«يرى البعض أن مراجعات «حركة الجهاد الإسلامي» المبرمة في أواخر التسعينات اقتصر جانب كبير منها على منظري الحركة وقادتها، فيما تُرِكت قاعدتها الشعبية محتارة تضرب أخماساً جهادية في أسداسٍ تكفيرية. ويرى كثيرون أن انقلاب قطاع كبير من الإرادة الشعبية على حكم جماعة «الإخوان» يظل غير مفهوم وغير قابل للتبرير من قبل قواعد الجماعة الذين لا يعرفون غيرها مُرَبياً ولم ينشأوا على سواها فكرياً. ويتخوف البعض هذه الأيام من أن يكون انقلاب «بسمة أمل» إلى «عبسة خيبة» مجرد زوبعة في فنجان ظاهرة الداعية «المودرن» عمرو خالد. فورة السخرية وثورة التنديد وهبة الشماتة وانتفاضة السكون التي هبت على مصر ودول عربية عدة طيلة الأيام القليلة الماضية لم تهدأ بعد. فمنذ دعا «الداعية الإسلامي المعاصر والباحث الإصلاحي والمؤلف والحاصل على دكتوراه في الدراسات الإسلامية في الإسلام والتعايش» عمرو خالد (بحسب تعريفه نفسه على صفحته) دعاءً موجهاً لمتابعيه ووجهه صوب الكاميرا وظهره في اتجاه الكعبة ومراجعات مظاهر التدين التي هبت على مصر من جهة و «الهجمة» الليبرالية على الإسلام والمسلمين من جهة أخرى قيد الإشعال والتأجيج والانتقاد تارة والدفاع طوراً. تدوينات «فايسبوك» وتغريدات «تويتر» متخمة بكتابات يعبر فيها أصحابها عن مواقف وآراء بالغة السلبية تجاه الرجل. كما تحوي استرجاعات تاريخية مفعمة بالشماتة تارة وبالسعادة تارة أخرى لـ «سقوط أقنعة التدين المظهري والإيمان الشفهي» مع أمل بأن تكون هناك مراجعات شعبية لمظاهر ورموز التدين المظهري. لكن مواقع التواصل الاجتماعي وجلسات الاتصال الاجتماعي ليست متطابقة الأفكار أو مستنسخة التوجهات. فعلى الجانب الآخر، يقف شجباً وتنديداً، وكذلك شماتة وضغينة ولكن لأسباب تقف على طرف نقيض. أعضاء جماعة «الإخوان» والمتعاطفون معهم يملأون الفضاء العنكبوتي صخباً في احتفالية منظمة للتنديد بالرجل الذي ظهر في فيديو عام 2013 يشدّ من أزر الجنود المصريين لحماية الوطن من كل معتد باغٍ حتى وإن كان من الداخل، ولم يعارض فض اعتصامي «رابعة» و «النهضة»، وأعلن تأييده غير مرة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظامه، ودفاعه عن دعوة السيسي لتجديد الخطاب الديني بأنها دعوة لتنقيح التراث لا هدمه، وغيرها من المواقف التي تعتبرها الجماعة مواقف عدائية تستوجب «الهبد» و «الرزع». لكن «الهبد» و «الرزع» الدائرة رحاهما يعكسان حالة الفوضى الفكرية العارمة والعشوائية الانتقائية القائمة والأعراض الجانبية طويلة المدى للاستقطاب الحاد الذي جرى في مصر في السنوات الماضية. فعمرو خالد بالنسبة الى فئة كبيرة من المثقفين والليبراليين «إخواني سابق» و «تاجر دين» و «مدعي فقه» و «مسؤول مسؤولية مباشرة عن التدين المظهري منزوع المحتوى الذي ضرب البلاد». وهو بالنسبة إلى «الإخوان» والمتعاطفين مع جماعات الإسلام السياسي «انقلب على الدين بدعمه للانقلاب على حكم الجماعة» و «قايض إيمانه بأرباحه السياسية والمالية من علاقته الطيبة مع نظام ما بعد 2013» و «يتلون بألوان الأنظمة من أجل مصالحه الشخصية». أما القاعدة العريضة من المصريين التي لا تنتمي لهؤلاء أو أولئك فقد وقفت بلا حراك أمام المعركة الجدلية القائمة. «قمنا من النوم صباحاً لنجد الدنيا مقلوبة على الشيخ خالد. رجل طيب، ويتكلم في الدين بشكل مبسط، وقريب من ربنا، ويكفي بكاؤه وتأثره الشديدان كلما دعا في رمضان أو الحج. ما العيب في ذلك؟!» سؤال «عم فتحي»، حارس العقار، مشروع، لا سيما وأنه لا يعرف كثيراً عن «يوتيوب» ليشاهد دعاء الداعية الموجه لأتباعه فقط والكعبة خلفه، أو صفحة «فايسبوك» ليتابع تبريرات الهجوم وتعليلات الانتقاد، أو حساباً على «تويتر» ليحسم أمره في شأن الرجل بناء على تغريدات المحبين والكارهين. الكارهون للرجل من غير «الإخوان» يعتبرون فورة السخرية على فيديو الدعاء الملقب بـ «دعاء الشير واللايك» بداية حقيقية لفتح باب الاجتهاد الشعبي في التدين الحقيقي بعيداً من سنوات من استلاب العقل الشعبي عبر احتكار الدين وتمدد ظاهرة الدعاة الجدد. والكارهون للرجل من «الإخوان» ومعتنقي الإسلام السياسي بدرجاته يعتبرون الفورة مستحقة أيضاً لأن الرجل الذي فاخر قبل سقوط الجماعة بأنه كان ينتمي إليها، ثم قفز من مركبها قبل أن تغرق في 2013 عائداً إلى حضن النظام الذي يلوح في الأفق. وكلتا الجبهتين ضحكتا كثيراً في أعقاب صورة الشاب الذي باغت خالد برفع أصابع رابعة الأربعة في صورة فوتوغرافية التقطها معه في الحج. وبين الجبهتين جبهة شعبية كانت تعتبر خالد «رجلاً طيباً» يحدثهم عن سيرة الرسول (ص) ويحفزهم للتقرب إلى الله ويصون البنات بإقناعهن بالحجاب ويحمي الشباب بإلهائهم في أعمال الخير، فاستيقظت على حملة مروعة من طرفي نقيض نالت من الرجل. ويظل هناك قطاع رابع ساكتاً ومسكوتاً عنه، وهو الشباب والشابات الذين تحولوا من جمهور معجب بعمرو خالد إلى مريدين له ومتيمين بمشروعاته ومبادراته التي صنعت له شعبية كبيرة في أوساط شبابية تنتمي للطبقة المتوسطة وما فوقها. فمن «زراعة أسطح البيوت» إلى «صناع الحياة» و «لا للمخدرات» و «العلم قوة» و «بسمة أمل»... وأخيراً إلى «أخلاقنا»، يلتزم هؤلاء الشباب صمتاً تاماً لم تتضح أبعاده بعد. يشار إلى أن حملة «أخلاقنا» انطلقت كمبادرة يرعاها وزير الشباب والرياضة المصري خالد عبدالعزيز وتحوي عدداً من رموز الفكر والدين الإسلامي والمسيحي من أجل إعادة التنقيب عن الأخلاق في المجتمع المصري. إلا أن الحملة تبددت في هواء النسيان بعد أسابيع قليلة من انطلاقها.
مشاركة :