المشكلة التي ينبغي أن تحل بين الدولتين وبأفضل الشروط الممكنة، إذا أردنا عالماً بلا توتر، عالماً بلا ضجر، لا بد من صون السلام من الزعزعة وإيجاد حلول للمنازعات، عوضاً عن تبادل الاتهامات بين الأمتين الأميركية والروسية. فالاتهامات التي دفعت إلى إنشاء أداة سياسية تهدد السلطات الأميركية بانتهاك حصانة دبلوماسييها بشكل مباشر، من خلال عملية تفتيش لأغراض كثيرة، وهذا الخلاف سبب ارتباكاً وتذبذباً لا شك فيهما.بل إن الأمر تجاوز الارتباك والشك إلى اتهامات وأمثلة واقعية تم تحديدها من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) والقيام بمهام موكلة إليه وتفتيش لمقر القنصلية الروسية في سان فرانسيسكو ومكان سكن الدبلوماسيين الروس.إن تجييش الرغبات السياسية يجعل الواجبات مزعجة. وفضلاً عن ذلك تدعو للمبالغة في تجسيم المشكلات لكي تصبح الأمور أكثر نفوراً، ويبدأ التفكير في عودة الحرب الباردة من جديد بين البلدين، دون أن تقيم وزناً للمنطق الذي يحافظ على الأمم من الحروب.ولعلنا لم نكن نشعر بما يحدث في الوقت الحاضر لما يجري في أميركا من تطورات سياسية، وهذا الانشغال جدير بأن نبذل له من اهتمامنا قدراً أكبر، فقد تكون قضاياهم محررة من حساباتنا وتعني أن نفوذهم أكبر من مشاركاتنا. ولكن تتشابه الأزمات السياسية في جميع أنحاء العالم ومردودها السلبي على العلاقات الدولية والمصالح الاقتصادية، فقد ذكرت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها: «إن قرار إغلاق القنصلية والمجمعين الدبلوماسيين اتخذا عملاً بمبدأ (المعاملة بالمثل)».لا شك أن كبح جماح القوى الاقتصادية والسياسية قيد التحفيز وليسا من الأمور التي يرغب فيها العقل الأميركي، فالمشكلة هي الإبقاء على المناورات السياسية وما انطوت عليه، ولكن بطبيعة الحال الحلول الدبلوماسية تنظم علاقاتها في أوقات كثيرة، والهدف من الإجراء الأميركي يأتي رداً على قرار خفض عدد الدبلوماسيين الأميركيين والموظفين الروس في البعثات الأميركية في روسيا بـ755 شخصاً، بأمر من الرئيس فلاديمير بوتين رداً على عقوبات اقتصادية جديدة فرضتها واشنطن من جراء تدخل روسيا في انتخابات 2016.على إثر ذلك تم إغلاق القنصلية الروسية في سان فرانسيسكو وفي واشنطن ونيويورك التي تضم بعثات تجارية روسية، وتعتبر أحدث خطوة قامت بها إدارة الرئيس دونالد ترمب في إجراءات انتقامية متبادلة بين الدولتين توقف أنواع النمو وتحبط الأغراض السلمية.فتصبح البواعث غير مطمئنة كونها حسمت الدبلوماسية بالحرب، وقد يكون من الصعب التحالف مع القوتين في العالم والمشاركة في تكوين وسائل لحسم المنازعات الدولية بطرق سلمية، إذ إن المسألة لا تقتصر على دولتين عظميين اختلفتا فقط، بل سيقسم الخلاف العالم إلى قسمين والدول الكبرى باستطاعتها أن تفرض ما تريد.فالقوات الروسية تسيطر في جانب آخر من العالم سيطرة كاملة، كمثال على الأجواء السورية، والقوات الأميركية لها نفس النزعة، وطالما أن السلطة في البلدين تحكم بالقانون، نرجو تطبيقه بما يتلاءم وميزان القوتين ومصلحة بقية دول العالم قدر المستطاع، ولن تكون الحرب نظاماً يصلح البشر والسياسة في كل الأحوال.لنترك المستجدات، ونعود إلى الخلف قليلاً، إلى العام الماضي ونذكر بعض الخلافات الكبيرة بعد فشل تسوية الأزمة السورية إلى اندلاع أكثر النزاعات حدة بين الولايات المتحدة وروسيا منذ الحرب الباردة. وقد ساعد ذلك على تدهور العلاقات بين البلدين، ومنذ ذلك التاريخ كانت النتائج استعداداً تاماً لتجاهل العواقب.في جميع الحالات تلعب المنازعات دوراً أكبر من الرغبات في السلام كمصدر لنشاط الدولتين السياسي، ولكن هي الظروف التي تجعل الكبار أعداءً، طمعاً في تنافس حاد يستهدف هيمنة أميركية على العالم، وظهور روسي يعمل على استعادة النفوذ القديم على الساحة الدولية، في هذه الحالة، وهذه المرحلة الجديدة، لا نعلم إلى من نميل؟
مشاركة :