قبل يومين من مباراة إيران وسوريا دخلتُ في حوار طويل مع ولديّ، فيما يتعلق بنتائج المباراة. أنت مَن تشجع؟ وهل تتمنى فوز المنتخب السوري وتأهله لكأس العالم؟ لم يكن النقاش سهلاً لوجود اعتبارات أخلاقية تُقيِّد من أحلامي التي حلمت بها لعقود، وهي تأهل منتخب سوريا ضمن ظروف حرب تكاد تأتي على سوريا كبلد مستقل. ولداي يدرسان العلاقات الدولية في جامعات أميركا، فمحمد يدرس ماسترز دراسات إسلامية وشرق أوسطية في جامعة جورج مايسون في ڤرجينيا، ويحيى في سنته الثالثة في دراسته للعلاقات الدولية وتطوير الدول في جامعة ڤرجينيا. كلاهما لعب كرة القدم في طفولته، بل يحيى كابتن نادي الجامعة الذي فاز العام الماضي ببطولة أميركا لنوادي كرة القدم الجامعية (النوادي تختلف عن منتخبات الجامعة)، كلاهما قارب الموضوع من وجهة نظر مختلفة معتبرة. أما يحيى فكان يرى أننا لا يجب أن نتمنى تأهل المنتخب لنهائيات كأس العالم، لسبب بسيط غير الذي ذهب له أصحاب هذا الرأي من الثوريين. فرأيه ببساطة أن المنتخب لا يمثل سوريا "رياضياً"، ليس بسبب النظام وعلاقته بشعبه، ولكن بسبب مقتل الكثير من زملاء اللاعبين على يد النظام، وهو ما يعني عدم أخلاقية اللاعبين الذين رضوا بمقتل زملائهم، واستمروا باللعب، وهو ما ينزع عنهم أخلاقيات المنافسة الشريفة التي ينبغي أن تنبني عليها الرياضة أساساً. هذا الرأي وحده هو الذي كان يمنعني في قرارة نفسي من تقبُّل فكرة تمثيل المنتخب بتركيبته الحالية لسوريا. فأي منتخب يعني بالضرورة تكافؤ فرص اللاعبين بشرف تمثيل بلدهم. وحين يُقتل ويُعتقل بعض اللاعبين بسبب موقفهم السياسي من نظام يحكم بلادهم، ثم يُمثِّل البلاد لاعبون ما كانوا ليمثلوها لولا مقتل من هم أفضل منهم، والذين لم يُقتلوا لولا أنهم إذ سِيمَ شعبهمُ الخسفَ قالوا بملئ فيهم "لا"، فحينذاك نعود إلى المربع الأول الذي خرجت به الثورة، وهو الثورة على الظلم وانعدام تكافؤ الفرص بين أبناء البلد الواحد. ثم جاء دوري في النقاش، فتنبأتُ بأن إيران ستدع سوريا تفوز بالمباراة كي تتأهل معها، وبذلك تثبت للعرب أنها وسوريا رغم الصعاب وصلتا لكأس العالم بسبب قلعة الصمود والتصدي عند الجانبين. أما رأي ولدي محمد فكان أبسط من رأي أخيه وخالف ما تنبأتُ به. قال لي: بغضِّ النظر عما تنبأت به ويتمناه الناس، وعما يبدو بديهياً فإن إيران لن تسمح لسوريا بالفوز لسبب بسيط، وهو العنصرية الفارسية الموجودة لديهم وتعاليهم على العرب. ثم أضاف: سوريا منشأ العروبة في القرن العشرين. لذلك سيحاول الإيرانيون الفوز مهما كلف الأمر كي يثبتوا أن فارس قاهرة العروبة. ولسبب آخر خطير وهو أن فوز سوريا وتأهلها لكأس العالم في روسيا سيطيل فترة استعصائها على التقسيم الذي تريده إيران، ويبقيها دولة واحدة كما تريد روسيا، ولو بالوثائق لمدة سنة تقريباً. أما لو خرجت من التصفيات فإنه من المحتمل جداً تسارع تقسيم سوريا، إلا لو حدثت معجزة بتوحد السوريين. بغضِّ النظر عن كل هذه الآراء، إلا أنه من الواضح أن السياسة والرياضة بينهما علاقة لا تنفك، خاصة من وجهة نظر ملالي إيران الذين لا يرون سوريا إلا باعتبارها المحافظة الخامسة والثلاثين، بعد ضمِّ العراق واليمن ولبنان لمحافظاتها الأصلية، وبالتالي فإن ترشح إيران لكأس العالم هو المعبِّر الوحيد عن تطلعات كل شعوب هذه المحافظات. كرة التقسيم اليوم قد وقفت عند نقطة ضربة الجزاء، وتستعد إيران لركلها. هذه الكرة لم يعد يستطيع صدَّها اليوم إبراهيم عالمة، ولا عبد الباسط الساروت، ولو وقف كلاهما في المرمى في مواجهة كابتن إيران أشكان دجاغه. هذه المهمة تستدعي اليوم الشعب السوري برمّته ليقف حائط صدٍّ في المرمى، فهو وحده القادر بعد الله على إيقاف كل ما يُحاك ضد سوريا. على السوريين جميعهم الانتباه لما هو قادم، فقد أوشك الزمان أن يكون هناك سوريون ولا تكون هناك سوريا. من لم يصدق أن حدوث ذلك ممكن، فلا ينظرنّ أبعد من شركس سوريا. فقد كان هناك يوم عاش فيه الشركس في شركسيا. أما اليوم فهناك شركس، لكن ليس هناك شركسي. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :