الشارقة: فدوى إبراهيميطل علينا عيد الأضحى كل عام، ومعه تتعدد طرق الاحتفال وتختلف، منها ما هو مرتبط بالعادات والتقاليد والموروث الشعبي، أو ما يتأثر بتطور الحياة البشرية، إلا أن الشيء الوحيد الذي ليس فيه اختلاف هو الفرحة بمجيء هذا العيد. وبين مباهج زمن قديم يحفل بذكريات لدى الكبار، وجيل حالي يعيش منظومته الاجتماعية على هواه، وفق ارتباطه بتقنيات العصر والعوالم الرقمية، نرصد مظاهر العيد بين الماضي والحاضر. «نسمع دائماً أن العيد في الماضي كان له طعم خاص وعبق مختلف، إلا أن هناك بيننا من لم يعيشوا هذا الاختلاف»، هذا ما بادرنا به الشاعر والباحث الإماراتي سلطان خلفان بن غافان، وتابع قائلاً: «العيد قديماً يحمل اختلافاً كبيراً عما نعيشه اليوم، لأن البيئة والعادات والحياة كلها كانت مختلفة، ونحمل نحن في ذاكرتنا الكثير من تفاصيلها الجميلة رغم بساطتها، حيث يكتظ السوق بالزوار ويعايد الناس بعضهم البعض بكل حب ويأتي البعيد والقريب لنشر الود، وكان كثير منا وأنا من سكان إمارة أم القيوين، لديهم من الأقارب والأهل في إمارات الدولة المختلفة، نذهب لنزورهم ونقضي الأوقات معهم، أما النساء فكن يعكفن على ترتيب ملابس العيد قبل أن يحل لأزواجهن وأبنائهن، ولبساطة الحياة كانت المرأة تحتفظ بكنادير عيد الفطر، فتغسلها وتحضرها لصباح العيد، أما من يخيط الملابس الجديدة فنجدهم رواحاً وإياباً لدى الخياطين يوم عرفة، الذي يصوم فيه جميع الناس بلا استثناء، وبإطلالة صباح العيد تحمي النساء أطفالها لحين عودة الرجال من المساجد، ثم تبدأ الزيارات إلى الأمهات والأخوات واستقبالات الصغار في الفرجان». ويشير غافان إلى أن الطعام الذي كان سائداً هو الهريس واللقيمات وغيرها بحسب إمكانات الأسرة المادية، أما القهوة فهي ضيافة لا بد منها خلال المعايدة.فنون العيالةحول أبرز مظاهر الترفيه والفرح قديماً، يقول ابن غافان: «كوننا من أهل البحر، كانت واحدة من وسائل الترفيه لدينا هي عقد سباقات زوارق التجديف، حيث تنطلق 4 زوارق للسباق ونجتمع على البحر كمشجعين للفرق، بينما الفريق الفائز يحصل على مبلغ بسيط بمثابة المكافأة، ولكل بيئة من بيئات الإمارات ما يماثلها، فأهل البادية يسابقون بالجمال مثلاً، كما كانت تنتشر فنون العيالة أمام قصر الحاكم، ويجتمع الناس مبتهجين حولها خلال اليوم الأول، أما الأيام التالية فكنا نذهب إلى دارين سينما، واحدة في دبي، والأخرى في شارع العروبة بالشارقة، وكان الصبيان والشباب يشاهدون الأفلام الهندية وأنا منهم، وحفظت من تلك الأفلام ما يقارب 200 أغنية هندية بلغتها، وحببتني تلك الأفلام في الهند فقمت بزيارتها أكثر من 30 مرة، أما الأطفال والفتيات فكانت منطقة الرولة ملاذهم، حيث المراجيح والألعاب، ويجتمع الأهالي هناك، فكل من يواعد أحداً يقول له «نلتقي عند الرولة»، أما الأولاد الصغار فكانت من بين ألعابهم، ما تحاكي المفرقعات اليوم، حيث يربطون مفتاحاً بمادة شبيهة بالبارود ويلقونها على الجدران وهم يلهون بالفريج إيذاناً بالعيد».زمن الاحتفاليشير الباحث التراثي والشاعر عتيج القبيسي، إلى أن العيد هو بهجة الأطفال، وفي أي زمان عاشوا يظل هو فرحتهم، لأن المسؤوليات دائماً هي ما تشغل الكبار، وعلى الوالدين اليوم، في ظل الرفاهية التي يعيشها الصغار ولله الحمد في الدولة، أن يعززوا بداخلهم أن العيد هدية الله تعالى للبشر بعد أن أنهوا مناسك الحج، ولا يعلقوهم بالماديات، كملابس العيد والعيدية، لأنهم في وقت أصبحوا يمتلكون كل شيء دون الارتباط بزمن العيد، ويتابع قائلاً:«عشت طفولتي في بداية الستينات، وكوني من مواليد أبوظبي، فإن العيد كان بتوجهنا لقصر الحصن، حيث تعقد احتفالات العيالة والرزفات، ويزور الكبار الشيوخ بينما نلتقط نحن الأطفال حبات من الفواكه، التي كانت كمادة غذائية مرتبطة بذوي الدخل المادي العالي، ونلهو بسعف النخل الذي نمتطيه كدابة، ونركض بالعجلات «الرنج» وبرمل البحر والحبال، وكانت ألعابنا بدنية أكثر مما هي مادية، بينما أصبحت السيارات البلاستيكية من نصيب الجيل الذي جاء بعدنا».ويشير القبيسي إلى أن العيد كان يرتبط بخياط الكندورة، فكل أم تخيط لأبنائها كناديرهم، وإن لم تستطع فهناك دائماً جارة تستطيع ذلك مقابل مبلغ بسيط، والطفل الذي كان يحصل على كندورة العيد ولديه بالأصل كندورة غيرها، فسيرتدي الجديدة في العيد فقط ومن ثم يحتفظ بها للعيد أو المناسبة القادمة كي لا تستهلك، أما العيديات فهي نص درهم إلى درهم، وإذا جمع الطفل 5 دراهم فيعتبر ذلك ثروة.أجواء وعاداتترى الكاتبة وفاء العميمي التي عاشت طفولتها في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، أن بهجة العيد كانت في الماضي لأن الحياة العامة كانت بسيطة، فيأتي حاملاً معه الكثير مما يشتهيه الأطفال وينتظروه بفارغ الصبر، كالملابس الجديدة والعيديات وتلبية الرغبات بشراء ما نحب في حدود المعقول، وتقول: «كانت الوالدة تشتري الأقمشة من أسواق الشارقة القديمة وتأخذها لأقرب خيّاط من المنزل لتطريزها وحياكتها، ويكون الشراء والخياطة من بعد عيد الفطر مباشرة، حتى يتسنى استلامها قبل عيد الأضحى بمدة وترتيبها وحفظها، أما أماكن الترفيه لنا كأطفال فلم تكن قريبة، وأذكر أن والدي كان يصطحبنا للتنزّه في عطلة العيد في حديقة مشرف في دبي أو متنزّه السّليمي في العين، والألعاب الموجودة وقتها كانت بسيطة وغير كهربائية وكنّا نستمتع ونفرح بها».وتؤكد العميمي، أن أول يوم في العيد كان يختلف عما يعيشه أطفال اليوم، وتواصل قائلة:«يبدأ بغسل أيدينا التي غمّست بالحناء طوال الليل، وانتظار أن يكشف عن قدر الهريس القابع في التنور، ونتنافس للفوز بالمضرب الخشبي الكبير الذي خلطت به الهريسة، وأيضاً الاجتماع في منزل أحد الأقارب لتناول الإفطار الجماعي، وبعدها نبدأ في جمع العيدية التي عادة ما تكون درهماً أو درهمين ومن يحصل على خمسة أو عشرة دراهم يكون مميزاً، أما اليوم فقد تباعدت المنازل عن بعضها، وباتت اللقاءات في أجواء مختلفة تسرق أغلب أوقاتها الأجهزة الإلكترونية المحمولة». البيئة العصريةالعيد دائماً جميل مهما اختلفت الأزمنة، هذا ما تراه شيخة المطيري رئيس قسم الثقافة الوطنية بمركز جمعة الماجد، وبرغم اختلافات كثيرة طرأت على استقباله وبعض التفاصيل التي فرضتها البيئة العصرية حالياً كما تقول، إلا أن له بهجته بما يتلاءم والظروف القائمة، وعن ذلك تقول: «جماليات العيد في الفترة الماضية نتيجة أننا كنا أطفالاً وكبرنا، وهو بالنسبة للأطفال حالياً كما هي حالنا تلك الأيام، موعد للفرح والبهجة، إلا أننا نستذكر بعض الاختلافات التي تتوافق مع المرحلة الزمنية التي نعيشها، فحين كنا أطفالاً كان لا بد أن يكون لدينا 4 أطقم ملابس، لكل يوم ملبس، وكان لزاماً علينا كأطفال أن نقضي زيارات العيد برفقة أهلنا، مما يوطد علاقاتنا الاجتماعية ويعلمنا التواصل، أما اليوم فالأطفال يشترون الملابس الجديدة في أي وقت دون أن يرتبط ذلك بالعيد، وفي أحيان لا يشترون كونهم لا يرغبون. وكانت وجهتنا قديماً للألعاب»مدينة ألفين» ونادي النصر في دبي، ففيهما «المراجيح والمزلقانات» وغير ذلك، بينما يعيش أطفال اليوم رفاهية من هذه الناحية».وتشير المطيري إلى أن أكلات العيد كانت وما زالت هي ذاتها، لكن أضيف إلى جانبها الحديث من أنواع الحلويات، وأبرز مأكولات العيد الأرز واللحم، الحلوى العمانية، الخبيصة، البثيثة، وكما هو سابقاً، يبدأ في الصباح باستقبال العوائل الصغيرة، ومن بعد ذلك يذهب الجميع لزيارة كبار السن في العائلة مصطحبين الأطفال لتعريفهم إليهم، والجلوس في مجالسهم ليتعلموا أسس الترابط وليستمعوا لهم، وفي الأيام التالية نقوم بزيارة الأهل والأقارب في الإمارات الأخرى خارج دبي.شيخة المطيري: شراء الملابس الجديدة أصبح عادياً
مشاركة :