أفضل لاعب في العالم «بقى فكهاني» في الجيزة: «وظيفة الحكومة كانت عامل نظافة» (حوار)

  • 8/30/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

صورة لشاب ذو بشرة جنوبية وجدتها على أحد صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لكني حينما دققت فيها شعرت بأنني أعرف ذلك الوجه، أو ربما رأيته من قبل في إحدى الإعلانات الشهيرة، التي تغزو الجسور والشوارع. طارق الجزار، بالفعل هو ذلك الشاب لاعب المنتخب المصري لكرة القدم للصم والبكم، والذي حقق لقب أفضل لاعب في العالم ببطولة كأس العالم في إيطاليا عام 2016، لكن الغريب أنه لا يحمل في الصورة كأسًا أو تزين عنقه ميدالية، بل يرتدي جلبابًا رصاصي اللون وأمامه فاكهة، ويجلس في إحدى الميادين لبيعها. هو طارق أحمد علي محمد، الشهير بـ«طارق الجزار»، وُلد في 2 ديسمبر 1985، وحاصل على دبلوم صناعي في محافظة أسيوط، ونال جائزة أفضل لاعب في العالم لعام 2016 في بطولة العالم لكرة القدم للصم والبكم، لكن تلك الصورة تبددت وتحول إلى «فكهاني»، وهو ما يوضح أسبابه في حواره لـ«المصري لايت». . كيف كان الحال في بطولة كأس العالم بإيطاليا 2016 التي كُرمت فيها كأحسن لاعب بالعالم؟ كانت المشاركة الثانية لمصر في بطولة العالم ولها ظروف خاصة، لتزامنها مع حلول شهر رمضان، ووصلنا فيها إلى دور الـ 8، عندما توقف مشوارنا بعد الهزيمة من منتخب تركيا بهدف نظيف، أُحرز في الدقيقة 115. في نهاية البطولة حصلت على جائزة أفضل لاعب بالعالم، وهي التي تتساوى بالتي حصل عليها اللاعبان الشهيران كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي. . ماذا عن رد فعل المسؤولين تجاه ذلك الإنجاز؟ عندما عُدنا إلى  مصر طالبنا بالمكافآت، لكن كان الرد: «مالكمش لايحة»، وهي الجملة التي ترددت كثيرًا قبلها، ولم نحصل إلا على 30 ألف جنيه لكل لاعب، وأنا حصلت على مكافأة خاصة قيمتها 10 آلاف جنيه، نظرًا لحصولي على جائزة أفضل لاعب. . ما الذي دفعك للعمل في ميدان الجيزة كما شاهدنا في الصور؟ الحكومة قدمت لي وظيفة كعامل نظافة بمرتب 20 جنيه يوميًا بدون عقد، لكني لم أقبل، وهو ما دفعني إلى العمل على «فرشة» بميدان الجيزة، أبيع عليها الفاكهة للمارة أمام عمر أفندي. . ماذا عن حالتك الاجتماعية؟ أنا متزوج ولدي طفلين. . وأين محل إقامتك؟ أعيش في القاهرة، تحديدًا في المرج مع أخي وزوجتي، وأطفالي يعيشون في بيت العائلة بأسيوط. . كم يبلغ دخلك الشهري؟ الثابت 600 جنيه من المحافظة، إضافة إلى 600 جنيه آخرين من «فرشة» الفاكهة، أي دعنا نقول أن مجموع ما اتلقاه شهريًا هو حوالي 1500 جنيه. . ألا يساعدك أحد من أسرتك؟ توفي والداي ولا يساعدني أو يساعد أخوتي أحد، لذلك ليس أمامي بديل سوى الاعتماد على «الفرشة». . ماذا عن بقية زملائك بالمنتخب؟ لا يختلف حالهم عني، هناك من يعمل في محل «فول وطعمية»، وآخر كـ«نجار مسلح»، وثالث «مكوجي»، كما أن لي زميل يدعى مصطفى عبدالرحمن، هو ثالث هدافي البارالمبياد، ولديه 6 أطفال، وفرت له الحكومة أيضًا وظيفة كعامل نظافة بنفس المرتب اليومي الذي عُرض عليّ. الصم والبكم في مصر عددهم حوالي 6 مليون، مثبت منهم 20 فردًا فقط في الوظائف الحكومية، والبقية يمنتهنون الأعمال الحرة كما ذكرت مسابقًا، كي يقدرون على العيش ويستطيعوا أن يعولوا عائلاتهم. . نعود بالزمن إلى الوراء، كيف بدأت لعب كرة القدم؟ مثلي كأي لاعب كرة قدم، في الشارع، منه شاهدني أحد المدربين وأنا ألعب مع أصدقائي، ومن ثم سألني عن قوة السمع لديّ فور أن وجد السماعة في أذني، وعندما أخبرته أنه لا مشكلة في السمع أخبرني أن هناك نادي يُسمى «الوليدية»، من الممكن أن انضم للعب في صفوفه بدوري «الممتاز ب» للصم والبكم، وبالفعل ذهبت وأبليت بلاءً حسنًا، وبعد مرور عام صعد الفريق للدوري «الممتاز أ». . كيف انضممت إلى منتخب مصر للصم والبكم؟ أخبرني بعض مسؤولي المنتخب أنني أجيد اللعب، ولدي من الموهبة مايكفي للانضمام، وأبلغوني أنهم سيختبروني، وفي حالة القبول سألعب رسميًا في المنتخب. . قبل أن ننتقل إلى مشوارك مع المنتخب، كم كان عائدك المادي في فريق «الوليدية» بأسيوط؟ لم يكن هناك أي عائد مادي، كانوا يكتفون بتوفير وجبات غذائية، ومصروفات الإقامة في حال السفر إلى القاهرة، أو لأي مدينة أخرى خارج أسيوط. . ولماذا وافقت على ذلك؟ لم أعترض مطلقًا، لأنني كنت على أمل في أن يأتي يوم من الأيام وانتقل للعب في صفوف الأهلي أو الزمالك، ومن ثم استطيع أن أحصل على عائد مناسب. . ما هي رحلتك مع منتخب مصر منذ أن انضممت إليه؟ بعد أن انتهيت من الاختبارات وتم قبولي انضممت للمنتخب تحت قيادة الكابتن فؤاد عبد الحميد المدير الفني، والكابتن أحمد عبدالنبي المدير الإداري والأب الروحي لي، وصعدنا لأول مرّة في التاريخ إلى كأس العالم عام 2012 بتركيا، وحققنا نجاحات كبيرة وتفوقنا على العديد من المنتخبات القوية والمعروفة، حتى وصلنا إلى المباراة النهائية لكنا خسرنا، وتم ترشيحي لجائزة أفضل لاعب ولم أحصل عليها. . كم كانت المكافآت التي حصلتم عليها بعد تحقيقكم لذلك الإنجاز؟ أخبرنا العامري فاروق، وزير الشباب والرياضة السابق، وقتها أنه خصص مكافأة قدرها 5 ألاف جنيه، ولكننا اعترضنا وذهبنا إلى الوزارة، حتى وصل المبلغ إلى 12 ألف جنيه لكل لاعب. . كيف كانت التغطية الإعلامية لمنتخب الصم والبكم بعد بطولة كأس العالم تركيا 2012؟ لم نظهر سوى في قناة واحدة، وتحدثنا عن مطالبنا وعن المشكلات التي تواجهنا، ولكننا لم نجد أي خطوات إيجابية تُذكر وانتهى الأمر. . كيف كان مشواركم في بارالمبياد بلغاريا 2013؟ شاركت 125 دولة حول العالم في تلك البطولة، وبذلنا قصارى جهدنا ووضعنا مصر أمام أعيننا، وحاولنا أن نشرّف بلادنا حتى يلتفت الإعلام لنا ويظهر ما نقدمه من جهد، وحصلنا على المركز الرابع ولم نتلقى أي تشجيع حتى من السفير المصري في بلغاريا، وقال لنا: «هاتو أتوبيس وتعالو السفارة علشان نعملكم حفلة»، ولكننا رفضنا نظرًا لأننا لا نريد الاحتفال، بل كنا في حاجة له في أن يقوم بحل مشاكلنا مع الحكام في تلك البطولة، لأننا لم نكن نستطيع أن نتحدث معهم، نريد حقوقنا التي لا يدفع عنها أحد نحن نبذل كل مابوسعنا من الجهد وتحقيق البطولات، وعلى الرغم من ذلك لا نجد أي اهتمام أو تشجيع. . وماذا عن المكافآت تلك البطولة؟ أخبرونا في وزارة الشباب والرياضة أنه لا توجد لائحة تنص على ذلك، لأننا لا نُعامل معاملة الأسوياء ولا حتى المعاقين، وبالتالي فالمطالبة بحقوقنا دائمًا لا تجد إلا ذلك الرد «مافيش لايحة». لكننا قمنا بالإلحاح على وزير الشباب والرياضة وقتها، الكابتن طاهر أبوزيد، وأخبرنا أنه سيخصص مكافأة قدرها 15 ألف جنيه، وبعد مماطلات وافق على أن تكون 30 ألف جنيه، ولم نحصل سوى على 27 ألف جنيه بعد خصم الدمغات والضرائب. . هل هناك بطولات أخرى شاركتم فيها بعد كأس عالم بإيطاليا 2016؟ بالفعل شاركنا في بارالمبياد تركيا من 15 يوليو حتى 2 أغسطس، ولم ترسل الوزارة معنا طبيبًا للفريق، وعلى الرغم من تلك الصعوبات حصلنا على الميدالية البرونزية، وعندما عُدنا إلى وطننا تلقينا نفس الرد كالعادة بعدم وجود لائحة، وهو ما نكافح للحصول عليه منذ 2012. . علامَ تنص تلك اللائحة التي تطالبون بها؟ تنص على أن يتم معاملتنا بالمثل مع المعاقين من حيث المكافآت المادية، فوزارة الشباب والرياضة رفضت أن يتم التعامل معنا كما تعامل المعاقين أو الأسوياء، ولا نعلم لماذا كل هذا التكاسل، ونتساءل دائمًا بيننا البعض هل نحن نقوم باللعب لصالح منتخب آخر غير مصر لذلك لا يريدون أن يقوموا بتشجيعنا؟ أم أن الصم والبكم أصبحوا عبء كبير على الدولة ويريدون إحباطه والتخلص منه؟ بالإضافة إلى أن الوزارة لم تصرف المعاش الأوليمبي المتعارف عليه في حالة الحصول على أي ميدالية في الأوليمبياد «اللي خلاهم ماعمالولناش لايحة يبقى أكيد هيخليهم مايصرفولناش المعاش !!». . كم عدد أندية الصم والبكم في مصر؟ هناك 64 نادي صم وبكم، 12 في الدرجة «أ»، والباقي في الدرجة «ب». . ما هو الفرق بين منتخب مصر للصم و البكم ومنتخب مصر الأول من وجهة نظرك؟ الفرق هو أن منتخب مصر الأول مُسلّط عليه الأضواء، ولاعبوه يظهرون ليل نهار في الشاشات والإعلانات، والحكومة والأشخاص دائمًا لا يشجعون سوى المشهور الذي تملأ صوره الجرائد، أما نحن فعلى الرغم من تحقيقنا لكل تلك الإنجازات الكبيرة لم يستقبلنا أحد من المسؤولين في المطار مطلقًا، ولو حتى على سبيل التقدير، الجميع يعرف ويقدر الفنانين والراقصات، ولكنهم لا يعلمون شيئًا عن الصم والبكم في مصر. . ما هي ردود الأفعال على ما أنجزتموه في أوروبا؟ نحن مشهورون جدًا في أوروبا، عندما نتجول في الشوارع يتحدثون عنّا ويأتون إلينا كي يلتقطوا صورًا تذكارية، على عكس ما يحدث في مصر تمامًا. . ما هو رأيك في تجنيس اللاعبين المصرين؟ دائمًا أفكر في الأمر لكني لا أفعله، لأنني مصري وأحب بلدي الذي وُلدت فيها، وبالتالي أتراجع عن ذلك القرار، ولكن هناك زميل لي بالمنتخب يُدعى عمرو وجدي، تم تجنيسه ويلعب الآن لحساب منتخب اليونان للصم والبكم، وحقق معهم إنجازات كبيرة: «إحنا بنحب مصر وبنموت في تراب مصر، بس مصر مش شايفانا ولما بنمشي بيقولو مشيتو ليه، طيب نعمل إيه؟». . العام الماضي ظهرت في إعلان لإحدى شركات المحمول الشهيرة، أحكي لنا تلك التجربة.  أخبروني بأنهم يريدونني أنا اشترك في إحدى الحملات الإعلانية للشركة، ودفعوا 10 آلاف جنيه لي كمقابل للظهور في الإعلان، حينها أبلغني أصدقائي بأنني لا يجب أن أوافق على العرض لصغر المبلغ، لكنني أردت أن يعرفني الجمهور من خلاله، وهذا لم يحدث في النهاية. . هل ترى أن هناك تقصير من مجلس النواب بخصوص الصم والبكم في مصر من وجهة نظرك؟ تتم معاملتنا وكأننا شيء على الهامش لا ينتمي لمصر، ولذلك لا أتوقع أن يعلم مجلس النواب شيئًا عنّا، نحن غير موجودين من الأساس في الدستور الجديد الذي تم وضعه، وأريد أن أسأل الرئيس عبدالفتاح السيسي: «إحنا فين؟.. إحنا بس نفسنا يقدروا اللي بنعمله للبلد، إحنا عايزين بس 10% من اللي فرق الدرجة الأولى الكبيرة في مصر بياخدوه وهنبقى مرضيين». . هل تطلب شيئًا من وزير الشباب والرياضة أو من المسؤولين عموماً للصم والبكم؟ أريد من وزير الشباب والرياضة أن يصدر لائحة خاصة للصم والبكم تضمن لهم حقوقهم، كما أطالب بتوفير وظائف حكومية تضمن حياة مستقرة: «إحنا مش عايزين فلوس عشان عايزين نبقى أغنيا، إحنا حياتنا صعبة وعايزين نقدر نعيش». أما بالنسبة لي أنا لا أريد وظيفة حكومية، كل ما أريده هو «كشك أبيع فيه حاجة ساقعة وحلويات»، سأكون راضيًا تمامًا. الوزير دائمًا يخبرنا عندما نطلب مكافآتنا بأنه لا يوجد مال كافي، لكن المال ظهر فجأة عندما كافأ السبّاحة المصرية فريدة عثمان بـ 250 ألف جنيه، على الرغم من أنها تعيش بالولايات المتحدة الأمريكية، نعم هي تستحق ولكن أين المساواة؟: «حق الصم والبُكم في البلد ضايع». . هل تود توجيه رسالة إلى رئيس الجمهورية؟ نحن نريد أن نقابله، طلبنا ذلك مسبقًا ولم يستجب لنا أحد، نحن نحبه ونعلم أننا إن قابلناه ستتحرّك الأمور بشكل أسرع، نريده أن يستقبلنا في المطار كما استقبل المنتخب الأول بعدما عاد من بطولة الأمم الأفريقية، نحن ذهبنا إلى كأس العالم مرتين وحققنا إنجازات ولم يستقبلنا أي مسئول على الإطلاق: «ماحدش بيعبرنا». . ما هي البطولات القادمة لك مع المنتخب؟ بطولة أفريقيا العام القادم تقريبًا في الجزائر، والبطولة العربية في المغرب. . هل تلقيت أي عروض للاحتراف بالخارج؟ بالفعل حدث ذلك، بعدما أبليت بلائًا حسنًا في إيطاليا تلقيت عرضًا من نادي أرسنال الإنجليزي للصم والبكم، ولكن الأمر لم يتم، وهذه الفترة جاءني عرض من نادي إسباني، ومازال الأمر قائم حتى الآن، وهناك تواصل بيني وبين النادي وانتظر العقود. . ما هو حلمك في الحياة؟ أحلامي بسيطة مثل كل الشباب، كل ما أريده أن يصبح لدي شقة خاصة بي، أنا أعيش مع إخوتي الثلاثة في منزل والدي رحمه الله، وأن أمتلك سيارة بسيطة اتنقل بها أنا وزوجتي وأولادي. ماهو حلمك في كرة القدم؟ حلمي أن ألعب في صفوف منتخب مصر الأول.

مشاركة :