لماذا يواجه المغرب تضليلا سياسيا وتترك الدول الداعمة للإرهابتفضل بعض الجهات الغربية الترويج للصورة النمطية السائدة عن المنطقة العربية بوصفها بؤرة إرهاب تنعدم فيها الحريات وتغيب عنها الديمقراطية، وتنزعج إذا رصدت نموذجا ينجح في الإفلات من هذه الصورة. من هنا تسلط عليه أدواتها الناعمة، وسائل إعلام أو منظمات حقوقية، لتنهال على الرأي العام تارة تتحدث عن علاقته بالإرهاب وتارة أخرى عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، من ذلك ما يتعرض له المغرب في الفترة الأخيرة؛ حملة إعلامية ممنهجة تبدو استهدافاتها السياسية واضحة من خلال هشاشة حجج التقارير التي ترصد “واقع عدم الاستقرار” بالمغرب.العرب حسن السوسي [نُشر في 2017/09/05، العدد: 10742، ص(6)]حق يكفله الدستور المغربي لا تنفصل بعض التقارير التي تصدرها منظمات دولية تتصف بالحقوقية ووسائل إعلام غربية، تصنف تقاريرها تلك ضمن خانة حرية التعبير، من منطق الحسابات والمصالح. وقد تبين بالحجة والدليل، خصوصا في مرحلة ما بعد الربيع العربي، كيف أن هذه التقارير تندرج ضمن حملات منسقة للضغط على الدول من أجل تحقيق غايات سياسية. من هذا المنطلق يمكن النظر إلى الحملة التي تخوضها وسائل إعلام وجهات غربية، فرنسية وأميركية أساسا، ضد المغرب. وليس أدل على ذلك من تقرير فرنسي يربط بين المغرب والإرهاب، ويتغافل، لمصالح سياسية، عن الدول التي ثبت بالحجة والديل دعمها للإرهاب، في وقت تؤكد فيه تقارير غربية أخرى أن السياسة المغربية الشاملة في محاربة الإرهاب نموذج يحتذى به. وأكّد الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي أن “المغرب يعتبر نموذجا في محاربة الإرهاب وأن سياسته في هذا الصدد موضوع طلب من طرف العديد من البلدان التي تريد الاستفادة منها”. وكان خبراء في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى توجهوا، عقب هجمات برشلونة، بتوصيات إلى صناع القرار في الولايات المتحدة، أكدوا فيها أن على واشنطن تشجيع التعاون الاستخباراتي والأمني بين المغرب وجميع حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين.المغرب يفتح المجال أمام أوسع الفئات الاجتماعية للتعبير عن مطالبها بمختلف الطرق والوسائل الاحتجاجية الشرعية وشدد الخبراء على ضرورة استقاء الدروس من نجاح المغرب في منع الإرهاب الجهادي في الداخل، مشيرين إلى أن تجربة المغرب يمكن أن توفر علاجا محتملا للتطرف الذي يمكن تصديره إلى خارج الحدود. ولأن موضوع الإرهاب لم يكن يوما مقنعا وتفنده في كل مرة جهود المغرب المتقدمة في محاربة هذه الآفة التي اكتوى بها المغرب، وجد البعض من “المهتمين” بالشأن المغربي في الاحتجاجات التي شهدتها منطقة الحسيمة في الفترة الماضية، ورقة يمكن اللعب بها. ومع تناول وسائل الإعلام، المغربية قبل الدولية، لتطورات هذه الأحداث، التي انتهت لكن بقي البعض يجترّها من لم يقتنع كيف نجح المغرب في أن يكون الاستثناء في منطقة عاصفة. وكثر الحديث في بعض وسائل الإعلام الدولية عن رصد واقع عدم الاستقرار بالمغرب. وذهب بعضها إلى حد الادعاء أن “الملكية مهددة في كيانها ذاته”، لكن، على ما يرتكز مثل هذا الحديث من معطيات؟ تقتضي الإجابة على هذا السؤال رصد المعطيات التي تنطلق منها تلك الأحاديث الإعلامية أو السياسية ومحاولة التعرف على طبيعتها، ومدى سلامة التحليل الذي يعتبرها مؤشرات على عدم الاستقرار في البلاد. سننطلق هنا من أطروحات بعينها تم الزعم أنها مؤشرات على عدم الاستقرار: أطروحة الاحتجاجات الاجتماعية ينبغي التأكيد هنا أولا على أن المجتمعات الحية في مختلف بلاد العالم الديمقراطي تعرف احتجاجات سياسية واجتماعية وإن كان بوتيرة متفاوتة، وحول قضايا ذات بعد اجتماعي فئوي تارة وقضايا ذات بعد سياسي تارة أخرى، وأحيانا ذات بعد أخلاقي. والمغرب من بين هذه المجتمعات الحية التي تعيش على وقع عدد من الاحتجاجات، وخاصة بعد التطور الدستوري النوعي الذي عرفته البلاد والذي فتح المجال أمام أوسع الفئات الاجتماعية للتعبير عن مطالبها بمختلف الطرق والوسائل الاحتجاجية. فالاحتجاجات في العرف الديمقراطي لا تعني حالة مرضية بل هي ظاهرة صحية يحتاجها المجتمع للتعبير عما يزعجه ولإيصال صوته لأعلى سلطة، خاصة عندما تقصر المؤسسات والجهات المعنية في القيام بأداء مهمتها. ويرتبط تفاوت مدى حضور عنصر التنظيم أو انعدامه في تلك الاحتجاجات بمدى تطور الوعي الاجتماعي والنقابي والسياسي داخل كل مجتمع، وهو يؤثر على وتيرة تلك الاحتجاجات وعمقها واتساع مساحاتها.يبدو أن الكثير من تلك الأحاديث عن هشاشة المغرب ومؤسساته الدستورية ليست سوى مجرد إحلال رغبات هامشية محل الواقع ومعطياته القوية ولعل أوضاع النقابات والأحزاب السياسية غير المريحة على مستوى تأطير تلك الاحتجاجات قد فتحت المجال لتحولها إلى أسلوب طاغ خارج كل تنظيم، بالمعنى التقليدي. ولهذا الأسلوب تبعاته المباشرة وغير المباشرة منها: اعتقاد شرائح واسعة من الشباب خاصة أنه لا مستقبل لأي عمل منظم، لأنه يتم استغلاله سياسيا من قبل أحزاب يعتقد البعض أنها لم تعد تقوم بدورها وأنها تستغل مآسي المواطنين لخدمة أعضائها عامة وقياداتها على وجه الخصوص. غير أن ما غاب ويغيب عن الكثيرين أن كل احتجاج اجتماعي أو سياسي معرض دائما لمحاولة الاستثمار لخدمة أجندات سياسية، ليست بالضرورة واضحة كل الوضوح. أطروحة التضييق على حرية التعبير لم يتم التوقف يوما ما عن اتهام المغرب بالتضييق على حرية التعبير، من قبل عدد من المؤسسات الحقوقية الدولية، وخاصة منها تلك التي تربطها علاقات وطيدة مع بعض المنظمات المغربية التي تعنى بهذا المجال، وعادة على أساس التقارير التي تزودها بها هذه الأخيرة، من خلال مندوبيها الرسميين في المغرب أو من خلال تقارير خاصة بعضها مدفوع الثمن. والحال أن الحرية التي تتمتع بها وسائل الإعلام في المغرب تعتبر من أهم ما يمكن تسجيله في العالم المتحضر؛ فعلى أي أساس يتم الحديث عن التراجع ومقارنة بماذا؟ كثيرا ما يتم التسرع في التعاطي مع هذه المسألة من خلال الإيحاء بأن وسائل الإعلام لا ينبغي أن تساءل عما تنشره. والواقع أن ما أصبح شبه سائد في بعض وسائل الإعلام وما يسمى الصحافة والمواقع الإلكترونية المستقلة يتميز بالفبركة والإشاعات، بل أن ميلا متناميا إلى التشهير بالأشخاص والمؤسسات دون وجه حق ليس قابلا للإنكار، الأمر الذي دفع بعدد من المؤسسات والمقاولات والشخصيات التي ترى أن الإعلام قد قام بنشر أخبار زائفة حولها بهدف الإساءة أو تصفية حسابات معها، إلى عرض قضاياها على محاكم البلاد في إطار ما يسمى الجنح والجرائم المرتبطة بالنشر. وبطبيعة الحال، فإن المؤسسات الإعلامية المعنية وناشريها يعلنون على الدوام أنهم ضحايا استقلاليتهم وعدم تبعيتهم لأي جهة كانت وأن المستهدف هو حرية التعبير والإعلام المستقل. إن هذا النوع من القضايا هو السائد مقارنة بما يرتبط منها بمؤسسات الدولة الرسمية رغم أن النقد الموجه لها تعج به كل وسائل الإعلام الحزبية والمستقلة على حد السواء. ومع ذلك، فإن حالات رفع الدولة ومؤسساتها لقضايا أمام المحاكم نادرة جدا.مع تناول وسائل الإعلام، المغربية قبل الدولية، لتطورات هذه الأحداث، التي انتهت لكن بقي البعض يجترّها من لم يقتنع كيف نجح المغرب في أن يكون الاستثناء في منطقة عاصفة وعندما يكون هذا هو الواقع فلأن وسيلة الإعلام المعنية اعتبرت أن حريتها في النقد تعني الافتراء ونشر الإشاعات والأخبار الكاذبة تارة للفت الانتباه وتارة للصراخ بأنها ضحية تطالب بتدخل مؤسسات دولية لمؤازرتها. أطروحة القلق على مصير المؤسسات يعتمد أصحاب هذه الأطروحة على تصريحات مهتمين أجانب بالوضع المغربي وهي متعددة خلال المدة الأخيرة وآخرها ما عبر عنه السيناتور تيم كاين، عضو مجلس الشيوخ الأميركي، عن مخاوفه بشأن الوضع الراهن في المغرب جراء “الاضطرابات الاجتماعية المستمرة في البلاد” وحالة المؤسسات وحقوق الإنسان بصفة عامة. جاء حديث كاين في رسالة إلى الرئيس دونالد ترامب، أورد فيها ما يلي ” لدي مخاوف بشأن حالة المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان في المغرب، كما أن المواطنين لا يتمتعون بالحماية الكاملة للتعبير عن مواقفهم بكل حرية“. وتطرق السيناتور الأميركي إلى وضع حرية الصحافة في المغرب، متهما السلطات بـ"التضييق على وسائل الإعلام المستقلة". ولعل الحديث الأهم، في هذا المجال، هو عن تنازع الشرعية بين الملكية وبين خصومها. وهذا أمر منعدم في الواقع المغربي، رغم التضخيم المقصود. إن الواقع يؤكد أن الإجماع حول الملكية ودورها الحيوي كمؤسسة في تحديد مسارات التطور السياسي في البلاد هو السائد بين مختلف مكونات المشهد السياسي المغربي. ولا يغير من هذا الواقع مجرد سماع أصوات هنا وهناك تتحدث عن ضرورة إقامة “ملكية برلمانية” حيث يسود الملك ولا يحكم، على غرار الملكيات الأوروبية. ذلك أن إمعان التفكير في مثل هذا الشعار في ضوء التطور السياسي في المغرب، وخاصة وضع العمل الحزبي الهش، يحول الشعار إلى مجرد محاولة حزبية للتميز من خلال اعتماد خطاب معروف لدى الجميع أنه شعار دعائي في أحسن الأحوال، وليس شعارا للتطبيق على المدى المنظور في كل الأحوال. وهو بالتالي شعار أقرب منه إلى إعلان النوايا من اعتباره عنوان برنامج سياسي قابل للتنفيذ على أرض الواقع. وهكذا يبدو أن الكثير من تلك الأحاديث عن هشاشة المغرب ومؤسساته الدستورية ليست سوى مجرد إحلال رغبات هامشية محل الواقع ومعطياته القوية، لذلك فهي ليست مما يعتد بها. كاتب مغربيحسن السوسي
مشاركة :