نشرت الجمعية الخيرية الصالحية في عنيزة، بالمملكة العربية السعودية، للدكتورة نورة صالح الشملان، أستاذة الأدب العربي القديم في جامعة الملك سعود، كتابها القيم «المتنبي في خيمة النساء». سارعت لقراءته، ففاجأتني الدكتورة الفاضلة في مطلع كتابها الرائع بفصل طريف ومفيد عن أبي الطيب؛ لا عن مغامراته الغرامية بين الحسان والقيان، بل عن دوره في الحركات الراديكالية التي انتشرت في أيامه من العصر العباسي. لم أستطع إلا أن أتابع كلمات الدكتورة نورة أكثر من متابعتي كلمات الشاعر الخالد، وإذا بها تقتادني إلى خيمة الثوار وتستضيفني فيها، بدلا من خيمة النساء. تقول إنه صب جام غضبه على حكام عصره، «فوصفهم بالغباء والصغار، وعمم الحكم على جميع الناس، مستثنيا نفسه في أبيات تفيض بالعنفوان والإعجاب، الذي لا حد له، بالذات، والاحتقار للآخرين». وتمضي المؤلفة الفاضلة، فتستشهد بأبيات تصف حكام عصره بالأرانب مفتحة عيونهم نياما. ولأول مرة سمعت أن المتنبي كان ثوريا من القرامطة الذين عرفوا ببرامجهم الاشتراكية الرافضة لكل السنن القائمة. نحن نعرف أن السلطات ألقت به في السجن لمدة طويلة، ولكن معظم الباحثين عزوا سبب سجنه إلى أفكاره الدينية وادعائه النبوة. غير أن فتاة عنيزة تقول إن سبب سجنه كان سياسيا لا دينيا كما يعتقد، فتقول إنه كان يحلم بأن «يكون منقذا للناس من الظلم، فتعجل النتيجة».. يمضي فيهدد حكام عصره قائلا: أيملك الملك والأسياف ظامئة والطير جائعة لحم على وضمِ ميعاد كل رقيق الشفرتين غدا ومن عصى من ملوك العرب والعجمِ فإن أجابوا فما قصدي بها لهمُ وإن تولوا فما أرضى لها بهمِ تستشهد المؤلفة بسلوكه المتحدي للسلطان والسلطة، فعلى خلاف بقية الشعراء، اعتاد إلقاء الشعر جالسا في حضرة الحكام، ودون أن يبدأ بتقبيل الأرض إجلالا لهم رغم كل حاجته إليهم. ينتقل الكتاب إلى موضوعه الأساسي في خيمة النساء.. وفيها نكتشف أن الشاعر كان عازفا عنهن ولم يقع في هوى أي غانية منهن.. وآثر فيهن العفة والبساطة والبداوة، بعيدا عن الشهوانيات والحسيات. وجاء شعره الغزلي متكلفا وتقليديا رغم كل ما أجاد فيه من القول وعلق في أذهاننا لليوم. حياة المتنبي حافلة بالمواقف التي تؤكد على عزوفه عن المرأة وابتعاده عن أي علاقة بها. والغريب أن لدينا مئات المؤلفات عن هذا الرجل، ولكنني لم أجد أيا منها يعالج هذه الظاهرة. إذا تهرب منه الآخرون، فلا ننتظر من أي سيدة محافظة أن تسبر أسبابه.. فهذا موضوع يتطلب باحثا جريئا ملمَّا بعلم النفس وسلوكيات المنطقة.
مشاركة :