تواصلت فعاليات ندوة الحج الكبرى التي تنظمها وزارة الحج والعمرة بمكة المكرمة بعنوان: "الحج منبر السلام.. من بلد الله الحرام"، وجلساتها العلمية في مساء يومها الثاني الأحد 5 ذو الحجة 1438 هـ، وذلك وسط اهتمام كبير وحضور مميز ومشاركة لافتة لنخبة من العلماء والمفكرين والمثقفين من المملكة ومن مختلف دول العالم الإسلامي. وفي التفاصيل، ترأس الدكتور خالد بن فيصل الفرم، الأكاديمي وأستاذ الإعلام السياسي في جامعة الإمام، الجلسة العلمية الخامسة التي تناولت موضوع: (تطبيقات الإعلام الرقمي وأثرها في خدمة الحج ونشر السلام)، والتي رحّب في بدايتها بالمشاركين والحضور، وقدّم تعريفاً موجزاً وسيرة ذاتية مختصرة لكل منهم، وأوضح أهمية تخصيص هذه الجلسة لمناقشة موضوع: (الإعلام الرقمي) الحيوي والمهم، والذي أضحى ظاهرة بارزة ووسيلة حققت انتشاراً كبيراً، ويجب الوقوف عندها، ومناقشة كافة جوانبها، وبحث كيفية الاستفادة من هذه التقنية لخدمة الحج والحجاج، ونشر ثقافة الاعتدال والإخاء والسلام. وبين الدكتور "الفرم" أن الوسطية سمة هذه الأمة، وبها تُعْرف بين الأمم، وهي حالة محمودة تدفع أهلها للالتزام بهدي الإسلام فيقيمون العدل بين الناس، وينشرون الخير، ويحققون عمارة الأرض وعبودية الله، وحقوق الإنسانية بين بني البشر، وعدّد الدكتور خالد الفرم أنواع تقنيات الإعلام الرقمي، وأوضح مجال استخدام كل نوع منها. وشارك في هذه الجلسة الكاتب والإعلامي المصري د. ياسر عبدالعزيز، بورقة علمية بعنوان: (دور الإعلام الرقمي في نشر ثقافة السلام وإرساء قيمه وتعزيزه)، أشار فيها إلى تعاظم الدور الذي تؤديه وسائل الإعلام الرقمية في المشهد المجتمعي باطراد، في ظل التطورات الضخمة والمتسارعة التي يشهدها مجال الاتصال، أكدوا أنه ضمن هذا الدور، يتزايد حجم التأثير الذي تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي في السلوك السياسي والاجتماعي للأفراد والجماعات، وأنه هو الأمر الذي انتبهت له القوى الفاعلة في عالمي السياسة والحرب، حيث صاغت إستراتيجيات جديدة لاستخدام تلك الوسائل في تحقيق أهدافها. ونوه المتحدث بأن الدور الذي يمكن أن تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي، قد ازداد مع تطور أشكال الحروب وظهور ما يُعرف بـ"حروب الجيل الرابع"، وبالتالي برزت أدوار جديدة لوسائل التواصل الاجتماعي، مثل: استخدامها كآلية للحشد والتعبئة لتنظيم بعض الاحتجاجات وأعمال العنف والاضطرابات الأمنية، وكذلك استخدامها في تعليم تصنيع المتفجرات، والتحريض على الإرهاب، فضلاً عن تقويض الروح المعنوية للجمهور، وإشاعة الكراهية، والتمييز، والتحريض على العنف، وغيرها من المفاهيم المناهضة للسلام. عقب ذلك، استعرض المهندس أحمد علوي غمري، الرئيس التنفيذي لشركة "سجل التقنية"، تطبيقات التقنيات التي تستخدمها وزارة الحج والعمرة في خدمة ضيوف الرحمن، والتي استهلها بمقدمة للتعريف بأبرز الجهود التي قامت بها وزارة الحج والعمرة لتطوير خدمات ضيوف الرحمن والارتقاء بها، وذلك بتصميم نظام "آلي"لتيسير هذه الخدمات وتسهيلها، تمثل في إنشاء وتشغيل: (مركز معلومات الحج والعمرة)، التابع للوزارة قبل نحو خمس عشرة سنة، وربطه في منظومة تقنية متكاملة مع عدة جهات، والذي أسهم في تقنين الإجراءات الخاصة بضيوف الرحمن، والتي يبلغ عددها نحو (1,200) خدمة كانت تتم بطريقة ورقية يدوية، وتنفيذها بنظام إلكتروني فعال، وذلك بنظام جديد وفريد ومتطوِّر، وهو المشاركة مع القطاع الخاص، مقدماً عرضاً مفصلاً لمكونات هذا النظام، مثل: (محرك الضوابط وتأهيل جميع مزودي الخدمات إلكترونياً، ونظام الدفع الإلكتروني، وأنظمة دعم اتخاذ القرار، وأهم التقنيات المستخدمة). وقدم الإعلامي من البوسنة والهرسك خير الدين حمنتوش، ورقة علمية بعنوان: دور وسائل الإعلام الرقمي في نشر المضامين الفقهية للحج بمختلف اللغات)، والتي أوضح فيها أن الحج مؤتمر إسلامي كبير، وأكد على ضرورة استثمار مواسم الحج للدعوة للسلام، وعدّ وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة من أهمّ أدوات الدعوة للوسطية والاعتدال، مبيناً كيفية الاستفادة منها لتحقيق السلام، مقسماً بحثه إلى عدة مباحث، منها المبحث الأول الذي يتناول المصطلحات وتعريفها، والثاني الذي يستعرض أدوات الإعلام الرقمي الجديد، ومبحث ثالث خصصه لبعض التوصيات والمقترحات، والخاصة بكيفية الاستفادة من "الإعلام الجديد" في نشر ثقافة الإسلام خلال مواسم الحجّ. وأعقبته الدكتورة ناجية قموح، أستاذ التقنية الرقمية بجامعة قسنطينة بالجزائر، بمحاضرة ختامية في الجلسة العلمية الخامسة هذه، حملت عنوان: (تطبيق أدوات الإعلام الرقمي في توعية الحجاج)، مشيرة إلى أن التطور المذهل في وسائل الاتصال والإعلام في عصر تكنولوجيا الاتصال والمعرفة الرقمية، قد أدى إلى ظهور نوع جديد من الإعلام، ألا وهو: (الإعلام الرقمي التفاعلي)، الذي جاء بأدوات جديدة أحدثت تغييرات وتحولات جذرية تحطمت معها القيود الإعلامية، وظهر معها نمط جديد في صناعة وتوزيع المحتوى الإعلامي، مؤكدةً أنه لم تعد الرسائل الإعلامية حكراً على المؤسسات الحكومية، ولم يعد الفرد مجرد مستقبل لها، بل أصبح مشاركاً في صناعة محتوى النص الإعلامي وموزعاً له، وجزءاً من شبكات تفاعلية ضخمة وميسرة الاستخدام، هي: (أدوات الإعلام الرقمي، أو الإعلام الجديد). وذكرت قموح أن الإعلام الرقمي بكل تقنياته وأدواته ووسائله قد أصبح إعلاماً حياً، تقاربت معه المسافات الزمانية والمكانية، بحيث تشترك فيه عدة أطراف في الحديث والرأي والحوار وله آثاره الكبيرة، وتأثيراته البالغة على سلوك الناس: (ثقافتهم، وعاداتهم، ومعتقداتهم)، وهو بهذا أصبح يعد الوسيلة الأولى التي تشكل اتجاهات الناس، نحو الموضوعات والمواقف الحياتية اليومية التي تعيشها وتواجهها المجتمعات العالمية، كما أصبح الإعلام يستخدم في التنظيم والبناء الاجتماعي المتكامل، من أجل مصلحة الفرد والمجتمع ككل، وفي شتى مجالات الحياة المعاصرة سواء في الجوانب الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو السياسية، أو الدينية، الأمر الذي أدى إلى زيادة التدفق الإعلامي عبر الوسائل المختلفة التي تنقل الأخبار. وأوضحت المتحدثة أنه أمام الأهمية البالغة لأدوات الإعلامي الرقمي - وخاصة خلال السنوات الأخيرة -، في نشر الأخبار وتوصيلها لمن يحتاج إليها في الزمان والمكان المناسبين، حاولت عديد الجهات والهيئات الحكومية وغير الحكومية تبني هذا الفهم الجديد في الإعلام، واعتمدت أدواته المختلفة التي من أهمها مواقع الشبكات الاجتماعية على "الإنترنت"، حيث استطاعت هذه الشبكات أن تخلق إعلاماً مختلفاً عن الإعلام التقليدي، في الطرح والتفاعل وسرعة نقل الخبر وتدعيمه بالصورة الحية والمعبرة لتوصيل مضامينها الإعلامية، ومن بين هذه الهيئات: تلك التي تهتم بفريضة "الحج" باعتباره من أركان الإسلام الخمسة، وهو عبادة العمر، وتمام الإسلام، وكمال الدين، ففي الحج وشعائره تتكامل جملة العبادات الاعتقادية والقلبية واللفظية والبدنية التي وجب إبرازها بالشكل المناسب، من خلال جميع أعمال توعية ضيوف الرحمن على إيصال المعلومة المختصرة المفيدة الواضحة، باستعمال جميع الوسائل المتاحة، وفي مقدمتها وسائل الإعلام الرقمي. وأوضحت أنه على ذلك يبقى على هذا الأخير صناعة المحتوى الإعلامي الهادف، والعمل على تعظيم شعيرة "الحج"، وتوعية ضيوف الرحمن بتلك الشعائر، من خلال نشر المعلومات المبسطة والواضحة والمختصرة والموثقة، لشرح أركان الإسلام وخاصة الركن الخامس الموضح لأحكام هذه الفريضة، بهدف تحقيق التوعية بصفة عامة، والتوعية المبكرة للحاج، وقبل وصوله إلى البقاع المقدسة بصفة خاصة، مع ضرورة الالتزام بالدقة والصرامة في توصيل هذه المعلومات، لإتمام مناسك "الحج" في أحسن الظروف. وحظيت هذه الجلسة العلمية بتفاعل كبير من الحضور والمشاركين، تمثل في عدد كبير من المداخلات والتعليقات والأسئلة والاستفسارات، ولتوصف هذه الجلسة بأنها من أكثر جلسات هذه الدورة من دورات ندوة الحج الكبرى، التي تشهد مثل هذا الكم من مشاركات الحضور.
مشاركة :