تهرع نيفين أحمد لتشغيل الغسالة بمجرد وصول التيار الكهربائي لمنزلها في قطاع غزة، طالبة من ابنها وضع الأجهزة الإلكترونية على الشواحن في ساعات الليل، وتقول: «3 ساعات كهرباء يومياً هي الوقت الذي نشعر فيه أننا بشر».ورغم أن الساعة تجاوزت العاشرة ليلاً، فإن الحركة دبت في المنزل الواقع غرب مدينة غزة. ففي حين ذهبت آية، البنت الكبرى، لتشغيل سخان الماء، لتكون أول من يستحم، هرع أخوها الأصغر لحجز المروحة الهوائية وهو يجلس أمام شاشة التلفزيون.يتبادل السياسيون الفلسطينيون الاتهامات حول تردي الوضع الإنساني في قطاع غزة، فيما تزداد معاناة أكثر من مليوني شخص يقيمون فيه.ومع أن أزمة الكهرباء في القطاع ليست جديدة، فإنها بلغت ذروتها خلال الأشهر الأخيرة، إثر تقليص إسرائيل كمية الكهرباء التي توردها إلى القطاع، بعد قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس عدم تسديد فاتورة الكهرباء المقدمة لغزة، وذلك في إطار ضغطه على خصمه، حركة حماس التي تسيطر على القطاع.وإثر هذا التقليص، اضطرت شركة توزيع كهرباء غزة لتطبيق برنامج طوارئ، يتيح توفير 4 ساعات وصل للتيار الكهربائي فقط، مقابل قطعه لعشرين ساعة يومياً.هذا الوضع سيطلع عليه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، شخصياً حين يزور غزة الأربعاء، في إطار أول جولة له على إسرائيل والأراضي الفلسطينية منذ تعيينه.تقول نيفين، الأم لأربعة أطفال (39 عاماً): «لم يعد الحال يطاق؛ 4 ساعات من الكهرباء زادت حياتنا السيئة سوءاً. اليوم، حالفنا الحظ، وموعدنا مع الكهرباء كان في العاشرة مساء، بعض الأيام الموعد في الثانية فجراً، ويكون علي إنجاز كل شيء وحدي».ورغم أن مصر سمحت الشهر الماضي بإدخال وقود صناعي لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، بعد تفاهمات مع حماس، فإن ذلك لم يحل المشكلة إلا جزئياً، خصوصاً مع عدم وصول الوقود بشكل مستمر بسبب الأوضاع الأمنية المضطربة في سيناء.وفي حي قريب في مخيم الشاطئ الفقير للاجئين، غرب مدينة غزة، تقوم الحاجة أم عادل الزهار (57 عاماً) بعجن الطحين وخبزه في فرن كهربائي، بمجرد وصول التيار الكهربائي للمنزل الصغير الذي تعيش فيه مع زوجها و8 من أبنائها.وفي حين يساعدها زوجها، تقول: «كنت أعد 200 رغيف لتكفي العائلة عدة أيام. الآن، بالكاد نخبز 30 رغيفاً فقط، لا يوجد كهرباء لأقوم بتخزينه في الثلاجة، الأمر شاق ومتعب جسدياً لي، وفي الثلاجة ليس هناك سوى زجاجات ماء»، وتتابع: «لا يوجد معنا نقود لنطبخ كل يوم. وحالياً، لا نستطيع حفظ الطعام بسبب الكهرباء».ويتذكر الزوج أنه اتفق مع عامل للمجيء لإصلاح بلاط حمام المنزل، فور وصول الكهرباء، مشيراً إلى أن العامل اشترط العمل فقط مع تسليط مروحة هوائية عليه بسبب الحر، ويقول: «هذا حالنا، نحاول أن نستغل كل دقيقة».لا يبدو محمود البلعاوي، الذي يمتلك محلاً لتنظيف الملابس، أوفر حظاً في اختيار أوقات عمله، ويقول: «ذهبت للعمل عند الثالثة فجراً، لأنه لدي ملابس كثيرة للزبائن... أحافظ على رزقي، وهذا رهن بالكهرباء».ويضيف في محله، غرب غزة: «الكهرباء تحدد مواعيد عملي؛ الجمعة الماضي كنت أقضي اليوم مع العائلة، أخبرني جاري أن الكهرباء جاءت على غير المتوقع، تركتهم وذهبت إلى المحل».وتتجاوز نسبة البطالة في القطاع الفقير 45 في المائة، ويعتمد أكثر من ثلثي سكانه على المساعدات الإغاثية. وقد انتشرت ظاهرة تزويد المواطنين بخطوط كهرباء من مولدات كبيرة، إلا أن أسعار الكيلواط الواحد تصل إلى 3.5 شيقل (أي واحد دولار)، في حين أن سعره الحقيقي نصف شيقل. كما أن قدرة هذه الخطوط لا تتيح إمداد المستهلكين بكميات كبرى من الكهرباء.عن ذلك، يقول البلعاوي: «الاشتراك بمولد باهظ الثمن، هذه التكلفة سيتحملها الزبائن، لكن أغلبهم لا يتقبل ذلك».لكن عبد الله زقوت، من مخيم الشاطئ، اضطر للاشتراك في هذه الخدمة لتشغيل جهاز تنفس يحتاجه والده، المريض بالربو، ويقول: «اضطررت للاشتراك في مولد خاص؛ الأمر مكلف جداً».ولا تنحصر تداعيات أزمة الكهرباء على الحياة اليومية للمواطنين فحسب، لكنها تتجاوز ذلك إلى التسبب في كوارث بيئية.ففي حين يعتبر 97 في المائة من المياه الجوفية في قطاع غزة غير صالحة للاستخدام المنزلي، وصل التلوث في شواطئ بحر قطاع غزة إلى 73 في المائة، بسبب ضخ المياه العادمة فيه لعجز محطات معالجة المياه العادمة عن العمل، وفقاً لمصادر فلسطينية. وقد شهد قطاع غزة 3 حروب مدمرة بين عامي 2008 و2014، بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية، منذ سيطرة حماس على القطاع، عام 2007.
مشاركة :