البلد الذي لا تغيب عنه الشمس

  • 8/31/2017
  • 00:00
  • 20
  • 0
  • 0
news-picture

لندن التي كنّا نزورها في الستينات لم تعد هي، لقد هجرها أهلها وسكانها ولَم يعد بها إنكليز، لقد خرجوا للضواحي وأصبحوا يميلون الى التقوقع، واستبدل بهم خليط عجيب من الآسيويين والأفارقة والأوروبيين الشرقيين والمشردين والنشالين واللاجئين ومن لفظتهم أوطانهم، حتى حاكم لندن الآن هندي الأصل، ولَم يعد هناك انضباط كالماضي، حيث كانت المحال تقفل مساءً، الآن مراكز التسوق في كثير من الشوارع تفتح لساعات الصباح الأولى. الروح الانكليزية المحافظة سابقا غير الروح الانكليزية الآن، فالتطور الاجتماعي لا يسير في خط مستقيم، إنهم يرفضون محيطهم الأوروبي فيما يعرف «بريكست»، بل انهم يرفض بعضهم بعضا، اسكتلندا تريد الاستقلال ولها حدود وعملة وعلم ونشيد وكذلك ويلز وأيرلندا الشمالية، كان الانسان الانكليزي عقلانيا ومحافظا يحسب تحركاته بدقة، اما الآن فإنه يسير ضد العقل، انه يزحف لمصير مجهول، فالصناعة تتقهقر وكذلك العملة بالنسبة للدولار والعملة الأوروبية، وقد شرحت صحيفة الوول ستريت جورنال الاميركية العلاقة بين خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وتراجع قيمة الجنيه، وذلك لأن كلفة بيع الشركات البريطانية لمنتجاتها وبضائعها وخدماتها في أوروبا ستزداد وبالتالي سوف يقل الطلب عليها وعلى الإسترليني، وهذا بدوره يؤدي لإضعافه، وبالتالي سيُصبِح البريطاني أقل قدرة على الإنفاق لشراء البضائع الأجنبية. الكثير من البريطانيين مازالوا يحنون للعهود السابقة وهم لا يتنكرون لماضيهم، حيث كان يطلق على بلادهم بريطانيا العظمى والدولة التي لا تغيب عنها الشمس، هل شاخ نمور العهد الماضي؟ ماذا سيحصل في المستقبل في ظل الهجرات الكبيرة للافارقة والآسيويين الى بريطانيا فوق ما هو حاصل الآن؟ ذلك في علم الغيب، ولكنه قطعاً مثير للقلق لدى الأوروبيين عموما والبريطانيين بالذات. * * * «عندما زرت لبنان منذ ٣٥ سنة وصفته بأنه بلد صغير برجال كبار، لا اعرف ماذا حدث للرجال الكبار الذين رأيتهم في تلك الأيام، بعضهم ماتوا، وبعضهم قتلناهم، وبعضهم انتحروا، وبعضهم ماتوا وهم على قيد الحياة، وبعضهم دفناهم أحياء» – مصطفى أمين. هذا الكلام ذكره الكاتب الكبير مصطفى امين رئيس تحرير «الأخبار» منذ ما يقرب من ٣٠ سنة، أي ان هذا الحديث قد مر عليه الآن ستون عاما، هل تغيرت الحال؟ ام ذهبت إلى الأسوأ؟ قطعا لقد ذهبت إلى الأسوأ، إنني أتساءل: لماذا حُوّل هذا البلد الجميل الى مقبرة تنعق فيها الغربان؟ هل لأننا لا نستحق هذا الجمال وهذه الروابي والجبال وأشجار الأرز والفواكه والجو الجميل؟ كيف أصبح هذا البلد الرائع، بلد فيروز ووديع الصافي، بلد الحب، الى أمة تدمر نفسها بنفسها؟ كيف تحولت الضاحية الى خرابة؟ لماذا شارع الحمراء الذي كان يضاهي شارع الشانزيليزيه في جماله ونظافته، ينعى وقتاً كان من اجمل الأوقات؟ هل صحيح ان الرجال هم الرجال، أم أصبحوا كما وصفهم مصطفى أمين «أمواتا وهم على قيد الحياة»؟     د. صلاح العتيقي

مشاركة :