مدينة القدس في قلوب المسلمين ووجدانهم، فهي قبلتهم الأولى، وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل معراجه إلى السماء، وبها المسجد الأقصى الذي تضاعف فيه الصلاة، وتشد له الرحال، ففي إسراء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى يقول تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (1) سورة الإسراء، وفي كونه من المساجد التي تشد إليها الرحال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) رواه البخاري. وإذا كانت القدس عربية المنشأ فإنها قد أصبحت منذ فتحها في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدينة إسلامية عربية بمعالمها التاريخية والحضارية وظلت كذلك منذ ذلك الوقت وحتى عام 1366هـ - 1948م إذا استثنينا فترة الحروب الصليبية ما بين 1099 - 1187 حيث استطاع المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي، تحرير المدينة المقدسة في معركة حطين الخالدة يوم الجمعة 27 رجب 583 هـ - 12 أكتوبر 1187م، بعد أن استسلمت له (عسقلان) و(الرملة -الداروم -غزة -بيت لحم -النطرون)، وقد نظم جبير قصيدة يمدح بها صلاح الدين بعد فتح بيت المقدس يقول فيها: فَضيلة فَتح كَان ثاني خَليفة من القَوم مُبديها وأنْت مُعيدها اليهود منذ أن استولوا على القدس دأبوا على وضع العراقيل أمام المسلمين لمنعهم من الوصول إلى مقدساتهم بل إنهم سعوا بخبث ومكر، بالحفر حول المسجد الأقصى وتحته حتى يضعف بناؤه ويتهاوى، فيحرموا المسلمين منه إلى الأبد، فقد بدأوا الحفر بحارة المغاربة بعد احتلال القدس الشرقية في يونيو 1967م، رغم صدور قرار مجلس الأمن رقم 252 الذي نص على (أن جميع التشريعات والإجراءات الإدارية والتصرفات التي اتخذتها إسرائيل بما في ذلك نزع ملكية الأراضي والممتلكات الكائنة عليها والتي من شأنها تغيير الوضع القانوني للقدس تعتبر باطلة ولا يمكن أن تغير هذا الوضع، ودعا إسرائيل بصورة مستعجلة إلى إلغاء جميع الإجراءات التي اتخذت فعلاً والامتناع على الفور عن القيام بأي عمل آخر من شأنه تغيير الوضع في القدس). وقد كان يوم 21 أغسطس 1969م يوماً أسود في تاريخ القدس وفي تاريخ المسلمين والعرب ففي ذلك اليوم أقدمت إسرائيل على ارتكاب جريمة بشعة، حيث دبرت محاولة إحراقه، وإحراق قلوب المسلمين معه، كانت أحداث ذلك اليوم الحزين كارثة في حق المسجد الأقصى وكارثة على المسلمين وقد أكدت تلك الحادثة مدى عنصرية اليهود وحقدهم، وهي حادثة لن تمحوها الأيام ولن ينساها التاريخ وستظل تؤكد أنه لا أمان لليهود ولا نهاية لأحقادهم وخبثهم ومكائدهم!! إن ما يراد بالقدس كبير وخطير، وما تفعله إسرائيل اليوم بإقدامها ولأول مرة منذ عام 1967م بمنع أهل القدس وفلسطين من أداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى يعد سابقة خطيرة لاتقل في خطورتها عن إرتكاب جريمة إحراق المسجد الأقصى، وضع بوابات إلكترونية ليمر عبرها المصلين فوق (50) عاما، ومن يتابع القنوات الفضائية خاصة الأجنبية منها تحترق نفسه غضبا وهو يسمع صراخات أهل القدس المصلين خارج باب الأسباط والشوارع المحيطة بالمسجد الأقصى طالبين مد يد العون وهم في محنتهم يدافعون بصدورهم العارية عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ويوما سيتحقق لهم النصر بقدرة الله فلا يضيع حق وراءه مطالب. ويبقى القول إن كل ما تقوم به الدولة العبرية ما هو إلا إرهاصات لذلك المخطط التآمري لتهويد تلك المدينة العزيزة على قلب كل مسلم وكل مسيحي، والسيطرة عليها سيطرة كاملة بعد تهويدها، ولديها مخطط خبيث لاستقدام أكثر من مليون يهودي لتوطينهم فيها بحلول عام 2020م، وهذا معناه أن المدينة المقدسة سيتم تفريغها من سكانها العرب الأصليين تماماً. والمتتبع للسياسة الإسرائيلية تجاه القدس منذ احتلالها عام 1967م يتضح له أن الدولة العبرية التي اعتبرت المدينة المقدسة عاصمة أبدية لها، تهدف إلى السيطرة على نسبة تصل إلى 86 في المائة من مساحة القدس الشرقية، والتخلص من السكان الفلسطينيين أصحاب الحق الأصليين. القدس ترزح تحت الاحتلال البغيض منذ احتلت إسرائيل قسماً منها في عام 1948 ثم التهمت القسم الآخر في حرب 1967م ثم قامت الدولة العبرية بضم القدس بصورة فعلية واعتبرتها عاصمة لها، وهكذا أصبحت هذه المدينة المقدسة التي تتعلق بها أفئدة (1.8) مليار مسلم، فريسة للاحتلال الإسرائيلي وبقيت قضيتها حبيسة الأدراج في منظمة الأمم المتحدة ومجلس أمنها، رغم صدور القرارات العديدة من المنظمة الدولية بشأنها، لكن لم ير واحد منها النور. هذا لأن المجتمع الدولي -وفي مقدمته الإدارة الأمريكية- غير راغب في فرض قرارات مجلس الأمن وقرارات الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي رغم علم المجتمع الدولي الظالم أن إسرائيل احتلت القدس مع الأراضي الفلسطينية، وأن لا سيادة لها على القدس في القانون الدولي، وأن كل ادعاءاتها بسيادتها عليها هي باطلة بطلاناً مطلقاً فإن الاحتلال بالقوة لا يترتب عليه نقل سيادة البلد المحتل إلى الدولة المحتلة من دولة الأصل صاحبة الحق الأصيل. هذا من أهم المبادئ الأساسية التي أقرها القانون الدولي وأيدتها القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنها القرارات ذات الأرقام 2253 (1967)، 2254 (1967) وكذلك القرارات الصادرة من مجلس الأمن ذات الأرقام 242 (1967)، 252 (1968)، 267 (1969)، 271 (1969)، 298 (1971)، 338 (1973)، 452 لعام 1979، و476 (1980) و478 (1980)، وتعد سياسة الاستيطان العنصرية التي تقوم بها إسرائيل باطلة بطلانا مطلقا كذلك بموجب قرارات مجلس الأمن رقم 446 (1979)، 465 (1980)، 497 (1981)، 592 (1986) التي نصت على تحريم وتجريم الاستيطان الإسرائيلي في كل الأراضي الفلسطينية، وغيرها من القرارات التي أدانت بوضوح جميع الإجراءات التي قامت بها إسرائيل والتي هدفت إلى تغيير معالم المدينة منذ حربها على العرب عام 1967م حتى اليوم، وهذه القرارات تنطبق عليها أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1945م التي تحرم وتجرم أي نوع من أنواع مصادرة الأراضي الفلسطينية التي قامت بها إسرائيل تحت وحول المسجد الأقصى. العرب والمسلمون مدعوون لتوحيد صفوفهم وبناء قواتهم، للوقوف مع إخوتهم الفلسطينيين لرد بطش العدو عنهم، واستعادة قدسهم السليبة، فإسرائيل دولة عدوان، ولن تعطينا حقًا ونحن بهذا الضعف والتشتت. ولا شك أن امتلاك القوة هو الحل الأنجع لإجبار العدو على الانصياع لنداء السلام الذي يفرض عند امتلاك القوة، فهذا هو زمن القوة والعالم لا يصغي إلا لأصحاب القوة وحينها ستُسمع صرخات الشعب الفلسطيني المنادي لإنقاذ قدسنا الشريف. والله ولي التوفيق
مشاركة :