الداعية الخفيف الظل الدكتور مبروك عطية:فأس أبي رسمت خارطة طريقي

  • 8/31/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عالم أزهري له شعبية واسعة، يمتاز بفتاوى معتدلة وبروح مرحة وخفة ظل معهودة على الشاشة تضفى جواً من البساطة، حيث يقدم الفتاوى بشرح سلسل وبسيط لما له من جمهور عريض ينتظر برامجه بشوق حتى يستنشق منها عبير الزهور التي لا تفارق يده.. إنه الدكتور مبروك عطية أحد الدعاة المستنيرين من جيل الوسط بالأزهر الشريف الذي تحدث لصفحات اليمامة عن ذكريات الطفولة و مشوار الحياة ما بين التدريس والغربة والتأليف ودوره كأب إليكم الحوار. جدي الباشا r هل كان لنشأتك الريفية تأثير على حياتك العملية والشخصية، وما أهم ما عايشته في قريتك؟ - ذكرياتي جميلة وبسيطة فأنا مبروك عطية أحمد أبو زيد المولود في قرية دبركي مركز منوف بمحافظة المنوفية 27 أغسطس عام 1958م لأبوين كريمين كانت أمي عليها رحمة الله بنت باشا مشهور ومعروف اسمه مصطفى باشا عبد السلام أحب والدي حباً جماً فزوجه أمي وقلت في كتابي «صفحات من حياتي» كانت أمي عند أبيها مخدومة لها ثلاث من النساء متخصصات لخدمتها ونقلت إلى بيت أبي خادمة وهي راضية، وكنت أشفق عليها كثير الشفقة، ومنذ نعومة أظافري في السنة الثانية من عمري التحقت بكتاب الشيخ عبد المنعم لحفظ القرآن الكريم وكنت في الحقيقة شغوفاً بهذا ونابغة فيه، والحياة في القرية كانت مختلفة تماماً حتى عن وقتنا الحاضر فالأولاد في القرى الآن لا يشعرون بما شعرت به وشعر به أمثالي الذين نشأوا في قريتهم فلم يكن فيها سيارات وكهرباء ووسائل الراحة اليومية المعروفة، الليل يقبل في القرية بعد المغرب فتقف الحياة وتستمر مع تباشير الصباح الأولى، والليل في القرية كان ليلًا ناعماً فيه غفير الدرك يمشي ليقول من هناك؟ جنباً لجنب مع من يمشي ليسحب بقرته بعد العودة من الحقل ولم يكن هناك نور ولا مياه نظيفة لأن الحال كان ضيقاً فالقرية بطبيعة الحال تعاني الفقر، ولكن في رأيي أنا كانت لم تعان الفقر، بل كانت تحتضن الفقر والفقر يحتضنها، فقد رأيت بعيني ما لم يره أحد من بؤس الناس، ولكن كان هناك رضا وقناعة، أثر ذلك في كثير التأثير وطلبت العلم ولا أدري شيئاً سوى أنه سبيل الفرار من هذا البؤس؛ فالفلاحون حينها كانوا يشقون شر شقاء، وقال لي أبي حينها إن لم تفلح في دراستك ستعيش العمر كله في هذا الجهد والعناء وقد خلقك الله كأبناء الصفوة ناعماً لا تقوى على العمل بالفأس. r عملك الخيري الدائم يظهر جلياً هل لديك متسع من الوقت لتمارسه مع حياتك الشخصية والعملية وقضاء حوائج الناس؟ - أنا أقول في هذا الحوار المشوق الجميل إن كلمة السر في حياتي هي الوقت، نعم لدي الوقت للكثير من الأعمال فأنا لا أعرف التشتت وأعمل كل شيء بدراسة والتزام، والملتزم وقته كثير أنا لا أضيع الوقت في زيارات أو أحاديث جانبية، وحين توليت عمادة الكلية أغلقت باب العميد وهو كان مفتوحاً لكل من أراد أن يدخل من أعضاء التدريس والموظفين والطلاب والضيوف الخارجيين والعميد بينهم كأنه المطرب الذي يقف فوق المسرح يغني ويكلم هذا وذاك ويطبطب على هذا وذاك، فماذا تفعل السكرتارية خارجاً إذاً، فأنا أقضي عملي في مكتب مغلق فمن أراد أن يدخل إلي فليذكر سبب الدخول وأقضي له مصلحته في لحظه واحدة لا أهلًا ولا سهلًا ولا حوارات جانبية، في النهاية لا بد أن تقضى المصلحة وإن كان هناك وقت ومتسع للترحيب والضيافة أهلًا وسهلًا وإن لم يكن يأخذ تحيته خارج مكتبي المهم أن يتركوني بحالي لأنجز أعمالي دون تقصير. نبوغ مبكر r هل ميولك الدعوية بدأت مبكراً أم بعد اتجاهك للدراسة العملية، من الذي كان له دور محوري في اتجاهاتك نحو الدعوة؟ - الميول الدعوية نشأت منذ نعومة الأظفار مع الأزهر الشريف؛ إذ كنت حريصاً على أن أكون باراً بوالدي أي بر، الحقيقة والدي كان يشتهى أن يستمع إلي وأنا خطيب جمعة في قريتنا وقد حققت له هذه الأمنية وأنا في الصف الأول الإعدادي، ومن هذا الوقت وأنا أخطب الجمعة ونقدر أن نسميها هبة ومع الممارسة وصقلها بالدراسة أعتقد أنها خرجت بثمرة طيبة، مع اهتمامي بالنشاط الإذاعي بمعهد منوف الديني وكان أهالي القرية يأتون لشيخ المعهد كي يقدم موعد الإذاعة كي يستمعوا لها قبل الذهاب لأعمالهم ولن أنسى هذا أبداً. r شخص تأثرت به وحذوت حذوه؟ - لا أنسى وأنا صغير أن إماماً من أئمة قريتنا كان له دور كبير في أن أقتدي به؛ وهو الشيخ عبد الفتاح حمزة - رحمه الله- وهو ابن قريتنا وسبقني في العلم وكنت أقول أنا في نعمة لأن الشيخ عبد الفتاح حمزة عانى أكثر مما عانيت وتفوق ولاشك أن الذين جاؤوا من بعدي كانوا في نعمة وأفضل حال مني، فدائماً الجيل المتقدم يعاني أكثر فكان هذا مثالي وكنت أحذو حذو كل نابغة بدون ذكر الاسم ما تركت أحداً دون أن أتأثر به ودون أن أشرب من علمه، وحين أصبحت أستاذاً بالجامعة وناظرني الشيخ محمد أحمد المسير وقضينا ساعة ونصف ساعة يجمعنا المذيع راضي سعيد على قناة اقرأ منذ أكثر من عشرين عاماً وكان يرى الشيخ المسير أن الشاي والسكر والقطائف وخلافه لا تصح أن تكون من الزكاة، وكنت أنا أرى أنها لا بد أن تكون من الزكاة لأن الفقراء ليس مكتوباً عليهم أن يعيشوا مع الفول والطعمية، ظللنا طول مدة المناظرة دون أن يرفع أحدنا صوته على الآخر، وكان له هذا الفضل وهذا السبق كان هادئاً جداً فكنت حريصاً على هدوئي حتى لا يعلو صوتي على صوته، المخاطب أو الجليل أمامك يؤثر فيك فلو كان غير الشيخ المسير وهو في منتهى الهدوء لصرخت فيه صرخة أودت بحياته إنما هو عالم جليل له قدره ووزنه ورأيه فكان الأدب حادياً بيننا أن نفترق وكل منا على رأيه وكل منا يجل أخاه. بين الوالدين والأولاد r ما أثر الوالدين في تكوين شخصيتك؟ - أذكر وأنا في الصف الأول الإعدادي أن أبي دخل علي وقد خصص لي غرفه في دارنا الكبيرة وكان لنا أكثر من دار كانت غرفة مستقلة أضع فيها كتبي وأغراضي وأمارس هوايتي وهي كتابة الشعر، وأذكر أن أبي دخل علي في ليلة وبيده فأس ووضعها وراء باب غرفتي وقال: «مبروك.. كلمة واحدة إذا نجحت بعت ثيابي من أجلك وإذا رسبت فاحمل هذه الفأس والحق بأخيك في الحقل دون كلام أو عتاب» فكانت الفأس أمام عيني طوال سنوات دراستي حتى الثانوية الأزهرية أنظر إليها وأقول أنا لو لم أفلح سأحملك إلى حيث الحقل والعمل الشاق؛ وهذا كان من دوافع نجاحي، ولكن ظهوري الأول في مسابقة الأزهر الشريف على مستوى الجمهورية العربية المتحدة في زمن جمال عبد الناصر كان له أكبر دافع على أن أحافظ على هذا المستوى من النجاح، وكنت الأول على الجمهورية، والغريب أن والدي لم يحفل بهذه المرتبة وكان يقول لي المشكلة ليست في أنك الأول ولكن المشكلة كيف تدوم على هذه المرتبة! فكانت ترعبني هذه المقولة وكنت الأول على معهدي في كل سنوات الدراسة. r هل تمارس مع أولادك الدور نفسه، وهل ورثت سيرتك الذاتية الحافلة بالنجاحات والقبول الإلهي لأحد أبنائك؟ - توريث السيرة الذاتية لأحد الأبناء أمر صعب فأنا نشأت في دار وأبنائي نشأوا في مدن ولا أفرض على أبنائي العيش في مكان لا يرغبون فيه أبداً لكنني أحاول دائماً إخبارهم بالمشقة التي نشأت بها وتعب والدي معي أحاول في تربيتهم أن أنقل إليهم سيرة حياتي بطريقة عملية بمعنى أن يعلم الأبناء أن أباهم ليس تاجر مخدرات وأن ما أنعم الله علينا من نعم ومال جاء نتيجة سفره وعمله وكتبه؛ فأنا صاحب مئة وأربعين كتاباً وصاحب أكثر من أربعين برنامجاً أنا صاحب برنامج الأمثال في إذاعة القرآن الكريم والذي استمر سبعة عشر عاما أنا صاحب الندوات والمحاضرات أنا صاحب الجائزة الأولى في مصر عام 1990م في التأليف المدرسي حصلت حينها على ما يقرب من عشرة آلاف جنيه تساوي في وقتنا هذا نصف مليون، فأولادي لا بد أن يعلموا وهم يعلمون فعلًا بأن أباهم تعب واجتهد ولا بد أن يعرفوا قيمة القرش وأنا شخصياً لا أحتاج لشيء فهم كل شيء لدي وسافرت إلى جامعة الإمام محمد بن سعود بأبها وربحت من وراء سفري مثلما يربح كل معار كانت ستة أعوام جميلة وممتعة، فأنا لا أعرف الادخار، أعرف أن يكون معي ما يعينني فقط على المعيشة. سر النظارة السوداء r ما الذي يميزك عن غيرك من الدعاة؟ - أنا درست الفقه المقارن وهو نصب عيني من خلال مصادره الأولى لكنني متخصص أكثر في اللغويات والدكتوراه التي أعددتها ونلت من خلالها مرتبة الشرف الأولى كانت في القضايا النحوية والصرفية لكن ثمرات الفقه المقارن هي أن ندرس الآراء ولا نبلبل بها الناس؛ يعني أنا أختار للناس الرأي الأرجح لكن لا أفرض عليهم كل رأي، أتعمق في هذه المقارنات فهناك ألوف من الآراء الفقهية الفاسدة يعلم ذلك المتخصصون فليس كل ما يعرف يقال أنا لا أقول للناس المسافر يقصر من الصلاة مدة 200 سنة هو لن يحيا 200 سنة من الأساس فما دام مسافراً يقصر وأختار الوسطية ثلاثة أيام وأرى أن المسافر لا يقصر متى كان له منزل، فكرة قصر الصلاة لأن السفر عذاب ومشقة بمعنى يقصر أثناء السفر فقط، وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إن السفر يمنع أحدكم نومه وطعامه. r تظهر ابنتك من دون حجاب وهي ابنة الداعية المعروف والأزهري مبروك عطية فهل هذا طبيعي بالنسبة لك؟ - بعض الصور التي أنشرها عبر المواقع هي صور قديمة وعندما بلغت سلمي ابنتي مبلغ النساء ارتدت الحجاب غطت رأسها والوجه والكفين لأن هذه ملتنا وهذا اعتقادنا وهذا الأمر ليس بالشيء العادي عندي كما يعتقد البعض فسلمى باتت مثل أمها وأختها إلهام وهذا الأمر طبيعي أن الطفل يعيش حياته فترة طفولته لا أضغط عليها قبل البلوغ لأنها تعد طفلة وهي سعيدة بالحجاب وتحبه وأول من أعدت له. r يتساءل متابعوك عن سر الزهور والنظارة السوداء؟ - الورود في يدي لها علتان أن أبين للناس أن هذا الدين أجمل من الورد، وأننا لم نفهمه، والأمر الثاني أن الدنيا جميلة أجمل من الورود ونحن الذين خربناها، الله يقول في سورة الرعد «في الأرض قطع متجاورات» وجنات الأرض جنة لكننا فهمناها صراعاً وفهمناها حرباً وخربناها وزرعنا الألغام في الأرض ومات جراءها الكثيرون، الذي زرع اللغم ملأ مكانه بالجثث والذين وضعوا هذه الألغام في تصوري أنا أقل خطراً من الذين يضعون ألغام الفكر في نفوسنا وفي قلوبنا، من يموت باللغم شخص واحد لكن من يتعلم الإرهاب يقتل مئة ألف شخص ويهدم جامعاً وكنيسة ويقتل الجنود على الحدود في سيناء وبكل مكان هذا عن الزهور؛ فأين الزهور في حياتنا أين الدين الزهرة وأين الحياة الوردة هذا من الخطاب الديني حتى في الابتلاء ذكر الجنة في سورة القلم «إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ » وفي سورة الكهف «وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا» القرآن مملوء بالجنات يعني هذه الأرض جنة قبل جنة الآخرة لكن أكثر الناس لا يعلمون، أما النظارة السوداء فقد كنت أواري بها عيني بعد أن أفسدها طبيب مهمل أراد أن يعمل لي عملية المياه البيضاء وفشلت وأعادها خمس مرات ولذلك كنت ارتدي النظارة السوداء حتى لا أفزع بها المشاهد. تجديد خطابنا الديني r ما رأيك في انتشار ظاهرة الدعاة التي تكتظ بها الشاشات، وما دورك كداعية في تجديد الخطاب الديني؟ - منذ نشأت ومنذ أن وضعني الله على طريق الدعوة وأنا مهتم بالخطاب الديني أولًا أنا الوحيد الذي عرَّف معنى الخطاب الديني وأنه خطاب الله تعالى وخطاب الرسول للمكلف حتى ترقى حياته «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ» هذا هو الخطاب الديني وأنا المجدد باعتراف الجميع لأنني أتطرق لموضوعات لم يتطرق إليها الناس، الخطاب ليس معناه صلاة أو صيام يومين ولا قراءة قرآن ولا ترك لحى، الخطاب الديني كلمه موجهة للمكلفين كي يرتقوا بحياتهم السوداء كي تكون حياة ناصعة البياض لكي ينزغ الغل وهو في اتجاهات معروفة وواضحة المعالم (عقيدة عبادة معاملة) هذا هو الخطاب الديني، فانظروا إلى نسب المعاملات في القرآن الكريم تجد أربعة أخماس القرآن الكريم في حقوق الجيران والأكل الحلال وإفساح المجالس وخلافه، الخطاب الديني فيه جانب شعوري لم يتطرق إليه أحد، وأنا لي كتاب مطبوع اسمه درس الإحساس في القرآن الكريم إلى غير ذلك من الأمور، أنا ليس لي دور، أنا حياتي كلها للخطاب الديني لتفهيم الناس معنى الدين الصحيح. r هل توجه كلمة لدعاة التطرف والإرهاب والتكفير الذي انتشر بشدة هذه الأيام؟ - اسمحي لي أن أتوجه بكلمة للدعاة الجدد؛ لأني أرفض أن أوجه كلمة للمتشددين لأنهم لن يسمعوا! أنا لا أضيع الوقت في شيء متأكد أنه لا يجدي، بل أدعو كل داعٍ إن خير بين أمرين أن يختار أيسرهما إن كان يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعرف أن التشدد يحمل الناس على جهنم وهو أولهما، أنا لا أقول لهم هذا من باب المزاح، بل أقول لهم من باب الحديث الصحيح أن رجلًا كان يدعو الله ستين سنة لم يبشرهم بجنة فلما مات قال لملائكته خذوه إلى النار فقال ربي كنت أدعو إليك فكيف تدخلني النار فقال كنت تيئس الناس من رحمتي فأنت بذلك أولى. عظمة الأزهر r الداعية الأزهري أكثر وعياً ووسطية، فما دور الأزهر في وقتنا الحالي؟ - أنا التحقت بالأزهر وفاء لنذر نذره أبي - رحمه الله- فقد أدخلني الكُتَّاب وبعد حفظ القرآن الكريم قال يا رب أنا ناذر مبروك لك ولخدمة دينك وأودعني في الأزهر الشريف، الأزهر حقيقة كان له الدور الكبير فأنا لم أعرف غيره حتى أقارن ولكن عرفت غيره فيما بعد وأدركت منذ نعومة أظافري أني قد التحقت بنعمة كبرى، وبالمناسبة درَّس لي من علماء الفريقين المتشدد مثل الشيخ عبد العزيز فريك فجميع دفعتي والذين سبقوني يعلمون ويشهدون أنه كان يأتي المعهد الديني بمدينة منوف وتحت جبته المسدس، وكان لا يبتسم أبداً وكان متشدداً لأقصى درجة وبدون أن يوجهنا أحد أحببناه للعلم ولم نلتفت لتشدده بحال، فإنه لم يكن متشدداً في الأحكام بقدر شدته في المعاملة، وهناك فرق بين المتشدد الذي يختار أصعب الآراء وبين الشديد الذي كان يسير بالسلاح، فقد كانت أول مرة أرى فيها سلاحاً حتى لم نره في يد جندي وإنما رأيناه في جنب الشيخ عبد العزيز فريك - رحمه الله- ودرس لنا أيضاً الشيخ مهدي وكان ألين من اللبن، أنا عشت مع هؤلاء وتأثرت بهم أيضاً لكن غلب اللين على الشدة في طبعي فلم أكن يوماً متشدداً ولم أقسُ يوماً على زميل أو طالب، وبعد ذلك في مراحل عمري مع معيد ولا على عامل أو موظف، وليس معنى أنني لين الجانب أن أترك الأمور تسير هكذا فصبيحة يوم ما كانت لدى مناقشة ماجستير فسودت على المناقشين صباحهم لأنني أردت أن أعلمهم كيف تكون المناقشة فالمناقشة العلمية ليست سرداً وشكراً وإنما الدخول في الموضوع مباشرة، أذكر أن الباحثة عندما قالت (إن الحمد لله) أوقفتها فالله لم يقل في أول فاتحة الكتاب إن الحمد لله ولا في أول البقرة ولا في أول السور والنبي لم يقلها فقد علمتها وعلمت الجميع بمنتهى الشدة والحزم لكن بعدها هنأتها وسلمت على مشرفيها ولم أقل لأحد كلمة. r وهل تراجع دور الأزهر حالياً بعد أن كان قبلة العالم الإسلامي؟ - تراجع دور الأزهر بعد أن كان قبلة العالم الإسلامي عبارة شائعة ولكنها ظالمة.. فالأزهر مؤسسة والأزهر مجمع البحوث ولجنة فتوى ومكتبة مركزية والأزهر جامعة دينية ومعاهد أزهرية فوق كل طوبة في مصر في كل مركز وقرية ...غاية ما هنالك أن الإعلام يريد كل شيء ساخناً يريد بعض القلاقل ولكن ماذا تفعل الريح بالجبل العتيد.. لن تؤثر الريح بهذا الجبل إلا من طال عليه الصمت فرأى وسمع بعض الأصوات لتؤنس من وحشته أو لتجدد دماءه أو لتعيده إلى موكب المكافحة من جديد. r ما الأكثر إثراء لعقل المتلقي من وجهة نظرك الكتاب أم الإلقاء المباشر عبر المنابر والشاشات؟ - هناك من يتأثر بالكتاب لأن عقله متريث هادئ فهو مولود في أحضان الكتب فلا يستغنى عنه أبداً، أما وقد تغيرت الدنيا وأصبحنا في عالم المشاهدة فأعتقد أن الغالبية العظمى لا تحفل بالكتاب، بل تحفل بالتلفزيون وغيره من الوسائل المباشرة والإلقاء والتفاعل المباشر الفوري كالأجر الفوري وهذا يسر أكثر من الأجر المؤجل فالكتاب كالأجر مؤجل يقرأ ثم يقرأ وقد يأتي الفهم في القراءة الرابعة. لا أنسى السعودية ما حييت r عملك في جامعة الإمام محمد بن سعود بأبها ماذا أضاف لك؟ - هذا العمل نلت به شرفاً ما بعده شرف؛ وطبعاً تألمت من الغربة مثل أي إنسان ولكن كان بفضل ربي لهذه الغربة مزايا كثيرة أولًا ألفت في الأعوام الستة التي قضيتها في أبها ما يقرب من أربعين كتاباً فما ضيعت لحظة في هذه الأيام لأني كنت أسكن في أبها لا أزور ولا أزار وليس لي أرحام وإنما عشت حياة الاعتكاف من الكلية للمنزل وبينهما سيارتي وقد سميتها «عزة» وكتبت فيها الشعر مرتين .. من أبها حججت واعتمرت وكتبت ديوان الشعر «من ليالي الغربة»، ومن أبها تعرفت على خيرة رجال العلم بالسعودية، أذكر منهم عميد الكلية إسماعيل البشري وعلي العريشي وسعد الغامدي وأبو داهش ومحمد حسن الغمري وعيسى عسيري وحمد الدوسري، واكتسبت لهجة الجنوب وأحببتها هذا طبعاً بخلاف المندي الذي صرت مدمناً له فأبها كان لها الفضل علي فقد زودتني بأشهى طعام وما زلت أذكر التميس واستهديه من كل من ينزل من هناك فأنا رجل أعيش على الوجدان ولا أنسى سمو الأمير خالد الفيصل لأنه أثر في وجداني وجعلني مرتبطاً بأبها فقد كان شعلة نشاط ولا أزعم أنه حول أبها الصخرية إلى أبها الفتية الندية إلا بسبب عشقه لها، وأنا رجل لا أعمل شيئاً بدون عشق والكلام عن أبها يحتاج إلى مجلدات. r موقف طريف تعرضت له في الاغتراب؟ - أذكر سيارتي العزيزة عزه التي كتبت فيها الشعر مرتين عندما سُرقت في محايل عسير وقد عادت لي سريعاً وحينها أنشدت فيها قولي: «والتقينا والتقينا من جديد، لا تقولي إنني بنت الحديد، حاول الباغي وداعاً بيننا، وأبيتِ السير في سرب بعيد، لم تطيقي السير في أيدٍ غوت أو تطيقي البعد عن حب تليد، فجر العزم إطاراً خلفه حين طار القلب مني كالشهيد، أخذ السارق ألفاً فبكت عينك الدمع ألوفاً بصديد، ففداك الألف والدنيا معاً يخلف الله بألف ومزيد، فاحمدي الله بفضل ضمنا فالتقينا ومشينا من جديد»، وأذكر سبب السرقة أني كنت عائداً من أداء العمرة واسترحت بمتنزه فيه مندي وتركتها بالخارج فإذا بالعامل يبلغني بسرقتها، والمفارقة أنه كان بهذه السيارة عيب فلا تفتح شنطة السيارة إلا بطريقة لا يعرفها أحد غيري ولحسن الحظ انفجر الإطار الخلفي من السارق ولم يستطع تغييره بسبب هذا العيب وقمت حين السرقة بتحرير محضر في شرطة عسير وخلال أربع وعشرين ساعة جاءت البشرى بأنها عادت فذهبت بصحبة زميلي الأستاذ الدكتور حاليا محمد بن حسن العمري وتسلمتها، وكانت الفرحة عارمة بالنسبة لي وكتبت فيها مرثية الوداع الكبيرة التي ألقيتها في نادي أبها الأدبي. التأليف والقبول r من بين كم هائل من المؤلفات، ما أهم مؤلفاتك التي تعتز بها؟ - المؤلفات في مجال التخصص الدقيق كتاب سيبويه والعلل النحوية ،التعصب المذهبي وأثرة في المعنى القرآني، أمن اللبس وأثره في التقعيد النحوي، الشواهد الشعرية في معاني القرآن، الظواهر اللغوية في الفواصل القرآنية، ضعف النحو وأسبابه وعلاجه، في مجال الثقافة الإسلامية العامة مائة وأربعون كتاباً أهمها النكد أسبابه وعلاجه، أغبياء يدخلون النار، الإسلام كما عرفه الصحابة، الوسطية في الدين والإبداع، فتاوى الشيطان، الدنيا في عين رسول الله، التعرف على الله، تفسير اليقظة للمنام في الإسلام، الحب بين الذات والسبب، درس الإحساس في المثل القرآني وغيرها الكثير. r أهم ما يميزك دون غيرك هو ردك السلس الفكاهي الجميل الذي يتقبله الصغير قبل الكبير، فهل هي طبيعة شخصيتك أم إن إجابة السؤال تفرض نفسها؟ - أقر وأعترف أنها فطرة جبلني الله عليها فإذا مزجتها بالعمل والخبرة والاكتساب أصبحت راضياً عن هذه التركيبة، فهي مدخل جميل ومفتاح لقلوب المتلقين بعيداً عن السرد والتلقين. لا أخاف من الصفويين r ما رؤيتك للتمدد الصفوي في المنطقة العربية؟ - التمدد الصفوي أنا لا أخشاه لأنه عندي بمنزلة الفكر والمفترض أن الناس مؤهلون لاستقبال الجيد وطرد اللامعقول وما كان الإسلام في معزل عن الحياة في يوم من الأيام والقرآن الكريم يقول: «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا»، المسلم يستطيع أن يدرك هذه المذاهب جميعاً مع الخلاف الوارد في السيرة، فقد نهى الرسول سيدنا عمر أن يتعلم في مدارس اليهود، وقد كان يمر بمدارس اليهود وفي رواية أنه لم ينهه عن هذا، نحن كمسلمين لا نصادر التوجهات أو نقتل الأفكار، بل نقبلها، وفي نظري كلما زادت التيارات المخالفة لمعتقداتنا ازددنا يقيناً بها، بل تأكدنا أننا على حق لا نريد أن نعيش حياة مشروطة ولكن نريد أن نعيش حياة فيها مزيد من الاختلاط ونختار لأنفسنا الأرقى والأجمل. إذا صلحت المرأة صلح المجتمع كله r يلاحظ أن جمهورك غالبيته من السيدات فما السر في ذلك؟ - نعم هذا شيء يسعدني فإذا صلحت المرأة صلح المجتمع كله، ولي جمهور عريض جداً من الرجال ولكن المرأة أشد حرصاً وهي من تبحث دائماً على إقامة الحياة الزوجية الصحيحة أكثر من الرجل؛ هذه ليست مبالغة ولا مديحاً للمرأة والدليل على ذلك هو قول الله تعالى: «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ »، والمرأة هي التي ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتستفسر عن حِل حياتها من حرمتها وزوجها جالس في البيت في واقعة الصحابي الذي قال لها أنت علي كظهر أمي ثم خرج فجلس في نادي قومه فلم يذهب هو للنبي الكريم ولكن حرصت زوجته على الذهاب والاستفسار عن الحكم في هذا وقالت أولادي يا رسول الله لي منه أولاد إن تركتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا هو ينفق عليهم .. ثم نزلت آية الظهار وبيَّن الله تعالى الحكم في ذلك وبيسره وتيسيره أن هناك كفارة لمن حلف وقال أنت علي كظهر أمي. قيمة الوقت * كلمة السر في حياة الدكتور مبروك عطية ؟ - كلمة السر في حياتي كلها هو الوقت لم أضيعه طفلًا ولا غلاماً ولا شاباً ولا كبيراً، وحرصت عليه منذ بداية تعلمي في الكتاب وحين ضاع علي الوقت في بعض مراحل حياتي بكيت عليه بكاء مراً أشد من بكائي يوم ماتت أمي وأبي، أنا لم أتألم بحياتي ألماً يكاد يعصف بروحي إلا من أثر ضياع ساعة في شيء لا ثمرة فيه سواء اجتماع فاشل أو مشوار غير مُجْدٍ أو موعد كنت أظنه مهماً ولكن تبين أنه لا فائدة منه، أذكر أني في يوم دعيت إلى نادي جدة الأدبي ذهبت إلى المطار فوجدت اعتذاراً عن الرحلة لظروف شركة الطيران حينها تصرفت كالمجنون هل هناك شركة الآن متجهة إلى جدة قالوا مصر للطيران فدفعت على الفور ثمن التذكرة واتصلت بالدكتور عبد المحسن القحطاني أدام الله عليه الصحة والعافية وبلغته بتغيير شركة الطيران، وأشاد هو بذلك في المحاضرة وقال ألغيت الرحلة ففكر الدكتور مبروك عطية كيف ينقذ الموقف وأنا ما كنت أنقذ الموقف، بل أنقذ نفسي من ضياع الوقت، الوقت لم أضيعه للحظة حتى الآن وأنا أتحدث للمجلة في وقت متأخر. * الدول العربية وما بها من متغيرات جذرية وأحداث يوماً بعد يوم هل تؤثر على صورة الإسلام والمسلمين في الغرب، وما دور الدعاة في هذا الصدد؟ - هذا صحيح لأن الغرب لا يعرف التفريق بين الإسلام كدين يحترم يدعو للأمن والسلام وبين المسلمين الذين تناسوا دينهم وتفرقوا شيعاً ولي من فترة مقولة وهي «جهاد غير معروف» ألا وهو الجهاد في سبيل هذا الدين كما قال سماك بن خرشة رضي الله عنه عندما هم بقتل رجل ملثم فظهرت له امرأة فكف وقال لولا أن يقال إن امرأة قتلت بسيف رسول الله لقتلتك، وكان هذا الفارس الملثم امرأة وكان السيف الذي بيد سماك سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يضرب به امرأة، ولا نجد في تاريخ إسلامنا العريض امرأة قتلت بسيف رسول الله، والمسلمون جميعاً يجب أن يعلموا هذا الجهاد، وإذا ابتلي المسلم فلا بد أن يستتر ولا يكون مجاهراً أمام الناس بمثل هذه الأفعال حتى لا يظن من لا يفهم بأن هذا هو الدين، هذا الموضوع خطير ومهم وبعيد عن فكرة الخطاب الديني المعتدل. * أهم أمنية تود تحقيقها على المستوي الشخصي والعملي؟ - الستر والصحة والسلام للأمة العربية والإسلامية. * كلمة لجمهورك ومحبيك؟ - هم كل الحياة وأخص السعودية لأنها بالنسبة لي كيان ووطن وانتماء هي بلاد النبوة والوحي، أنا عشت في أبها سنوات جميلة لا تنسى.

مشاركة :