إعداد: محمد هاني عطوي يُعرف أن جبلاً جليدياً تسبب في غرق عملاقة البحار السفينة «تيتانيك»، ولكن هل يوجد سبب آخر ساهم أو تواطأ مع ذلك الجبل، وبقي في الظل لأكثر من قرن من الزمان؟.في 14 إبريل/نيسان 1912 غرقت السفينة الأكثر شهرة في التاريخ البحري «تيتانيك» في شمال المحيط الأطلسي، بعد أن اصطدمت بجبل جليدي ضخم. ولا شك أن عدم وجود عدد كاف من قوارب النجاة وسرعة غرقها آنذاك أسهما في وقوع خسائر بشرية فادحة؛ حيث مات أكثر من 1500 شخص.وبعد الإعلان عن الكارثة أصيب العالم كله بالذهول؛ إذ لم يتخيل أحد غرقها، ولا لماذا وقعت هذه المأساة الرهيبة، وكيف يمكن لهذه السفينة العملاقة البالغ طولها 269 متراً وارتفاعها 53 متراً أن تغرق في أقل من ثلاث ساعات؟، وما طبيعة الظروف التي تضافرت مع الجبل الجليدي الكبير، الذي لا يزيد على كتلة من المياه المجمدة كي تؤدي إلى اختراق ذلك الهيكل الفولاذي البالغ سمكه 2.5 سم؟. في الواقع، هذا الشك ازداد مع الزمن خلال القرن العشرين، وظهرت سلسلة من الافتراضات بعضها لا يخلو من الغرابة، وبعضها الآخر كان أكثر مصداقية لشرح الأسباب الحقيقية لغرق «تيتانيك». أحدث هذه الافتراضات صادرة عن الصحفي الإيرلندي سينان مولوني المفتون بمأساة السفينة، ويميل إلى الاعتقاد بأنه كان من الممكن تجنب ذلك الغرق لو لم يكن بدن عملاقة البحر قد ضعف جرّاء حريق مسبق. هذه الأطروحة عرضت مؤخراً خلال بث لوثائقي في التلفزيون البريطاني عنوانه (تيتانيك: الأدلة الجديدة ). ولكن ما الوقائع التي استند عليها مولوني بالضبط، كي يعرض فرضيته؟.نعيد فيلم الأحداث حتى عام 2012، أي إلى بداية التحقيقات. فقد جلب له صديقه ستيف رافيلد ألبوم صور اشتراه من أحد المزادات، وتظهر الصور بشكل موثق ليس فقط بناء السفينة تيتانيك، ولكن أيضاً انطلاقها من بلفاست (بأيرلندا الشمالية). ويقول ستيف رافيلد: «أدهشتني علامة غريبة جداً ظهرت على جسم السفينة، واعتقدت في البداية أنها بسبب انعكاس الماء، ولكن ظهر في الصورة التالية، نفس الأثر بشكل واضح، ويمكننا أن نشاهد بقعة سوداء بيضاوية الشكل، يبلغ طولها 12 متراً. وبما أن مولوني كتب العديد من الكتب عن تيتانيك، فهو يعرف السفينة بكل تفاصيلها الداخلية والخارجية؛ ولذا بدت هذه العلامة بالنسبة له مشبوهة للغاية فهي مثلاً لا توجد على مقربة من المكان الذي تمزق فيه جسم السفينة بفعل الاصطدام بالجبل الجليدي، فهل يوجد سبب آخر لتلك العلامة؟».على الفور عادت إلى ذهن مولوني شهادات للذين أوقدوا النار وكانوا من الناجين من الغرق، فهؤلاء الرجال الذين كانوا يغذون مراجل السفينة بالوقود ذكروا للمحققين أن تيتانيك تعرضت لحريقين، الأول وقع في قبو الفحم يوم انطلاقها من أيرلندا في 2 إبريل/نيسان 1912، ولم تتم السيطرة عليه إلا بعد ثمانية أيام؛ وذلك خلال توقفها في ساوثمبتون (جنوب إنجلترا). وشب حريق ثان في قبو آخر، واستمر لمدة خمسة أيام، حتى غرق السفينة، ولكن كيف أمكن ترك ذلك الوقود من الفحم يحترق كل هذا الوقت، والسفينة تتحرك بكل قوتها؟، الحقيقة أن الذين يوقدون النار لم يتسببوا بأي إهمال حقيقي من جانبهم فكل شيء كان يرتبط بطبيعة تلك النيران. ويبدو أن أصل الكارثة يعود إلى تفاعل كيميائي فالفحم يتفاعل بشكل طبيعي مع الأوكسجين الموجود في الهواء، الأمر الذي يتسبب في توليد الحرارة. وفي العادة عندما نكون أمام كومة صغيرة من الفحم، لا شيء يبدو خطراً فالحرارة تتبدد بسرعة إلا أنه في تكدس كبير لا يمكن للحرارة أن تتبدد؛ بل تتجمع وحينها يبدأ الفحم بالاحتراق؛ ولكن من دون لهب مشتعل. هذه هي «النار المدفونة»، التي تشتعل ببطء شديد، وبما أنها تنطلق من قاعدة الكومة، فإنها تقضي في بعض الأحيان عدة أيام قبل ظهور الدخان منها واكتشاف البحارة للنيران في نهاية المطاف، وفي حالة تيتانيك، ولحسن الحظ تم رصدها مباشرة بعد الانطلاق من ساوثمبتون، إلا أن الذين كانوا يوقدون النار لم يهتموا بها؛ لأنهم يعلمون أن هذا النوع من «النار المدفونة» كثيراً ما يحدث في القبو أو المخابئ، وبما أنه لم يكن من الممكن إِطْفَاؤهَا تحت عدة أطنان من الفحم، فإنهم اكتفوا بتجريف الوقود خلال فترة الرحلة لتزويد المراجل، وعندما وصلوا قريباً من النار المدفونة بدأوا في التضييق عليها وتحويطها. ووفقاً لمولوني فإن تلك الحرائق المتتالية هي التي ربما تكون قد أضعفت بدن سفينة التيتانيك. أحد الذين كانوا يوقدون النيران، قال إن جدار قبو الفحم كان قد سخن حتى الاحمرار. وبناء على هذه الشهادة، طلب الصحفي غييرمو رين، من مهندس يعمل في امبريال كوليدج في لندن، حساب درجة الحرارة التي استطاعت الوصول إلى الفرن. ومن خلال المحاكاة الحاسوبية، وجد المهندس أن الحرارة كان لا بد أن تتجاوز 1000 درجة مئوية، ما سبب ضرراً بالغاً في بدن السفينة، وعمل على تشويه المعدن، وإحداث شقوق صغيرة في الصلب. ويقول سترانوود مارتن، المتخصص في علم المعادن في جامعة برمنجهام أن هيكل السفينة فقد 75٪ من مقاومته للصدمات، وهو ما تسبب في إحداث التمزقات الكبيرة جرّاء التصادم مع حواف الجبل الجليدي.الحقيقة أنه عند مشاهدة الفيلم الوثائقي الذي وضعه مونولي نجد أن فرضيته تبدو معقولة، ولهذا السبب انبرى لها ستة من المؤرخين المتخصصين في تيتانيك. ويقول المؤرخ بول لي: «قد يبدو غريباً أن أحداً لم يركز من قبل على مثل هذه التفاصيل الصغيرة.. لكنه يعد دليلاً على أنه بعد قرن من غرق تيتانيك، لم تزل تلك الكارثة الرهيبة تفتن الناس ونحن نراهن على أنها سوف تسيل المزيد من الأقلام».أربع فرضيات حول الغرقالأولى: في الجزء الأمامي من السفينة كانت لوحات الصلب معلقة بمسامير من الحديد من نوعية رديئة، ولذا فإنها بدلاً من أن تقاوم الصدمة خرجت من أماكنها وساهمت في حدوث فتحات في بدن تيتانيك، والإسراع في غرقها. في العام 2008، حلل باحثان في علم المعادن تلك المسامير بعد أن جمعاها من حطام السفينة، وخلصا إلى نتيجة مضمونها أن هناك بالفعل في تركيبتها المعدنية، العديد من الشوائب التي جعلتها أكثر هشاشة وقابلة للكسر.وأشار أخصائيون إلى أن هذه المسامير، بعد أن بقيت مغمورة ما يقرب من القرن في مياه البحر على عمق يزيد على 3800 متر، تعرضت بالضرورة لتعديلات كيميائية. ولذا فإنه من الصعب تقييم قوتها الأصلية من خلال العينات المستخرجة من الحطام.الثانية: الشركة المالكة للسفينة (وايت ستار لاين) صبغت النسخة المشابهة (أولمبيك) التي تضررت جراء حادث في أواخر العام 1911 كي تتشابه معها. ثم طلبت (وايت ستار لاين) من قائد أولمبيك أن يصطدم بالجبل الجليدي لاسترجاع التأمين من تيتانيك الذي يعتبر أكثر أهمية. وبالطبع كان من المخطط وجود قوارب للاإنقاذ ولكن العملية لم تسر وفق الخطة المرسومة.وهذه النظرية طرحت بواسطة روبن جاردينر في كتبه: مؤامرة تيتانيك (1996) والسفينة التي لم تغرق أبداً (1998). ووفقاً له، فإن عمليات إصلاح أولمبيك كلفت الكثير، وفضلت شركة النقل البحري التخلص منها بتنظيم عملية الاحتيال ضد شركة التأمين.ويرى الأخصائيون أن ذلك يبدو أمراً غير مرجح، ويقول المؤرخ مارك تشيرنسيدي: «إغراق سفينة لاسترداد أموال التأمين لا معنى له، إلا إذا كان مبلغ التأمين يغطي القيمة الخاصة بالسفينة. وهذا لم يكن الحال لأن تيتانيك كانت غير مغطاة بالتأمين، حيث إنه يفترض أنها غير قابلة للغرق.الثالثة: أصيبت السفينة بلعنة مومياء أميرة مصرية اشتراها عالم آثار أمريكي وحملها معه على متن تيتانيك. ويبدو أن هذه المومياء كانت معروفة بلعنتها لأنها تسببت بوفاة كل أولئك الذين قاموا بحملها ونقلها، وبالتالي فإنها تسببت بغرق السفينة. وقصة لعنة المومياء هي اختلاق محض من قبل الصحفي ويليام ستيد، الذي اخترع هذه القصة في العام 1912 كمقال لمجلة. وأثناء رحلة تيتانيك، رواها للركاب، ولكن المؤسف أنه لقي حتفه في الكارثة لأنه كان على متن السفينة خلال الرحلة. بعد ذلك اختلطت هذه القصة مع شهادات ناجين قاموا بروايتها كما سمعوها.ويرى الأخصائيون أنه لم تذكر هذه المومياء ولا مرة في حمولة السفينة، لسبب وجيه هو أنها لم تترك المتحف البريطاني في لندن.الرابعة: غرقت السفينة بفعل طوربيد انطلق من غواصة ألمانية. وقال بعض الناجين على تيتانيك إنهم سمعوا انفجارات حين غرقها، في حين اعتقد آخرون أنهم شاهدوا سفناً في مكان قريب. ولا شك في أنها كانت غواصات ألمانية، حسبما أعلن في العام 2002 خلال برنامج تلفزيوني بعنوان "لقاءات مع أمور غير مبررة"، وهو برنامج مثير وغير علمي. ويرى أخصائيون أن الشعور بانفجار الطوربيد كان ينبغي أن يشعر به جميع الركاب، وهذا لم يكن هو الحال. فضلاً عن ذلك أن تيتانيك انشطرت إلى نصفين ما تسبب بأصوات مخيفة وتحت ضغط الماء، فإن المساحات الجوفاء في السفينة كغرف الاستقبال انفجرت بشكل يصم الآذان. فوق ذلك كله، لماذا أرادت غواصة ألمانية أن تستمتع بنسف سفينة بريطانية، في حين أن البلدين لم يكونا في العام 1912 في حالة حرب؟
مشاركة :