فك الارتباط بين الغنوشي والسبسي يتسارع في اتجاهات مختلفة عكس مقترح مشروع المساواة في الإرث بين الجنسين في تونس، إضافة إلى مقترح زواج التونسية بغير المسلم، التناقض الفكري والأيديولوجي بين الائتلاف الحاكم في تونس. وإن أراد الرئيس التونسي أن يؤكد من خلال دعوته التشريعية الجديدة أنه يطمئن فيها مؤيديه بحفاظه على مدنية الدولة التونسية وتكريسا لنهج الحداثة والسير على خطوات المبادئ البورقيبية وإن تحالف مع الإسلاميين، فإنها تضع رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي في مأزق جديد حيث ستحرج هذه القوانين الجوهر الفكري للحركة، ما يكشف عن بوادر فك ارتباط بين الحركتين ستزيد من حدتها معركة التحوير الوزاري والانتخابات المحلية المرتقبة.العرب الجمعي قاسمي [نُشر في 2017/08/28، العدد: 10736، ص(7)]تحالف هش تونس - فرض مسار المشاورات الجارية حول التحوير الوزاري المرتقب في تونس، إيقاعا سياسيا بمُعطيات ووقائع، وأدوات جديدة، جعلت حيثياته، وما رافقه من ضجيج مُتصاعد، يدفع باتجاه الحسم في الكثير من المسائل الغامضة في علاقة بالتحالف الهش بين حركتي النهضة الإسلامية ونداء تونس. وبدأ هذا المسار بتفرعاته التي كشفت عن مواقف متباينة بين الحركتين، يرسم إلى حد بعيد التصورات المُحتملة عن فك الارتباط بين الحركتين، الذي أسس له لقاء باريس بين الرئيس الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي في صيف العام 2013. ورغم أنه من المُبكر الذهاب بعيدا في التقاط تداعيات تلك المواقف المتباينة على العلاقة الراهنة بين الحركتين، فإن ذلك لم يمنع من بروز بعض القراءات السياسية التي ترى أن عقارب ساعة فك الارتباط بين السبسي والغنوشي بدأت تتسارع في كل الاتجاهات. وتذهب تلك القراءات إلى حد القول إن نهايات ذلك الارتباط الذي شوه صورة المشهد السياسي، بدأت تتجلى عمليا على أكثر من صعيد، من خلال جملة من الرسائل التي تضمنت جوانب صادمة في بعض تجلياتها، ومُحرجة للغنوشي، أطلقها الرئيس السبسي على دفعات تنبئ بسخونة مخرجاتها.يدرك الباجي قائد السبسي أنه بإطلاق مبادرة المساواة في الإرث سيزعزع مكانة الغنوشي على الصعيدين الإقليمي والدولي مأزق جديد للغنوشي بدأت تلك الرسائل التي تتالت خلال الأسابيع الماضية، بمبادرة “المساواة بين المرأة والرجل في الإرث”، و”السماح للمرأة التونسية المُسلمة بالزواج بغير المسلم”، وهي مبادرة مازالت تتفاعل وسط جدل مُتصاعد داخليا وخارجيا، جعلت الغنوشي في مأزق جديد مس في جوهره أدبيات حركته وثوابتها الفكرية والتنظيمية التي تُحدد هويتها ومرجعيتها الإسلامية. ويُدرك الرئيس السبسي أنه بهذه المبادرة سيُزعزع مكانة الغنوشي على الصعيدين الإقليمي والدولي في علاقته بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، وبتنظيمات الإسلام السياسي عامة، إلى جانب إضعافه داخل حركته التي تُعاني أصلا من صراع داخلي حاد بأبعاد سياسية وفكرية اقترب كثيرا من الانقسام العمودي والشرخ القاعدي. كما يُدرك أيضا أنه بهذه المبادرة يكون قد بدأ في رسم تخوم جديدة لعلاقاته مع الغنوشي الذي لم يشفع الصمت الذي التزمه في بروز مؤشرات معركة مُتداخلة فكريا مع معركة سياسية تستهدف إعادة تشكيل توازنات المشهد السياسي وفق خارطة جديدة أكثر تعقيدا من التشابكات الفكرية ذاتها. مسار التحوير الوزاري وبالتوازي، كشف مسار المشاورات حول الأزمة الحكومية في علاقة بالتحوير الوزاري المُرتقب، وما رافقه من مواقف متناقضة إلى حد التنافر، أن حركة نداء تونس برئاسة السبسي الابن انضمت إلى هذه المعركة، وانخرطت فيها بشكل مباشر لتسجل حضورها فيها على وقع المتغيرات السياسية المُتلاحقة. ويتضح هذا الانخراط من خلال مطالبة حركة نداء تونس بتحوير وزاري عميق على عكس حركة النهضة التي تُطالب بتحوير وزاري جزئي، وتأجيل التحوير الوزاري الواسع إلى ما بعد الانتخابات البلدية (المحلية) المُقرر تنظيمها في 17 ديسمبر المقبل. ويُشير موقف حركة نداء تونس المُتناقض مع موقف حركة النهضة الإسلامية، وانخراطها في هذه المعركة، إلى أنها خططت له ودرست عائداته قبل مآلاته، واختارته لأنها تُدرك نتائجه ومفاعيله، وقادرة على استيعاب تبعاته والإحاطة بتداعياته.سياق التفاهم بين حركة نداء تونس والنهضة الإسلامية لم يعد شرطا ملزما يحول دون المزيد من التدحرج السياسي وتعكس هذه التطورات إذا صحت تسميتها بالمعركة الثانية بين السبسي والغنوشي باعتبار أن المعركة الأولى بدأت بتشكيل حركة نداء تونس في العام 2012، وانتهت بانتخابات 2014 التي كرست تفاهمات لقاء باريس، أن الأمور باتت تتجه بجبهاتها الفكرية والسياسية نحو رسم خط فاصل في خارطة المشهد الراهن الذي تتقاذفه أجندات سياسية مُتنوعة ومُتنافرة. وفتحت في المقابل نافذة على الكثير من التساؤلات الصعبة وأحيانا المحرجة، التي لا تتسع السياسة لاستيعابها، ذلك أن الخلافات بين حركتي النهضة الإسلامية ونداء تونس ليست جديدة، وسبق أن ظهرت فصول مُتدحرجة منها خلال الفترة الماضية بعناوين تختلف عن سابقاتها، لكنها لم تصل إلى حد فك الارتباط بينهما. ولا يُمكن التعويل على تلك الخلافات لبناء موقف واضح، وبالتالي الذهاب إلى حد القول إن فك الارتباط بينهما أصبح وشيكا، أو قاب قوسين كما يروج له البعض من المُقربين لقصر قرطاج الرئاسي، وشق من حركة نداء تونس، لكنها تعد مؤشرا في سياق تراكمات من الاستدلال السياسي الذي يُبقي هذا الأمر حاضرا بقوة في القراءات السياسية المرافقة لهذا المشهد الجديد الذي تتدحرج فيه المواقف المتناقضة بين الحركتين. لكن الرغبة المُلحة التي تُبديها حركة نداء تونس في إعادة التموضع داخل خارطة المشهد السياسي بحساباته المعقدة، والتي تنسج توقيتها ووقائعها بين الحين الآخر في سياق السعي لاستعادة تأثيرها الداخلي، الذي وصل إلى أخطر مراحل التلاشي والغياب، يجعل من الاندفاع نحو فك الارتباط إمكانية واقعية تفرضها معطيات الواقع التي تدفع نحو إعادة ترتيب الأولويات السياسية. ويدفع مسؤولو حركة نداء تونس، وخاصة الذين التحقوا بها حديثا، بهذا الاتجاه من خلال التأكيد على أن سياق التفاهم بين حركة نداء تونس والنهضة لم يعد شرطا ملزما يحول دون المزيد من التدحرج السياسي، وبالتالي يتعين على نداء تونس التخلص من صورتها التي أوغلت في وقت سابق في تبعيتها وتهميش وجودها، لتصبح مجرد رقم سياسي يعمل لحساب حركة النهضة. وهذا الموقف المحكوم بمشهد ضاغط بجوانبه المختلفة ارتباطا بالاستحقاق الانتخابي المُرتقب، والخشية من أن يُسفر عن سيطرة حركة النهضة على البلديات، بدأ يتسلل إلى بقية الأطراف السياسية التي لا تتردد في التأكيد على ضرورة التقاط اللحظة وما تفرضه في الحسابات والمعادلات السياسية، والاستفادة من تعميق التناقضات بين الحركتين. ومع ذلك، لا يمكن الجزم بأن المفاعيل السياسية المرافقة لهذه التطورات ستُشكل المنعطف المطلوب، الذي سيجعل السبسي وحركة نداء تونس يُعيدان حساباتهما، وصولا إلى مُربع فك الارتباط الحالي، باعتبار أن كواليس العلاقة بين السبسي والغنوشي مازالت عصية على التفكيك، لكن المعركة في حد ذاتها أتاحت إثارة هذه المسألة من زاوية ضرورة تخلى نداء تونس عن آليات عملها وتحالفاتها المُلتبسة. صحافي تونسي
مشاركة :