أوكرانيا فجرت حرباً باردة جديدة بين الروس والغرب، والأولى لم تعد الكتلة السوفيتية الممتدة حدودها على أوروبا وآسيا، ولا تملك غطاءً خارج حدودها من الدائرين في الفلك الشيوعي، والذي كان مؤثراً في حربي فيتنام وأفغانستان، وقبلهما الكوريتان، لكن روسيا ترى أن السعي لتطويقها بالحلف الأطلسي يدفعها أن تدخل هذه الحرب الجديدة والتي لن تكون سهلة على الطرفين. فأوروبا الشرقية التي انضمت للاتحاد الأوروبي ليست أفضل حالاً من وضعها القديم تحت النفوذ السوفيتي لا في أنظمتها السياسية ولا الاقتصادية، ولم يخف الغرب رغبته بعد الانهيار السوفيتي إغراق الاتحاد الروسي بالحروب من أجل تفكيكها إلى دويلات كما جرى في تشجيع حرب القوقاز وخاصة بالشيشان، لكن قبضة الحكم مع بوتن أعادت لروسيا تماسكها ووحدتها، وخاصة بعد تحسن دخولها الاقتصادية من عائدات النفط والغاز والأسلحة. السؤال من لديه الضغط الأكبر على الآخر؟ صحيح أن الغرب توسع وزاد نفوذه وبقي حلف الأطلسي على مركز قوته، ومن السهل الإضرار بروسيا اقتصادياً بمقاطعة سلعها بما فيها الغاز، وسحب الاستثمارات والتضييق عليها في دفع الحلفاء الآخرين لاتخاذ نفس الاجراءات، لكن ذلك لم يعد الأساس إذ إن اتساع السوق العالمي بوجود دول آسيوية كبرى مثل الصين والهند ودول أخرى غربية لها مشاركات اقتصادية كبيرة مثل ألمانيا قد لا تندفع بنفس الحماس وتقاطع روسيا. فالصين وقعت أكبر صفقة غاز مع روسيا تدوم سنوات طويلة وبنفس الوقت عملت نفس الأمر مع أوكرانيا في اتفاقيات أخرى، بحيث لا تكون المقاطعة فاعلة هذا عدا أن الغرب له مصالح متبادلة مع روسيا. بوتن صاحب القبضة الحديدية علي بلده يريد أن يخرج من الظل والتحجيم يسانده شعب رأى فيه رمزاً وطنياً بعد السيطرة على جزيرة القرم وإثارة الروس في داخل أوكرانيا أن يكونوا وسيلة ضغط مباشر على الحكومة هناك، ولا يظن أي مراقب سياسي أو محلل استراتيجي أن بوتن لم يأخذ بحساباته جميع الاحتمالات وردود الأفعال المقابلة من دول الأطلسي، وربما أن تقويمه للمرحلة الراهنة واهتزاز الأدوار الأمريكية في مناطق العالم المتوترة وغياب أوروبا أن تؤدي نفس الأدوار، جعل الزعيم الروسي يوازن بين كل الظروف وقد يكون كاسباً بحدود مايظنه استعمال نفوذ بلده الضائع لسنوات طويلة، لكن من يحقق الفوز بنتائج هذه الخلافات الصين التي حيدت سياستها مدركة أن ملء هذه الفراغات واعتماد «البراغماتية» يضعها بين الفرقاء قوة ليست بحاجة لاستعمال سياسية الانحيار لطرف دون آخر. انعكاسات هذه الخلافات قد تستفيد منها دول أخرى خارج نطاق المعسكرين لأن العالم مل القطبية الواحدة وهيمنتها على تجاوز حدود القوانين والأنظمة الدولية، وما قد تفرزه الأحداث القادمة قد لا يكون إعطاء حجم أكبر لروسيا، لكنه لا يطلق يد الغرب كما كان سابقاً احتكار القرار وتمريره بما في ذلك التدخلات المباشرة ونشر الحروب.
مشاركة :