طردت قوات الاحتلال الإسرائيلية أمس عائلة فلسطينية من منزلها الذي كانت تقيم فيه منذ أكثر من 50 عاماً في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة، ومنحته لمستوطنين يهود. ومنزل الحاج أيوب شماسنة، الذي يقيم فيه مع عائلته منذ العام 1964، أي قبل احتلال القدس، واحد من عشرات المنازل في هذا الحي المقدسي، تسعى السلطات الإسرائيلية لطرد أصحابها وإسكان المستوطنين فيها. وحضرت قوات الشرطة الإسرائيلية فجر أمس الى المنزل الصغير الواقع في حي الشيخ جراح، والذي يقيم فيه شماسنة (84 عاماً) غير القادر على الحركة وزوجته فهمية شماسنة (75 عاماً) وابنهما وعائلته، وأجبروهم على الرحيل. وقال ايوب الذي يجلس على كرسي متحرك للصحافيين: «نحن نسكن هنا منذ عام 1964». مضيفاً: «ماذا سأفعل؟ كيف لهم أن يرموا أغراضي وأثاثي وملابسي في الشارع؟». وقالت فهمية شماسنة: «بدأت الشرطة بقرع الباب في الخامسة صباحاً. دخلوا مثل الوحوش، كنت أحضر الحليب والفطور لأولاد ابني قبل ذهابهم للعمل، حملونا ورمونا في الخارج». وأضافت فهمية وهي تبكي: «هذا أصعب يوم في حياتي». وتساءلت «ماذا سنفعل؟ سنبحث عن بيت. ربما سنبقى بالشارع يوم أو يومين». وستضطر عائلة شماسنة الى دفع مبلغ يقدر بين 60 الى 70 ألف شيقل (بين 14 و16 الف يورو)، تكاليف إخلائها لأنه تم بالقوة. وقال نائب محافظ القدس عبدالله صيام إن السلطات الإسرائيلية تسعى لإقامة ترابط استيطاني عبر حي الشيخ جراح، بهدف الحيلولة دون نقل مدينة القدس الى الفلسطينيين في أي حل سياسي مستقبلي. ولفت الى أن «الهدف هو إقامة تجمع استيطاني في حي الشيخ جراح يربط بين تجمعين استيطانيين كبيرين في القدس هما هداسا أو جبل سكوبس ومئة شعريم». وأضاف أن «أصحاب هذه المنازل موجودون فيها قبل احتلال المدينة، والاستيلاء عليها جزء من حملة تهويد واسعة تشهدها المدينة وتهدف الى تغيير وجهها الفلسطيني». وكان سكان هذه المنازل استأجروها ضمن اتفاق بين وكالة غوث اللاجئين والحكومة الأردنية بعد 1948، ضمن خطة لإيواء عشرات اللاجئين الفلسطينيين الذين فقدوا بيوتهم في ما بات يعرف بإسرائيل، وإسكانهم في بيوت خالية في القدس الشرقية. وتدّعي السلطات الإسرائيلية أن هذه البيوت كانت تعود الى يهود قبل العام 48. لكنّ المحامين يقولون إن هؤلاء الفلسطينيين أيضاً كانت لديهم بيوت جرى إخلاؤهم منها والاستيلاء عليها من السلطات الإسرائيلية، بعد إقامة دولة إسرائيل في 48، وان تطبيق القانون عليهم يستوجب إعادتهم الى بيوتهم التي شردوا منها. ويقول ارييه كينغ، مدير «صندوق أراضي إسرائيل»، وهي جمعية استيطانية تعمل في أحياء القدس الشرقية المحتلة، إن البيت الذي كانت تسكنه عائلة شماسنة «ملك لليهود منذ 90 عاماً». وأبلغ ارييه «فرانس برس» بأن «هذا الحي سيعود كما كان حياً يهودياً. الأمر يحدث ببطء» مضيفاً أن مسألة تحويل حي الشيخ جراح الفلسطيني الى حي يهودي هي «مسألة وقت فقط». وقال أيوب انه لا يمتلك أي مأوى آخر، موضحاً: «كنا ندفع ايجار المنزل بعد النكبة الى حارس أملاك العدو التابع للحكومة الأردنية. وبعد احتلال القدس عام 1967 انتقلت إدارة تلك المنازل الى القيم العام الإسرائيلي، وواصلنا دفع أجرة المنزل له». وألزم القيم العام الإسرائيلي سكان المنازل في تلك الفترة بتوقيع عقود إيجار سنوية جديدة. وفي العام 2009 رفض القيم العام تجديد عقود الإيجار، مدعياً ان ورثة أصحاب المنزل الأصليين توجهوا الى المحاكم الإسرائيلية لإخلائه. وقال ايوب: «منذ ذلك التاريخ ونحن نخوض صراعاً في المحاكم للحفاظ على منزلنا والبقاء فيه». ولا يوجد أي قانون مماثل للفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم وأراضيهم في القدس الغربية او إسرائيل، وانما على العكس فقد فرضت إسرائيل قانون أملاك الغائبين الذين بموجبه تمت مصادرة الكثير من الأملاك الفلسطينية. ويأتي طرد عائلة شماسنة بالتزامن مع طرح أربعة مشاريع استيطانية في حي الشيخ جراح. وسلمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، أمس، إخطارات إخلاء لست عائلات جديدة، تتألف من 30 فرداً، في الحي. وذكرت لجنة حي الشيخ جراح في بيان امس أن محامي «حارس أملاك الغائبين» الإسرائيلي سلم العائلات الست إخطارات لإخلاء بيوتها خلال 30 يوماً من تاريخه. وقال نشطاء في الحي ان عدد العائلات التي تسلمت اخطارات لإخلاء منازلها بلغ 20 عائلة، تضاف الى العديد من العائلات الأخرى التي جرى إخلاء بيوتها وإسكان مستوطنين مكانها. وتقول حركة «السلام الآن» المناهضة للاستيطان ان هذا هو اول إخلاء لأحد منازل حي الشيخ جراح منذ عام 2009. وبحسب الحركة، فإن عملية «الإخلاء تأتي في اطار عملية أوسع تقوم بها الحكومة بتأسيس مستوطنات في حي الشيخ جراح». واعتبرت المنظمة ان إخلاء العائلة «بشكل وحشي» يدل على «منحى خطير» يزيد من تعقيد أي تسوية محتملة حول القدس في اطار تسوية النزاع. وتؤكد منظمة «عير عاميم» الإسرائيلية التي تدعم عائلة شماسنة ان هذه الأخيرة هي الأولى التي تطرد من منزلها في الحي منذ عام 2009. وقالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) انها ستحاول مساعدة العائلة ماليا لإيجاد منزل آخر. واعتبر مدير الوكالة في الضفة الغربية المحتلة سكوت اندرسون ان «مثل هذا النوع من عمليات الطرد يجعل من الصعب تحقيق السلام» بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية، قبل نحو اسبوعين، عن خطة إسرائيلية لإسكان 400 عائلة يهودية في حي الشيخ جراح خلال السنوات الخمس القادمة. وذكرت ان الهدف من المشروع هو خلق تواصل استيطاني يهودي من جبل «سكوبس» وشارع رقم 1 وحي الشيخ جراح وحي «مئة شعاريم» في القدس الغربية. وحي الشيخ جراح من الاحياء الفلسطينية المحيطة بالبلدة القديمة في القدس الشرقية المحتلة. وتعمل السلطات الإسرائيلية على إقامة احياء وبؤر استيطانية في قلب البلدة القديمة، وفي جميع الاحياء المحيطة بها، بهدف خلق واقع استيطاني يهودي يحول دون نقلها للسيادة الفلسطينية مستقبلاً. ومنذ عام 1967، أصبح عدد اليهود 195 الفاً من اصل سكان القدس الشرقية البالغ 450 الف نسمة. وضمت إسرائيل القدس عام 1980 وأعلنتها عاصمتها «الابدية والموحدة»، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي وضمنه الولايات المتحدة.
مشاركة :