تحقيق: فدوى إبراهيمحينما تنفي الإحصاءات الثوابت القطعية للفكر السائد، فهنالك إشكالية، مضمونها أن هناك فهماً خاطئاً لدى الغالبية من جموع الناس، وهو ما حدث بالفعل تجاه قيادة المرأة للسيارة داخل مجتمعاتنا.الشائع أن المرأة هي الأضعف، وتسبب ارتباكاً على الطرق، والأكثر مخالفة للقواعد المرورية، رغم كونها قانونياً اجتازت الاختبارات التي تؤهلها للحصول على رخصة. لا يدعم ما يشاع حول المرأة في هذا الشأن أي تصريحات؛ بل تكشف مؤشرات وزارة الداخلية دائماً أن المرأة أكثر التزاماً بقوانين المرور، وأقل ارتكاباً للحوادث المأساوية، وهو ما نناقشه في التحقيق التالي.ذكر اللواء محمد سيف الزفين رئيس مجلس المرور الاتحادي، مؤخراً عن نسبة تقريبية مضمونها أن ما لا يقل عن 80% من النساء ملتزمات بالقيادة الآمنة. وتعتمد هذه النسبة على ملاحظته من الإحصاءات والبيانات المدونة للمخالفات المرورية، منوهاً إلى أن هناك عدداً من حالات القيادة المتهورة لنساء لم يكن لديهن أي مبرر حقيقي سوى أنهن أسأن استخدام الطريق واستعرضن قدراتهن ومخالفتهن المتعمدة ولكنها حالات استثنائية. ويشير إلى أن مسؤولية المرأة كأم أو طبيعتها التي لا تقودها إلى التهور أو مخالفة القانون تجعلها أقل من الرجل تسبباً بالحوادث والمخالفات.أحكام مسبقةحسب إحصاءات الإدارة العامة للمرور في شرطة دبي، خلال العام الماضي، فإن الذكور جاؤوا في مقدمة متسببي الحوادث المرورية القاتلة بنسبة 89.77% ب1299حادثاً أودت بحياة 186 شخصاً، مقابل 126 حادثاً تسببت فيها نساء بنسبة 9% توفي نتيجتها ثمانية أشخاص.وترفض المرأة عموماً نعتها بالسائقة الجاهلة لقوانين المرور أو المتسببة بعرقلة حركة السير والحوادث؛ بل تغيظها تلك الفكرة الذكورية التي لا ترى أنها حقيقة، ويروج لها عدد كبير من الرجال لا يحبذون أن تنافسهم امرأة في الشارع، ولا في أي مكان آخر. هذا ما يؤكده عدد من النساء السائقات، اللاتي ينوهن إلى أن سوء استخدام الطريق وعرقلة السير والحوادث يتسبب بها الشخص الذي لا يأبه بقوانين المرور، سواء كان رجلاً أو امرأة، فلا فرق بينهما، وهذا ما نشهده يومياً على الطرقات، فلم نر يوماً أن المتسببات أو المتضررات من النساء فقط أو الرجال فقط. وتقول سلوى عبيد وهي تقود سيارة منذ 6 سنوات: المرأة كالرجل، حين تحصل على الرخصة وتبدأ القيادة في الشارع، تكتسب الخبرة من السير وسط أمزجة وعقول مختلفة لا تشبه ما مرت به أثناء التدريب؛ لذلك تواجه الكثير من الصعوبات، فمنهم من يزاحمها، ومنهم من يخالف القواعد العامة، ما يجعلها ترتبك، وهو ما ينطبق على الرجال من السائقين، إلا أن نظرتهم لارتباك المرأة مختلفة.وهو ما تشير إليه عبيد مضيفة: «حين ينظر الرجل لنظيره الرجل السائق المخالف للمرور سيبرر سلوكه بالشرود الذهني، بينما سينظر للمرأة على أنها لا تعرف القيادة وهي أقل في نظره من أن تقود مركبة، وهذا ما يسود أحاديث الرجال، ما جعل هذه الفكرة تشيع دائماً».ويرى منذر علوي، موظف ويقود منذ 10 سنوات، أن الحكم المسبق على قيادة المرأة هو الذي خلق فكرة مضمونها عدم قدرتها على القيادة بشكل سليم، وهو ما استقر في أذهان الكثير من الرجال بلا حجة. ويقول: «الحوادث يتسبب بها الرجال والنساء على السواء، ويعود ذلك لأخطاء فردية لا أكثر، ولكن نفسياً حكم عدد كبير من الرجال على قيادة المرأة بالسلبية، ولعل جرأة الرجل الزائدة التي تتحول إلى تهور تجعله المتسبب الأول في الحوادث، على عكس المرأة التي تتعامل بهدوء وتعقل أكثر أثناء قيادتها، لكنّ خطأً واحداً منها يجعلها في الواجهة ويعزز من فكرة الرجال عنها التي تبنوها في الأصل».تضخيم وتهويلتقول عبير عيسى «طالبة جامعية»: «منذ أن حصلت على الرخصة وأرى أن نظرة الرجل للمرأة التي تقود سيارة متعالية، إلا أن هذا لا ينطبق على جميع الرجال، فقط من هم غير قادرين على تقبل وجودها في مختلف قطاعات الحياة والعمل وينبذون استقلاليتها، وأولئك هم الذين يراقبون بدقة قيادتها ويتمسكون بأقل الأخطاء ويضخمونها ويبررون الفعل بأن قائد المركبة امرأة، بينما نشهد كل يوم حوادث جمة وخطرة وحالات تهور في السرعات، وغالبية مرتكبيها من الرجال، الذين ينعتوهم بالطائشين ولا يصفون جنسهم، وهذا هو مكمن المشكلة».وتشير ميرة العلي طالبة جامعية، إلى أنه بالرغم من النظرة السائدة عن سوء قيادة المرأة، إلا أننا نجد الرجل حين ينصح أو يرغب بشراء سيارة مستعملة، يفضل تلك التي استخدمتها امرأة، كونه على يقين بأنها الأقل تضرراً بسبب الحوادث والأقل أعطالاً بسبب حفاظ سائقتها عليها وعلى صيانتها الدورية لدى المختصين، وهو، في رأيها، ما يثبت أن المرأة هي الأكثر حرصاً على الطريق.وتلفت العلي إلى أن تضخيم أي فعل خاطئ تقوم به المرأة السائقة هو ما يعزز فكرة الرجال، ولكن الأصل هو أن الكل معرض لأن يكون متسبباً أو متضرراً بالحوادث المرورية.مسؤولية وحرصيؤكد الطالب عاصم محمدي، أن الرجال الذين لم يقتنعوا بعد بأن المرأة نصف المجتمع، وأنها بقيادتها تتحمل جزءاً كبيراً من مسؤوليات الأسرة والمنزل، هم الذين تتركز أفكارهم في كونها المتسببة دائماً بالحوادث. ويضيف:«رغم أنني قدت السيارة في بلادي قبل أن آتي إلى الدولة ولم أحصل على رخصة هنا، إلا أنني أرى أن قوانين المرور بالإمارات تحتم على الجميع الالتزام، ومن يخالف يلاقي الردع أياً كان جنسه وجنسيته؛ ولأن المرأة تحرص على أن تكون في الخط السليم والقانوني ولا تحب التعرض للمساءلة، نجدها أكثر التزاماً بالقوانين».غرور وتكبر وتفاخر لا مبرر له من قبل بعض الرجال، يجعلهم ينظرون إلى المرأة بدونية، هذا ما تراه عهود الهاشمي، موظفة.الهاشمي تقود مركبتها بتحكم منذ 9 سنوات، وتعترف بأن بدايتها كانت ضعيفة؛ بسبب عدم الخبرة، إلا أنها لم ترتكب أية مخالفة فادحة مثل كسر إشارة مرور حمراء، أو التسبب في دهس إنسان أو حيوان. وترى أن خبرتها اليوم تؤهلها لأن تتحدث عن حال النساء السائقات، وتقول: «لاحظت أن المرأة في بداية قيادتها تكون حذرة جداً وتوصف بالبطء في الشارع، وهو حرصاً منها على ألا تتسبب بحادث، ومع الوقت تجاري السائقين بكل تمكّن، أما الرجل فيبدأ قيادته بسرعة وتهور أحياناً، غير مبالٍ؛ حيث يعتقد أن حصوله على الرخصة يؤهله للقيام بأي شيء، وهذا سر الاختلاف الذي يجعل من المرأة محط أنظار الرجال الذين يعتقدون أن حرصها هو عدم تمكّن».
مشاركة :