122 ليلة في صحبة نجيب محفوظ

  • 9/4/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» كان نجيب محفوظ، (11 ديسمبر 1911 - 30 أغسطس 2006) كما أطلق عليه صديقه الكاتب الساخر محمد عفيفي «رجل الساعة» دلالة على انضباطه في مواعيده، فقد كان الكاتب الكبير منظما على نحو صارم، فالكتابة لا تكون في الصيف، ويوم الخميس مخصص لشلة الحرافيش، وهناك موعد أسبوعي آخر مع أصدقاء في الباخرة «فرح بوت» أو كازينو قصر النيل، وفي يوم آخر كانت هناك جلسة محفوظية مخصصة لأصدقاء معينين في فندق شبرد، وقد قام الكاتب إبراهيم عبد العزيز برصد آراء الروائي الكبير في كتاب جديد بعنوان «ليالي نجيب محفوظ في شبرد». في كل جلسة من تلك الليالي التي بلغ عددها 122 ليلة، كان يثار العديد من القضايا التي تخص مصر والعالم، وكذلك علاقة محفوظ بأدباء جيله، والأدباء السابقين له، ورأيه في الأجيال الشابة وكتاباتهم، ومن يعجبه منهم ولماذا، وفي جلساته كان محفوظ يرفض دائماً الرد على الأسئلة الخاصة التي تتعلق بشؤون حياته وأسرته، وكان يلتزم الصمت، حينما يتحدث أحد الحضور عن شخص ما غائب، وإذا طلب رأيه في شأن شخصي، لا تخرج إجابته عن كلمة واحدة: يصح، جايز، ولا يتورط أبداً ولا يخوض في سيرة الناس.وحول علاقة محفوظ بالنقد يرصد إبراهيم عبد العزيز: الرجل كان حريصا طوال حياته على ألا يسيء إلى أحد، حتى لو أساء إليه الآخرون، إلا إذا تعدت الإساءة حدود الأدب، كما فعل ذات مرة مع الناقد الأدبي صبري حافظ، الذي تورط في مهاجمة محفوظ في مجلة «الأقلام العراقية» ثم حينما حصل على جائزة نوبل، اتصل به هاتفياً ليهنئه، فقال له محفوظ: «تشتمني ثم تهنئني» وأغلق سماعة الهاتف في وجهه.أما فيما يتعلق بواقعة سليمان فياض، وهي الواقعة التي رواها فياض نفسه حينما كتب مقالا عن رواية محفوظ «حضرة المحترم» في إحدى مجلات الماستر التي كانت منتشرة آنذاك في مصر، وكانت حلا للخروج من أزمة النشر، قال «فياض» عن الرواية رأيا سلبيا، مفاده أن نجيب محفوظ يسلي نفسه أحيانا لمجرد الكتابة، وينفخ روحا في قصة قصيرة لتكون رواية، وفي اليوم التالي لصدور المجلة، التي كان يشرف على تحريرها الكاتب عبده جبير، كان موعد الندوة الأسبوعية لمحفوظ في مقهى ريش، وتجاهل ما نشر في المجلة طوال جلسته.كان سليمان فياض أحد حضور الندوة، وعند نهايتها التفت محفوظ إلى فياض قائلا:- ده مش نقد، أنت قليل الأدب.هنا يحكي سليمان فياض بقية الحكاية موضحا أنه ابتسم وقال له:- مقبولة منك يا عم نجيب.ولزم فياض الصمت، وطلب نجيب له قهوة، ثم دعاه ليجلس بجواره، وقال له:- انس ما قلت. قال فياض بدهشة: وأنت؟قال محفوظ: نسيت الأمر كله.وحول علاقة نجيب محفوظ بالمرأة في أحاديثه، أثناء لقاءات شبرد، يرصد إبراهيم عبد العزيز إعجاب امرأة ألمانية بصاحب نوبل، إذ فجأة انقطع حديث الأصدقاء، وتعلقت عيونهم بشقراء ألمانية، تتقدم نحو الكاتب الكبير في خطوات بطيئة، وتطبع قبلتين على جبينه، بينما لا تترك يده، بعدما انتزعت لنفسها مكانا بجواره، هذه الشقراء الألمانية كانت تقترب من الأربعين عاما، وكانت تخفي كل ما يتعلق بشخصيتها، حتى عن نجيب محفوظ نفسه.المعروف عنها فقط أنها كانت تحضر إلى مصر كل عام، لكي تجلس هكذا بجوار نجيب محفوظ، تستمع إليه بشغف، وتنظر إليه بعشق غريب، وفجأة ينطلق صوتها بالعربية المكسرة: «إن زوجي يعرف حبي لسي نجيب، ولا يعارض ذلك، أنا أحب فيه الرجل الحمش، وعشقت كتاباته جميعها عندما قرأتها بالإنجليزية، وتمنيت لو عشت في مصر القديمة، التي تحدث عنها في رواياته، أحببت الحضارة المصرية والتاريخ المصري، من خلال روايات الحرفوش الأعظم، أو سي نجيب، كنت أتمنى أن أكون بطلة لإحدى رواياته، لكي أعيش تفاصيل الحياة المصرية»!.تحكي الشقراء الألمانية الغامضة ل«سي» نجيب أنها أثناء جولتها في أوروبا، تصادف أن أعلن عن فوزه بجائزة نوبل، وبعد تسلمه الجائزة، راجت مبيعات رواياته في السوق الأوروبي، وكان الشباب من المصريين الدارسين في الجامعات الأوروبية، قد نسجوا قصص حب ملتهبة مع أوروبيات، عن طريق إهداء روايات نجيب محفوظ لهن، واعتبارها مدخلًا للصداقة.يبتسم نجيب محفوظ ويعلق: «يعني فوزي بنوبل كان فرصة للبصبصة». ورغم أن نجيب محفوظ كان قد تجاوز التسعين فإن حب المرأة له لم ينقطع، فقد فوجئ الجميع ممن يحيطون بالكاتب الكبير في إحدى جلسات شبرد، برسالة مكتوبة باللغة الفرنسية على ظهر تذكرة قطار موقعة من «رانيا ودنيا» وقد حاولت إحداهما- الفرنسية- مقابلة محفوظ في بيته لولا أن منعها الحارس، فتركت له هذه الرسالة، التي تقول سطورها: «مساء الخير يا أستاذ نجيب، مررت عليك لكي أرى أين تسكن، لأني أقدرك جدًا، ولم أستطع أن أترك القاهرة قبل أن أعرف على الأقل كيف تعيش، حلمي أن ألتقي بك، أقبلك بقوة». «من تونس وفرنسا- رانيا ودنيا». وحينما وقعت أحداث 11 سبتمبر في أمريكا، أصيب نجيب محفوظ بالرعب، يقول إبراهيم عبد العزيز: سألت الأستاذ بمناسبة ذكرى ضرب أمريكا في 11 سبتمبر، كيف علمت بالخبر المذهل؟ قال: «كنت أرتدي ملابسي، استعدادا للخروج، حينما ذكرت لي ابنتي ما حدث في أمريكا، كنت أحسبه فيلما، لكن لما رحت القهوة أكدوا لي الخبر، ولم أكن متأكدًا من تفاصيله، ولقلة وصف ما حدث، كما نقل لي، شعرت باطمئنان أن العرب ليس لهم يد فيما وقع، لأنه فوق طاقتنا من جميع النواحي، لكن في اليوم التالي تعرفوا إلى بعض الأسماء، التي قادت الطائرتين اللتين اصطدمتا بالبرجين، وكان من بينهم محمد عطا، اترعبت». ما سبب الرعب؟- بقينا أعداء لأمريكا وهدفا لها.في إحدى المرات سأل إبراهيم عبد العزيز نجيب محفوظ: ماذا يبقى من يوسف إدريس؟ فأجاب: قصصه، وسأل عبد العزيز: هل يستحق جائزة نوبل؟ قال محفوظ: إبداعه لا يؤهله لها، وعلق أحد الحاضرين: لقد حصل على جائزة صدام حسين، واعتبرها كجائزة نوبل، فعلق محفوظ: ما دام قد أخذها تبقى أكبر من نوبل. هذا الكتاب الصادر عن مؤسسة بتانة للنشر، قطعة من تاريخ مصر، وجزء مهم من سيرة الأديب العالمي نجيب محفوظ وآرائه وآراء المحيطين به في جلساته، وكانت المناقشات بينهم لا تترك حدثًا دون مناقشة أو تعليق، ومن أشهر رواد هذه الجلسة الكاتب المسرحي علي سالم، والمخرج توفيق صالح، والفنان عبد العزيز مخيون، والمهندس محمد الكفراوي، وحسين عبد الجواد، وزكي سالم وآخرون، غير ضيوف الأستاذ من العرب والأجانب.

مشاركة :