الإرادة قوة جبارة تسكن بين أضلاع الخلق بقدرة الخالق جل في علاه، هناك من يهزمها بشرور نفسه، أو تُهزم بداخله بفعل فاعل. في أجواء ظلم وحرمان، الأنانية وحب الذات والاحتطاب بالمهنة أياً كان مصدر الدخل، حطم قيم ومبادئ وأخلاق المهنة، وحولها إلى مرتع حظيرة حيوانية وشريعة غاب مال وأعمال، الاشتراكية الماركسية فتنة استعباد السلطة للناس، ورأسمالية آدم سميث ديموقراطية الوجهين «مصرفيين وعسكر» ، يحملون المرشحين للسلطة والمجالس البرلمانية على نعوش زفة مصالح أرباب المال والأعمال. يخرج من بطون ومستوطنات الصمت على الظلم والأنانية، رجال ربطوا الإبداع في العلم والمعرفة، بقيم لا تعرف أنصاف الحلول، ومبادئ لا تباع وتشترى في أسواق النخاسة، وأخلاقيات مهنة تفرق بين الحق والباطل، تعلموا من تربية النشأة الأولى أن التضحية وإسعاد الآخرين جزء لا يتجزأ من رسالة الحياة، هنا يكمن الشعور والإحساس الإنساني الرفيع بأسمى معانيه، ويسري مسرى الدم في تكوين شخصية الرجال النبلاء أصحاب المواقف المشرفة. «غزة» أرض الشرف والعزة والكرامة، وأرض ملحمة البطولات والصبر والشجاعة، أرض يمسك أهلها بأمانة أرض فلسطين، وأجسادهم الطاهرة ودماؤهم الزكية لاءات متفجرة يتعلم منها العرب والمسلمون كيف تكون المقاومة لنصرة الحق ضد الباطل. قرن من الزمان لم يتعلم فيه ولم يستفد منه من أطلقوا على أنفسهم قادة التحرير حتى أجلسهم عدوهم إلى جانبه ليروي لهم قصة آبائهم وأجدادهم المزعومة مع هيكل سليمان، وطبطب العجوز شمعون بيريز على أكتافهم لنوم هادئ استقر في أريحا السلطة، وغزة «دحلان» أولاً. قلب المجاهدون الأبطال في غزة ظهر المجن على عملاء «أولا»، وقلبّوا صفحات تاريخ قرن من الزمان فمزقوه بعد تدوين درس المقاومة الجديد وعنوانه «لن يحترمك ويهابك عدوك إذا لم تعتمد على نفسك في القوة والصمود»، وقف العدو ومعه العالم مشدوهاً أمام ملحمة الصبر والمثابرة والإخلاص والتضحية، وضعف أمامهم الطالب والمطلوب. الفيتناميون على رغم ضعفهم آمنوا بعدالة قضيتهم فأذاقوا الأميركان الويل والثبور، وتركوهم يرون مآسيهم بقصص وأفلام سينمائية، وشعب البوسنة والهرسك بصمودهم وبسالتهم، فجّروا الخزي والعار لديموقراطية الغرب حتى ذلوا صاغرين وأجبروهم على التدخل لنصرة المظلوم على الظالم، وأمام الشعب الفلسطيني فرصة عظيمة لفرض عدالة قضيته على العالم بالمقاومة والصمود وليس بالخطب والأناشيد. وقفت وتأملت كثيراً صور الاستقبال الحاشد الذي حظي به الطبيب الدكتور النرويجي مادس جيلبرت في مطار أوسلو بعد عودته المظفرة من رحلته الإنسانية إلى غزة، هذا الاستقبال وتلك المشاعر التضامنية التي غزت معظم شوارع المدن العالمية، يرسخ تنامي الشعور العالمي بعدالة القضية الفلسطينية ويضعها في واجهة الأحداث، وتحاصر الكيان الصهيوني بالكراهية والمقاطعة، والاستثمار يكمن في استمرار المقاومة حتى تتحقق المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني. الدكتور مادس جيلبرت لم يكن مجرد طبيب منتدب لأغراض إنسانية، بل هو رجل آمَن بعدالة القضية الفلسطينية، وسطّر أروع أمثلة التضحية، قاوم منعه من دخول غزة وحطمت إرادته الحديدية لاءات المنع، تنقل بين مستشفيات غزة ينقذ الضحايا ويضمد جراح المصابين، ويطبع القبل على جبين الشهداء، يحمل في جيوب ردائه الأدوية والكثير من حاجات المرضى. يقول بعد مشاهدته للجرائم الفظيعة التي ارتكبها الكيان الصهيوني: كأني انتقلت من عالم له ألوان وناس يتمتعون بالحرية والسلام، إلى عالم غزة حيث تنعدم الحياة والسلام والأمان، وقال إن ما شاهده فظيع ومروع وأمر لا يصدق. الخوف والقلق على وجوه كل الناس؛ لأن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد استخدام أسلحة فتاكة ومحرمة دولياً على قطاع غزة، إنما يحدث جريمة ضد الإنسانية. ويقول أستاذ الطب والأخلاق والقيم الإنسانية في رسالة لأهل غزة: على الناس في غزة أن يعرفوا أنهم ليسوا وحدهم، هناك العديد والعديد معهم، عليكم ألا تستسلموا؛ لأن شعوب العالم الحر يتأملون في صبركم ويستمدون من قوتكم فإن استسلمتم فإن الشعوب من بعدها ستستسلم. وأقول للسيد الطبيب الدكتور مادس جيلبرت، بعد السلام والتحية والإعجاب والتقدير، أسأل الله الكريم أن يُنعم عليك بنعمتين، نعمة الهداية للإسلام، ونعمة العفو والمغفرة، وسأدعو لك حتى لو لم تنعم بنعمة الهداية، لأنك قمت بعمل عظيم عجز أو تقاعس عن أدائه الكثير من أطباء المسلمين.
مشاركة :