تُعد فكرة بقاء النساء في مواطنهن وإقدام الرجال على اكتشاف العالم ظاهرة حديثة نسبياً، وفي مجتمعنا العربي قد ترفض فكرة سفر المرأة وحدها خارج وطنها، لكنها مقبولة تماماً للرجال، لكن في الماضي لم يكن هذا الأمر هو السائد. إذ تشير دراسة إلى أنَّ العكس تماماً كان متجذراً في العصور القديمة، فقد بقي رجال العصر البرونزي في مواطنهم بينما كانت النساء المُغامِرات عنصراً أساسياً لنشر الحضارات والأفكار، بحسب صحيفة البريطانية. ويكشف البحث أنَّه على مدار فترةٍ تمتد لحوالي 800 عام، سافرت نساء أوروبا لمسافاتٍ تصل ما بين 300 كيلومتر و500 كيلومتر بعيداً عن قراهن الأصلية لتأسيس عائلاتهن، بينما كان الرجال يميلون إلى البقاء في الأماكن التي وُلِدوا بها. وقد فحص علماء الآثار الألمان رُفات 84 شخصاً دُفِنوا بين عامي 2500 و1650 قبل الميلاد، واكتشفوا أنَّه في نهاية العصر الحجري وأوائل العصر البرونزي تأسَّست العائلات بطريقةٍ مدهشة. فبينما كانت أغلبية النساء يأتين من خارج مناطقهن، ظلَّ الرجال عادةً في المناطق التي وُلِدوا بها، إذ تبيَّن أن الرجال لم يسافروا مطلقاً، بينما سافر ثلث النساء تقريباً من مواطنهن الأصلية. وقال الباحثون إنَّ النمط الذي يُسمى "بالإقامة تحت سقف الأب" إذ تقيم المرأة حيث يوجد مسكن الزوج، مجتمعاً مع تحركات المرأة الفردية لم يكن ظاهرة مؤقتة، ولكنَّه استمر طوال فترة الانتقال من العصر الحجري الحديث حتى أوائل العصر البرونزي. وجاءت النتائج المنشورة في الدورية العلمية PNAS من مشروع بحثي ترأسه البروفيسور فيليب ستوكامر من جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ، والذي علق بالقول: "نعلم جميعاً تلك القصص عن المحاربين الرجال الذين يكافحون لإحضار الغذاء لمنازلهم بينما تبقى النساء والأطفال في المنزل، ولكنَّ يبدو أنَّ الأمور كانت مختلفةً تماماً". وبالإضافة إلى إجراء حفر أثري، أجرى الباحثون تحاليل للنظائر المستقرة والحمض النووي للعينات القديمة، وتبيَّن أن أفواه ثلاثة أنواع من الأضراس قد اكتسبت صفات معدنية في عصور مختلفة، إذ تتميز كل تربة بطابع مختلف مثل الطباشير أو الطين، وتترك المياه التي يشربها البشر من هذه الترب المختلفة طابعاً مختلفاً على الأسنان، وبذلك يسهل التعرف على الأماكن التي ذهبوا إليها. وقال ستوكامر إنَّ التحركات الفردية كانت "سمة رئيسية" تميِّز حياة الناس في وسط أوروبا حتى في الألفية الثالثة وأوائل الألفية الثانية. ويظن الباحثون أنَّ ذلك كان له دور كبير في عملية تبادل الأغراض والأفكار الحضارية، والتي زادت بشكل ملحوظ في العصر البرونزي، وأدت بدورها إلى تطوير التكنولوجيات الجديدة. وقد ركزت الدراسة على المستوطنات الواقعة في وادي ليخ جنوب أوغسبورغ، التي تقع حالياً في ألمانيا. وقال البروفيسور ستوكامر إنَّ الرؤى الجديدة من وجهة نظر علم الآثار تثبت أهمية حركة النساء في عملية التبادل الحضاري في العصر البرونزي، كما تتيح لنا رؤية "المدى الهائل" لبدايات التحركات البشرية من منظور جديد. وأضاف: "يبدو أنَّ جزءاً على الأقل مما ظنناه مسبقاً هجرة جماعية يستند إلى شكل مؤسسي من التحركات الفردية". هذا، وقالت الدكتورة أليسا ميتنيك من معهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري: "نرى تنوعاً كبيراً في الأنساب النسائية المختلفة، والتي قد تحدث إذا انتقلت العديد من النساء على مر الزمان إلى وادي ليخ من أماكن مختلفة". وأضافت أنَّ مراسم دفن النساء لم تختلف عن المراسم الخاصة بالسكان الأصليين، ما يشير إلى اندماج النساء اللاتي كن مسبقاً "أجنبيات" في المجتمع المحلي. وبشكلٍ عام، لطالما اعتقد الباحثون أن نَسَبنا ينحدر من القرود العليا التي استوطنت قبل نحو 7 ملايين سنة وسط إفريقيا. وقد بقي أسلافنا 5 ملايين سنة أخرى هناك قبل أن يقْدموا على الهجرة إلى مناطق أخرى، بحسب صحيفة البريطانية. لكن مؤخراً، تم العثور على عينتين من الأحافير لمخلوق يشبه القرد، ويملك أسناناً تشبه أسنان الإنسان في بلغاريا واليونان. ويرجع تاريخ هذه الأحافير إلى 7.2 مليون سنة مضت. ويثبت اكتشاف هذا الكائن الغريب، الذي يدعى "غريكوبيثكوس فريبيرجي"، في حين يطلق عليه العلماء اسم "إل غرايكو"، أن نشأة أسلافنا بدأت فعلياً في أوروبا قبل 200 ألف سنة من ظهور أول إنسان قديم في إفريقيا.
مشاركة :