ربما تكون كوريا الشمالية أقرب من أي وقت مضى على إنتاج الصواريخ القادرة على حمل الرؤوس النووية التي يمكنها الوصول إلى الأراضي الأميركية. لقد أوصلتنا 25 – 30 عاماً من السياسات الفاشلة إلى ما نحن فيه اليوم. فسلالة كيم التي تمتلك السلاح النووي لديها القدرة العسكرية – نظرياً – على ردع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان وأي بلد آخر يفكر في الإطاحة بها. بيد أن نجاح كوريا الشمالية على المستوى النووي ليس مجرد فرصة للمسؤولين الأميركيين للاستعداد لعهد جديد، والتخطيط لما هو أسوأ والتفاؤل بما هو أفضل. وفي حين أنه على الأرجح أن تكون واشنطن قد أضاعت الفرصة لنزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية من خلال الضغط على كيم جونغ أون للتخلي عن برنامجه للأسلحة النووية مقابل اتفاق سلام أو تطبيع العلاقات، فإن من واجب صانعي القرار والمحللين والخبراء الأميركيين مراجعة التاريخ ودراسة كيف وصلنا إلى هنا، وتحديد مواضع الخطأ في السياسة الأميركية. هذه ليست ممارسة سعيدة بشكل خاص لمسؤولي الأمن القومي الذين أمضوا عقوداً في دراسة كوريا الشمالية ومحاولة إحباط برنامجها النووي. ولكن يمكن أن تتجه الأمور إلى ما هو أسوأ بكثير، إذا فشلت الولايات المتحدة في تحليل مواقع الخطأ، وتحديد الاستراتيجيات التي كان يمكنها أن تجعل الوضع أفضل، وما إذا كان بالإمكان استخلاص الدروس من هذه التجربة. جنون العظمة قادة كوريا الشمالية يتملكهم جنون العظمة. وتقوم بنية النظام برمتها على رغبات ونزوات رجل واحد فقط. فهي تتمتع بنظام سلطوي وراثي يقوم على العداء الشديد للولايات المتحدة، والاعتقاد الراسخ بأن الولايات المتحدة تتآمر باستمرار لإسقاط عائلة كيم، واستبدالها بحكومة تكون ألعوبة بيدها. نظام كيم لديه مبررات وجيهة للشعور بالقلق إزاء التواجد العسكري الأميركي في منطقة شبه الجزيرة الكورية، وليس لأن واشنطن ستغزو البلاد، بل لأن الكوريين الشماليين شاهدوا بوضوح وعلى مدى عقود كيف تتعامل الولايات المتحدة مع الحكومات المناوئة، كما حدث مع صدام حسين عام 2003، أو معمر القذافي عام 2011، أو سلوبودان ميلوسيفيتش عام 1999، أو بشار الأسد اليوم. فالكوريون الشماليون قادرون على ربط الأحداث والوصول إلى نتيجة من الصعب دحضها، وهي أن الحكومات التي تقف على الجانب المناهض للولايات المتحدة، وليست لديها أسلحة نووية، سوف تستهدفها أميركا في نهاية المطاف. وهكذا، فإن الدرس الذي يمكن استخلاصه هو عليك امتلاك رادع نووي. لقد علمنا بذلك، لأن وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية استشهدت بمصيري حسين والقذافي كمبرر لسعيها لامتلاك السلاح النووي. وأشارت في تعليق لها إلى أن «نظام صدام حسين في العراق ونظام القذافي في ليبيا لم يفلتا من ذلك المصير بعد أن حرمانا من قدرات تطوير الأسلحة النووية ثم تخليا طوعاً عن برامجهما النووية». لقد شاهدت ثلاثة أجيال من عائلة كيم أعداء من الولايات المتحدة يأتون ويذهبون، بعد ان تطيح واشنطن بهم ويكون مصيرهم في مزبلة التاريخ. وهكذا تعتبر بيونغ يانغ أن التسلح النووي هو الضمانة الوحيدة لكي لا ينضم كيم إلى ركب صدام حسين. وليس من السهل على المفاوضين الأميركيين، اقناع حكومة تقاتل من اجل البقاء، وتشعر بالقلق إزاء جيرانها الأقوياء، بالتخلي عن الرادع الوحيد الذي يحميها من أي هجوم أجنبي. مطالب الحد الأقصى خلال إدارات بيل كلينتون وجورج دبليو بوش، وباراك أوباما، نادرا ما نجحت الدبلوماسية الثنائية أو المتعددة الأطراف مع الكوريين الشماليين عندما كانت السياسة الأميركية تركز على مجموعة من العقوبات الاقتصادية والمطالب المثالية. وفي حين كان نزع السلاح النووي الكامل دون قيد او شرط كان هدف الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والآسيويين، فإن كيم جونغ – إيل وكيم جونغ أون اعتبرا أن التخلي عن هذه الأسلحة يمثل مقامرة غير مأمونة العواقب، وتهدد بفقدان بوليصة التأمين الوحيدة ضد أي غزو أميركي محتمل. وكانت النتيجة دائما حالة من الجمود التي تعززت خلال سنوات حكم الرئيس أوباما الثماني. فالشروط الأميركية المسبقة، مثل رفضها الدخول في حوار مع بيونغ يانغ إلا اذا اتخذت خطوات فعالة وملموسة لوقف برنامجها النووي، كانت لها نتائج عكسية وأفسدت الدبلوماسية الاستكشافية قبل أن تبدأ. وعندما لا تكون الدبلوماسية خيارا، فإن التدابير القسرية مثل العقوبات التي فرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتلويح بعمل عسكري لا تخدم غرضا سوى المعاقبة على سوء السلوك. لا تزال هناك فرصة، مهما كانت صغيرة، لنجاح المفاوضات. ولكن هذه الفرصة لن تظل متاحة إلى الأبد، وقد لا تجري مفاوضات على الإطلاق، إذا لم تتعلم إدارة ترامب من أخطاء الماضي. الدبلوماسية البراغماتية ولكي تنجح المفاوضات، سيتعين على الرئيس ترامب أن يجد سبيلا لتخفيف الشروط التي فرضها اسلافه، كلينتون وبوش واوباما. لقد حققت كوريا الشمالية تقدما سريعا على صعيد برنامجيها النووي والصاروخي، لدرجة قد تجعل نظام كيم يستبعد تماما فكرة تفكيك أي من البرنامجين. ومهما يكن من الصعب على الولايات المتحدة القبول بهذه الحقيقة، إلا أنه لا يمكن للرئيس ترامب إضاعة المزيد من الوقت في بناء استراتيجيته في شبه القارة الكورية على أساس أن نزع السلاح النووي ما زال ممكناً. ولكن اذا كان بامكان ترامب توصيف النجاح والتركيز على ضبط ترسانة كيم النووية، وتجميد اجراء المزيد من البحوث والتطوير واختبارات الصواريخ، واعادة المفتشين النوويين الدوليين الى كوريا الشمالية، مع زيادة قدرات الردع الاميركية فى شمال شرق اسيا، فربما تكون أمام الرئيس ترامب فرصة للتوصل إلى اتفاق مقبول للطرفين مع حكومة كيم. وهذا يتطلب، بطبيعة الحال، دبلوماسية خلاقة وواسعة الأفق، إضافة الى قدر كبير من الشجاعة السياسية للدفاع عن مثل هذا الجهد الذي سينظر اليه البعض في واشنطن، باعتباره استسلاماً للدكتاتور الكوري الشمالي. لسوء الحظ، أن الولايات المتحدة دخلت مرحلة ستضطر فيها للتعايش مع كوريا الشمالية النووية. والامر متروك الآن للولايات المتحدة أن تختار بين كوريا الشمالية المسلحة نوويا بلا قيود والتي تواصل تكديس الرؤوس الحربية وتطوير تكنولوجيا الصواريخ، أو كوريا الشمالية المسلحة نوويا والتي يكبحها نظام عالمي لمنع انتشار الأسلحة النووية والذي ساعد على الحفاظ على السلام بين القوى النووية على مدى الـ72 عاما الماضية. «أميركان كونسيرفاتيف»
مشاركة :