مارست مريم حسين البوحسن " أم فلاح " قبل أكثر من سبعين عاماً دور الطبيبة حينما كانت الخدمات الصحية آنذاك محدودة جداً ،فكانت تنتقل في قريتها الشعبة في محافظة الاحساء في ساعات الليل الحالك بين الأزقة المظلمة وبيوت الطين لتسهر بجوار سيدة ساعة مخاضها التي قد تمتد حتى ينبلج نور الفجر أو تطلع الشمس حتى تضع مولودها لتجد يدي "أم فلاح " أول يد تحنو على ذلك الرضيع لترفع بصوتها الجهوري التهليل والتكبير فرحاً بأن سهل الله تعالى عليها ولادتها ،ولا تغادر منزل المرأة حتى تطمئن على سلامتها وصحة جنينها ! هكذا كانت طوال سبعة عقود كملائكة الرحمة تتطوع قربى لوجه الله الكريم ، ولا تبتغي إلا رضاه ،وكانت ترى في ذلك سعادة لا يعادلها شيء.. وهكذا رأت بعينها يوماً بعد آخر كيف أن سكان قريتها يتزايدون حتى بلغوا ثلاثون ألفاً أو يزيدون ،وكانت تنظر إليهم جميعاً كأبنائها. وكانت " أم فلاح " تمتلك سمات شخصية وجاذبية خاصة تتفرد عن بقية نساء قريتها ، فقد كانت البسمة وسعة الصدر والكرم رفقائها طوال عمرها الذي امتد زهاء القرن ،ما جعل شعبيتها تمتد طوال عمرها، ورغم شظف العيش الذي كانت تعيشه غالبية نساء القرى آنذاك فلم تجد أم فلاح في ذلك مانعاً في أن تعد الطبق لتوصله لامرأة هنا أو قريبة هناك ، ولم تخص في ذلك أقربائها فقد كانت ترى في سكان الشعبة برمتها إما شقيقاتها أو بناتها ، والحال ذاته في الرجال فهم إما إخوانها أو ابنائها ، وكان بيتها الصغير الذي يتوسط القرية أشبه بالحضن الدافئ الذي تحن إليه نساء القرية عصر كل يوم ،إلا أن هذا الحب الكبير الذي أغدقته على أهل قريتها وجدت آثاره يوم أول من أمس الأربعاء حينما أعلن عن وفاتها ،فقد بكاها كل أهل قريتها، وشارك حشدٌ كبير في تشييعها (رحمها الله ) وشعر كل من رفع النعش بأنه يحمل أمه ألماً وحزناً عليها. " أم فلاح " التي تعد واحدة من أكبر القابلات في الاحساء سارت في ذلك على نهج والدتها هيا محمد البوحسن التي ذاع صيتها لعقود سبقت ابنتها ،كما في قرية الشعبة قابلات متطوعات كثيرات ذاع صيتهن كآمنه المحسن ،والشقيقات الثلاث فاطمة بوسعود (أم زيد)، وسارة " أم صالح "،وحصة (أم حسين ) ،فكل هذه السيدات القابلات مارسن الطبابة تطوعاً وبعفوية وحب لخدمة نساء قريتهن.
مشاركة :