طالما ذكرتني اعتراضات الساسة في بغداد على أي خطوة تقوم بها كردستان بمسرحية «العيال كبرت»، حينما يعترض سلطان (سعيد صالح) على أي كلام يتفوه به كمال (أحمد زكي) بسبب أو بدونه... قائلا: «أنا أعترض»... فأي إجراء تدعو إليه كردستان يجابه بالاعتراض من «سلاطين» بغداد، حتى وإن كان دستورياً, بينما يكون أي خرق قانوني يقومون به، دستورياً حتى وإن كان معارضا لبنود الدستور الواضحة. ولا ندري هل اعتراضاتهم هذه هي بسبب جهلهم بفقرات الدستور أم لأنهم يعتبرون الشارع العراقي جاهلاً يستطيعون تمرير أكاذيبهم عليه؟! فبمجرد تصويت مجلس محافظة كركوك وموافقته على مشاركة كركوك في استفتاء اقليم كردستان خرجت أصوات هؤلاء المعترضين لتصف القرار بأنه غير دستوري ولا شرعية له، ولم تقف عدوى وباء الاعتراض هذا على العراق فحسب بل تجاوزته لتصل إلى دول إقليمية أبدت حرصاً منقطع النظير على الدستور العراقي على غير عادتها، وهي التي كانت ولاتزال تستهتر بالدستور العراقي، وتضرب بسيادته عرض الحائط. فالدستور أعطى الشرعية الكاملة لقرار مجلس محافظة كركوك بالدعوة إلى المشاركة في استفتاء إقليم كردستان ببنود واضحة وصريحة غير قابلة للتأويل والتفسيرات المختلفة، ففي الباب الرابع (صلاحيات السلطة الاتحادية) تنص المادة 115 من الدستور على أن «كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة الخلاف بينهما». وفي الباب الخامس المتعلق بتحديد صلاحيات الأقاليم، تنص المادة 119 من الفصل الأول على أنه «يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم بإحدى طريقيتين: أولاً: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم. ثانياً: طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم». وهذه المادة تنص بشكل واضح على أن لمجلس أية محافظة الحق في طلب الاستفتاء على انضمام محافظته إلى إقليم أو تشكيل إقليم من المحافظة، فما بالك إذا كان الموضوع مقتصراً على طلب المشاركة في استفتاء ليس إلا؟! لاسيما إذا علمنا أن تصويت مجلس محافظة كركوك على هذا القرار حاز موافقة 21 من أصل 42 عضواً في المجلس، أي أنه حاز الأغلبية، وليس فقط الثلث المطلوب في المادة، فإذا كان من حق كركوك، حسب الدستور، طلب الانضمام إلى إقليم كردستان بثلث أعضائه، فبالأحرى يكون له الحق في طلب المشاركة في استفتاء إقليم كردستان، باعتبار وجود غالبية كردية في المحافظة, لاسيما أن المادة 115 السابقة تنص على أن أي اختصاص غير منصوص عليه في صلاحيات السلطة المركزية يكون من اختصاص السلطة المحلية بشكل تلقائي. على هذا الأساس فإن ما دعا إليه مجلس محافظة كركوك هو خطوة دستورية بامتياز، لا يستطيع أحد من هؤلاء المدعين، سواء في بغداد أو في أي دولة أخرى إقليمية، وصفها بغير الدستورية. أما الاعتراضات التركمانية والعربية في كركوك ففضحت بشكل واضح الأكاذيب التي كانوا يحاولون تمريرها طوال السنوات السابقة على الشارع العراقي وفي الإعلام بأن كركوك غير كردستانية، وأن الكرد لا يمثلون الأغلبية في المحافظة، والمشاركة في الاستفتاء ستكشف زيف وبطلان ما كانوا يدعونه، وإلا فإذا كان العرب والتركمان هم الأغلبية في كركوك فلماذا الخوف من المشاركة في استفتاء استقلال إقليم كردستان، وهم يستطيعون تغيير نتيجة هذا الاستفتاء والتصويت بخيار «لا» لاستقلال كردستان؟ * كردستان – أربيل
مشاركة :