الحرملك العثماني: حكايات قصور السلاطين

  • 8/5/2014
  • 00:00
  • 60
  • 0
  • 0
news-picture

لم يزل سحر الشرق وغموضه الآسر يثير خيال كل من اقترب منه.. الحرملك العثماني عالم ساحر مليء بالفتنة والإغواء والجمال، عالم الترف والغنى والثراء، عالم افتتن فيه سلاطين وملوك وأمراء وشعراء وأدباء، هذا العالم الغامض أثار حوله الكثير من القصص والروايات بعضها صحيح وبعضها كاذب، وهالة السحر حوله أسهمت بشكل كبير في زيادة جرعة الخيال بين ثناياه. خلف الأسوار العالية عالم تحكمه قوانين صارمة قوية لا يمكن تجاوزها، عالم يعتمد على مبدأ الطبقية المقيتة التي يقف على قمتها السلطان العثماني الذي كان سيد جميع من في القصر. كانت مرتبته مرتبة السيد وجميع من في القصر كان من طبقة العبيد.. لا حاجة لذكر جمال وحسن وإبداع تصميم القصر؛ فالدولة العثمانية الغنية جداً لم توفر أي شيء ثمين ونفيس وغال لتضمن راحة قاطني الحرملك، وكما أن لكل جمال ضريبة كانت ضريبة هذا العالم السحري الألم والمؤامرات والخوف والدماء والدموع. الإمبراطورية العثمانية أو الدولة العلية كما يسميها العرب، أسسها السلطان عثمان بن أرطغرل بن سليمان شاه عام 1258م في بلاد الأناضول. استمرت الإمبراطوية في التوسع لتحتل أراض من ثلاث قارات، مرت السلطنة بلحظات قوة وضعف حتى سقوطها وانتهاء الخلافة فيها عام 1924م ونفي آخر سلاطينها السلطان محمد السادس. الحرملك العثماني أو الهمايوني باللغة العثمانية هو قصر ملكي ضخم يحتوي على أكثر من 400 غرفة وجناح، يعيش فيه السلطان مع عائلته وجواريه بالإضافة إلى المخصيين الذكور، أم السلطان (القادين) هي سيدة القصر الأولى والمتحكمة في كل شؤونه، لها الحق بحكم مركزها القوي بالقصر التحكم في جميع نساء القصر وموظفيه وفي عهد السلاطين الضعاف كانت تتحكم في شؤون الدولة السياسية فتعين الوزراء وتقيلهم حسب ما تراه، هذه الحظوة لم تملكها فقط أم السلطان حتى بعض الجواري المحظيات ومخصيي القصر كان لهم أدوار متفاوتة في التأثير على سياسات السلطنة في مواقف كثيرة. تلي السلطانة الأم في المكانة (قادن أفندي) وهي الجارية التي أنجبت ذكراً من السلطان، وتتراوح مكانة القادينات حسب مكانة ولد السلطان، ومن تنجب ولياً للعهد تسمى (باشقادن) ومكانتها أعلى من غيرها، رغم أن حظوة الجارية لدى السلطان تحدد مكانتها الفعلية في القصر. كان يتم جلب الجواري للحرملك من مصادر مختلفة، والأغلبية يتم شراؤهن من أسواق النخاسة، أو سبايا الحروب، أو هدايا من ملوك وأمراء ووزراء، والأقل من يقدمهن أهلهن كهدية للسلطان برضاهن، وأغلب الجواري كنَّ من أوروبا الشرقية واليونان والبندقية، وأغلبهن فائقات في الجمال والحسن، وعادة تكون أعمارهن صغيرة عند دخولهن الحرملك (تتراوح بين 14 و18)، ويتم تقسيم مهامهن في القصر تبعاً للموهبة والجمال والثقافة، ومن تتمتع بقدر عال من الجمال والثقافة وحسن الحديث تكون من محظيات السلطان، والبقية يتم توزيعهن لخدمة سيدات القصر (أم السلطان وأخواته وبناته وأمهات أولاده). في الحرملك تتلقى الجواري قدراً كبيراً من التعليم والثقافة في الدين الإسلامي والتاريخ العثماني وأصول وقوانين الحرملك، وإذا لم تنجب الجارية من السلطان أو لم يعد يرغب بها يقوم بإعتاقها وتقديم الهدايا الغالية لها ويزوجها من أحد معاونيه أو وزرائه، والجارية التي يعتقها السلطان تكون لها مكانة كبيرة في المجتمع كونها كانت محظية للسلطان العثماني. مخصيو القصر، أو كما يطلق عليهم الآغاوات، هم عبيد أفارقة وأوربيون يتم قطع أعضائهم الذكورية وهم أطفال (أعمارهم أقل من 10 سنوات) بعملية وحشية مؤلمة يموت فيها 9 أطفال من أصل عشرة، وقد حرم الإسلام الإخصاء وحرم العمل فيه، لكن بعض رجال الدين لم يحرم استرقاق المخصيين، وكان اليهود والنصارى هم من يقومون بخطف الأطفال وإخصائهم. كانت أسعار المخصيين مرتفعة جداً وكان وجودهم في قصور الأغنياء والأمراء دليل على الثروة والغنى، وتجاوز عدد مخصيي الحرملك العثماني أكثر من 300 مخصي، وكانت وظائفهم تتمركز في حراسة الأجنحة الملكية وخدمة نساء القصر. وقد كان لوظيفة رئيس الأغاوات أو المخصيين مكانة كبيرة في الحرملك العثماني، ووظيفته أحياناً توازي وظيفة الصدر الأعظم (رئيس الوزراء)، وكان يلقب بصاحب السعادة، وكان كبراء البلد ووجهائه يسعون دائماً لكسب رضاه بالهدايا والعطايا السخية لمكانته الكبيرة عند السلطان، ولأنه كان الوسيط بين سيدة القصر ورجال الدولة. ويعيش السلطان العثماني في جناح فاخر في الحرملك يسمى (الخلوة)، وفيه غرفة نوم وغرفة اجتماعات ومكتبة وحمام، وعند دخول السلطان القصر ومروره بين أجنحة نساء القصر يلبس حذاءً فضياً يصدر صوتاً عند المشي ورداء حريرياً فاخراً، ولا يجوز للجارية النظر في عيني السلطان مباشرة، ويتم اختيار الجواري للسلطان من قبل والدته أو رئيس المخصيين، أو يختارها السلطان من خلال الحفلات التي تقيمها والدة السلطان في عدة مناسبات. كان السلاطين العثمانيون في بداية السلطنة يتزوجون من نساء حرائر خصوصاً من بنات وأخوات ملوك الممالك المجاورة، لكن خوفاً من سيطرة أهل الزوجة على الحكم فضلوا الإنجاب من الجواري، ولكن ذلك لم يمنع بعض السلاطين من الزواج السياسي من أميرات ممالك أخرى. لكن لم تكن جواري القصر ولا المخصيين فقط هم عبيد السلطان، فالدولة العثمانية كانت تفضل أن تعين العبيد (القولار) في الوظائف الحكومية، ومصدر العبيد عادة ما يكون من أسرى الحروب وخصوصاً الأطفال، وأيضاً فرضت الدولة العثمانية ضريبة تسمى (ضريبة الغلمان) على كل عائلة أرثذوكسية مسيحية تعيش على أراضيها، وتجبر العائلة على التخلي عن أحد أولادها الذكور لصالح الدولة العثمانية، ويصبح الأطفال عبيداً للسلطان ويدخلونهم الإسلام ويوفرون لهم معسكرات تدريبية يتخصص بعدها هؤلاء العبيد إما للعمل كموظفين حكوميين أو عسكريين في (نظام البشمركة). كان للسلطان الحق في إعدام ونفي ومصادرة أموال أي عبد عنده بدون إبداء الأسباب، والكثير من الصدور العظام (رؤساء الوزراء) في الدولة العثمانية كانوا من طبقة القولار، وقد أعدم السلاطين العثمانيون الكثير من الصدور العظام بدون محاكمة. وبسبب خصوصية الحرملك العثماني وقوانينه الصارمة يمنع أي شخص غريب من الدخول فيه، ويمنع كذلك الخروج منه حتى إلى الحدائق الخارجية الغناء التي لا يسمح للأميرات والجواري التنزه فيها إلا بإذن من سيدة القصر. وقد انتشرت شائعات وقصص خرافية عن طريقة الحياة فيه لم تلبث أن أغنت التراث الشعري والأدبي العثماني بالشعر والروايات العاطفية الرقيقة.

مشاركة :