رحت كذا مرة واتبسطت ومش بتأخر ولو قلتلهم أكيد هيضربوني... انت عارفة إنهم بيبقوا عارفين أنا لما بخرج بروح فين. • أمينة: طيب أنا ممكن اجي معاكي إزاي؟ - الخالة: بصي أنا قولتلهم هاروحلك بكرة المدرسة وتيجي معايا نشتري حاجات البيت... أنا هشتري الحاجات بدري ونروح نتفرج أول ما تخلصي مدرسة. بروفة لعرض كوميدي استعراضي ذهبت أمينة رزق إلى المسرح مع خالتها في اليوم التالي، دخلتا من باب الممثلين وجلستا بعيداً تشاهدان الأداء والنكات التي تلقى على المسرح والاستعراضات التي تقدم، فكانت البروفة لعرض كوميدي استعراضي لم يشعر بوجودهما أحد حتى غادرتا في هدوء وعادتا إلى المنزل وقامتا بإجراء بروفة مماثلة واتفقتا على الذهاب لمشاهدة البروفات مرتين أو 3 أسبوعياً. شاهدت الطفلتان بروفات الفرقة وعادتا إلى المنزل، لتقليد الممثلين بعدما اشترتا كتالوغ الفرقة الذي تضمن الأغاني الموجودة في عرض الفرقة، فكتالوغات الأغاني كانت زهيدة الثمن، حيث استخدمتها الفرق في الدعاية الخاصة بها لمواجهة المنافسة الشديدة، خصوصا أن مسارح روض الفرج أصبحت وجهة الفن الاستعراضي إبان تلك الفترة بسبب طبيعتها الصيفية، التي كانت تجذب الجمهور، بينما تنتقل في الشتاء لشارع عماد الدين بوسط العاصمة. إصابة في تظاهرة خلال الشهور الأولى بعد وفاة والدها كانت أمينة رزق تذهب إلى المدرسة مع العم محمود صديق والدها، حيث كان يصطحبها مع نجله الصغير ويعيدهما معاً في نهاية اليوم، فكان سبب بقائها عدة أسابيع إضافية في المدرسة إلى أن قررت والدتها عدم ذهابها مجدداً بعد تعرضها لحادث. فذات يوم ولدى عودتها من المدرسة فوجئ العم محمود بتظاهرة كبيرة للطلاب قرب مدخل القرية، وتركت أمينة يده وكذلك نجله ولم يستطع العم محمود رؤيتهما بسبب شدة الزحام الذي أصاب الأطفال بالرعب، خصوصا أن الطلاب لم يكونوا يرددون أي عبارات إلى أن وصل القطار بالقرب من شريط السكة الحديد فانقسموا إلى فريقين، الأول يهتف «عاش الملك» والثاني يردد «يسقط الملك»، وهي الهتافات التي صاحبت ذروة ثورة 1919 ووقعت أمينة مصابة نتيجة التدافع بين الجانبين. لم تشارك أمينة في التظاهرة أو تحاول الانضمام إليها، لكن جسدها النحيل جعلها تتنقل في الزحام بين المتظاهرين دون أن يشعروا بها، وعندما عادت إلى منزلها وملابسها متسخة والدم يسيل من يدها قررت والدتها عدم ذهابها للمدرسة مجدداً مكتفية بما تعلمته حتى عامها الثامن.

مشاركة :