جبل طارق: أسطورة وشموخ

  • 8/5/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

يعتقد الكثير أن جبل طارق جزيرة قائمة بذاتها ومنفصلة عن إسبانيا، ولكنه في الواقع ليس كذلك. فهو عبارة عن رأس ناتئ من شبه الجزيرة الأيبيرية ضيق وحاد تقف عليه الكتلة الصخرية المشهورة على ارتفاع 1400 قدم على سطح البحر والتي تتكون من الحجر الجيري الذي يعود للعصر الجوراسي، رمز القوة والثبات. وهي عارية من جهة ولكنها مكسوة بكثافة بغابات الزيتون البري والصبار ونباتات أخرى هنا وهناك. ويعتقد علماء الجيولوجيا أن صخرة جبل طارق قد تشكلت إثر تصادم الطبقات التكتونية لقارتي أفريقيا وأوروبا منذ 55 مليون سنة مضت. وأطلق الإغريق على صخرة جبل طارق عبارة (كالبي) Calpe وتعني المركب أو السفينة. وفي الميثولوجيا الإغريقية شكلت هذه الصخرة من جانب وهضبة سبتة بالمغرب من الجانب الآخر أرجل هرقل العظيم، كما كان يمثل الحد الغربي للعالم المعروف لديهم في ذلك الوقت. ويربط مضيق جبل طارق المشترك بين إسبانيا وأفريقيا البحر المتوسط بالمحيط الأطلسي. وشهد جبل طارق سنة 1969 حفل زواج جون لنون John Lennon المغني البريطاني وأحد أفراد فرقة البيتلز الموسيقية بيوكو أونو Yoko Ono. وتعود أطوار الحكاية أن الزوجين كانا محبطين في محاولتهما لإقامة حفل زفافهما إما بباريس أو في عرض المياه الأوروبية (على متن يخت) ولكنهما لا يحملان جواز سفر ومنعا من الدخول فاقترح عليهما الزواج بجبل طارق باعتبارهما يحملان الجنسية البريطانية ولا يحتاجان إلى جواز سفر بجبل طارق المقاطعة التابعة لبريطانيا. ولجبل طارق تاريخ حافل بالحصار والمعارك التي تنسج الحضارات والثقافات عبر العصور ولا يزال هذا الإرث قائماً إلى حد اليوم. ويمكن للزوار الاستمتاع بزيارة الصخرة والمناطق الجذابة المحاذية. أما الصخرة التي تقع إستراتيجياً في الرأس الجنوبي لشبه الجزيرة الأيبيرية فهي عائمة كلياً في البحر تقريباً باستثناء المضيق الحاد الذي يربطها بإسبانيا. ولا تتعدى مساحة جبل طارق 7 كيلومتر مربع في الخارج في حين تمتد بداخله الكهوف والأنفاق العديدة والملتوية لحوالي 50 كيلومتراً، وفيها تكمن بعض أكبر أسرار وخفايا جبل طارق، والتي أدت كذلك دوراً رئيسياً في الدفاع عن هذه المنطقة الإستراتيجية على امتداد التاريخ العسكري البريطاني. وقد صمد جبل طارق أثناء الحصار الكبير الذي ضرب عليه بين 1779 و1783 من القوات الفرنسية والإسبانية المشتركة لاسترداد الصخرة من الحكم البريطاني خلال حرب الاستقلال الأمريكية ولكنه مني بالفشل الذريع. وهو ما جعل جبل طارق محور التاريخ البريطاني لعدة قرون. وقد حفرت داخل الصخرة الكلسية شبكة ملتوية من الأنفاق على طول عدة أميال لبناء مدينة تحت الأرض تشمل جميع المرافق الضرورية كالمكاتب والمستشفيات المجهزة والثكنات والنقاط المرورية. ويعود تاريخ الاستيطان بجبل طارق إلى عشرات آلاف السنين. وتناوب على التحكم في هذا الحصن المتوسطي عدد من الشعوب على غرار الفينيقيين والقرطاجيين والرومان قبل سقوطه بيد المورسكيين سنة 711. واستفاد المورسكيون من المكانة الإستراتيجية لجبل طارق على امتداد أكثر من 750 سنة. ولا تزال هناك شواهد منقوشة على الصخرة. ومن أهم الآثار المتبقية قصر المورسكيين الذي يطل على البرج العالي ناحية المضيق بالشمال الشرقي للصخرة، وهو يعتبر من العلامات المميزة بجبل طارق. ولا توجد مصادر نهائية ومحددة للقصر ولكن تشير المصادر بأن أشغالاً على البناء الأصلي قد تمت من طرف طارق بن زياد نفسه في سنة 742، وهو ما جعله أول حصن مورسكي يشيد على التراب الأوروبي. ويمثل البرج العالي أعلى نقطة في القصر وعلى مقربة منه تتوزع الأبراج الأخرى والبوابات الداخلية والخارجية المحصنة وكذلك القصبة التي تضم أهم باب خانة، وقد اعتبرها العلماء أقدم بناء بشري بجبل طارق. وفي الأصل كان مركب القصر الكبير يمتد عبر البلدة العتيقة وصولاً إلى موقع حوض السفن المورسكي القديم بالقرب من مداخل الملاجئ المحصنة. ولا تزال عدد من بوابات التحصين والجدران الأصلية قائمة، ويعرض اليوم جزء من الأسس المتبقية للبناء المطل على البحر بساحة الملاجئ المحصنة. وتعتبر الحمامات التي تعود للقرون الوسطى بالطابق التحتي لمتحف جبل طارق آثاراً مهمة وشاهدة على ازدهار حياة المورسكيين بجبل طارق. وفي السابق شكلت الحمامات، التي تعمل بواسطة شبكة تحتية من القنوات لتوزيع الهواء الساخن، جزء من قصر الحاكم بجبل طارق، الذي ينحدر من بني مرين (من قبيلة زنتانة). وانتهى حكم المورسكيين الذي تواصل 700 سنة على الصخرة بعد أن آلت السيادة على جبل طارق للقوات القشتالية سنة 1462، ودمرت العديد من البناءات الهندسية المتطورة للمورسكيين وأقيمت عليها بناءات جديدة غربية الطراز أثناء الحكم القشتالي والإسباني ثم البريطاني من سنة 1704 إلى اليوم على غرار كنيسة الملكة إيزابيلا التي أقيمت على أنقاض المسجد الكبير بجبل طارق. كما تعرضت عدد من المباني الدفاعية إلى الهدم والتخريب خلال الهجمات المتعاقبة على الصخرة بعد احتلالها من القوات البريطانية والهولندية سنة 1704. وتعتبر الصخرة العليا دون شك أفضل مكان يمكن الزائر من اكتشاف المباني والمواقع العسكرية والمعدات الحربية المهملة، والتي شكلت التاريخ العسكري لجبل طارق. وتوجد العديد من الأمثلة عن الأسلحة والعتاد المستعمل في حروب القرن العشرين تعرض في الصخرة العليا. وعلى امتداد قرون فقدت آلاف الأرواح دفاعاً عن الصخرة مع آلاف أخرى إضافية، وقد هلكت في أغلب الأحيان نتيجة محاولات ومغامرات فاشلة لاحتلال هذا المكان الإستراتيجي الذي طالما أسال أطماع القوى العالمية. ولكن أهمية جبل طارق لا تستمد فقط من اعتباره بوابة البحر الأبيض المتوسط أو مجموع الجدران والمعاقل والحصون التي جعلته مدينة محصنة ومنيعة يصعب الوصول إليها، بل إن الصخرة الأيقونة ذاتها كانت أمراً عجيباً سحرت الرحالة الذين مروا من هناك منذ آلاف السنين، كما أنها أساس النشاط السياحي لجبل طارق إلى اليوم. وتعتبر هذه الكتلة الصخرية بين جنوب أوروبا وشمال أفريقيا بحد ذاتها معقل الحضارات القديمة ومهد التاريخ.

مشاركة :