مرة أخرى يطل علينا الإرهاب برأسه، ويؤكد وجوده ضد كل القوى التي تحاول القضاء عليه. وكأن حال لسان الإرهاب أنه باق ويتمدد ويعمل على قتل الإنسان دون هوادة. ويأتي هذا الحادث بالقرب من قصر باكينجهام في قلب العاصمة البريطانية لندن. يأتي شخص يحاول ارتكاب عمل إرهابي، ويعتبر ذلك له أجراً عند الله. يطعن هذا الشخص المولود في بريطانيا ويبلغ من العمر 26 عاماً رجلي شرطة، ويتم القبض عليه ويحاكم بتهمة محاولة القيام بعمل إرهابي. وكان في الأصل يريد أن يذهب إلى قصر وينسور ووصل بالخطأ إلى قصر باكينجهام. كيف يعقل أي فرد أن قتل شخص آخر يقربه من الله؟ أدعو القارئ أن يتأمل في الرسالة التي تركها الإرهابي لأخته قبل أن يبدأ بتنفيذ جريمته. قال «إلى أختي العزيزة، عندما تقرئي هذه الرسالة، أكون عند الله. لا تبكي وكوني قوية. يأخذ الشهيد معه 70 من عائلته إلى الله في الجنة. سآخذك إلى هناك إن شاء الله». وأضاف «أخبري الجميع بأنني أحبهم ويجب أن يجاهدوا ضد أعداء الله. ستذهب الملكة وجنودها إلى الجحيم. فهم يحاربون المسلمين حول العالم، فاقتلوهم بدون رحمة». يسلط المقال الضوء على بعض الملاحظات من وحي الحدث الإرهابي ورسالة هذا الإرهابي. تتمثل الملاحظة الأولى في تفشي المتطرفين والإرهابيين في بريطانيا بصورة خاصة وأوروبا بصورة عامة. لقد آوت بريطانيا بعض المتطرفين تحت دعاوى حقوق الإنسان ولأسباب سياسية، وها هي تدفع الثمن. يضاف إلى ذلك أن سياسات بريطانيا في التعامل مع المتطرفين تتسم بالسذاجة والضعف والحلول غير الشاملة. فقد أصبحت بريطانيا مؤخراً هدفاً للعمليات الإرهابية في مانشستر وجسر لندن وجسر ويستمنستر، ناهيك عن إحباط العديد من المؤامرات لارتكاب أعمال إرهابية حسب تصريحات المسؤولين بأجهزة مكافحة الإرهاب في بريطانيا. هناك كراهية في أوساط فئة من المسلمين ضد المجتمع البريطاني ويجب مواجهة ذلك بصراحة وصرامة كما ذكرت رئيس الوزراء البريطانية تيريزا ماي عندما أكدت أنه يجب فتح نقاشات قد لا تكون مريحة من أجل مواجهة العمليات الإرهابية التي يقوم بها بعض المتطرفين. تدور الملاحظة الثانية حول الفكر الديني المتطرف الذي بدون القضاء عليه ومحاربته لن يتم القضاء على الإرهاب من قبل المتطرفين. إن فكر هذا الإرهابي وغيره من المتطرفين مشبع بقتل الآخر والإيمان اليقيني بالمكافأة في الجنة. إن هذا الفكر مستشرٍ بين فئة ليست بقليلة من المتطرفين الذين يعيشون في أوروبا، وهناك دعاة ووعاظ الكراهية والقتل. يجب تجفيف منابع تلك الأفكار إذا أردنا التعامل الحقيقي والعملي والواقعي مع تلك الظاهرة الخطيرة التي ستظل هاجسا لدى الساسة والشعوب في كل مكان في الأمد المنظور. أما الملاحظة الثالثة فتركز على أهمية قيام الإعلام بتعرية الوجه القبيح للإنسان من خلال التشديد على توعية الناس بمظاهر وأعراض التطرف قبل أن تتحول إلى إرهاب. إن الإعلام ولا سيما وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً خطيراً، ولا سيما بين الشباب الذي يقوم بتلك العمليات. تشير الملاحظة الرابعة إلى ضرورة مراجعة المناهج التعليمية ودور المساجد في التعامل مع تلك الفئة التي تقوم بالقتل انتقاماً للمسلمين قي أماكن أخرى كما يدعي هؤلاء. يجب تنقية الكتب، ويفعل دور المساجد لاحتضان هؤلاء الشباب وحمايتهم من الانزلاق لتيار التطرف والإرهاب. أختتم بملاحظة خامسة وأخيرة تؤكد على أن قتل الأبرياء لا يرضى عنه الله ولن يحل مشكلات المسلمين في العالم. قد تكون هناك مظالم مشروعة، ولكن الاستخدام الشرعي للقوة منوط فقط بالدول وليس الأفراد. يضاف إلى ذلك أن المواجهة الحقيقية للمظالم تركز على العلم والتقدم وليس القتل والدمار. إن أهم سلاح لمواجهة المظالم تكون بالتقدم التكنولوجي وليس بأحداث قتل فردية أو جماعية لن تجدي شيئاً إذا نظرنا إلى الصورة الكلية. إن المنطق يقول إن تلك الأعمال تسيء إلى الإسلام والمسلمين والعالم الإسلامي أكثر مما تفيده. في النهاية أتمنى ألا أكتب مرة أخرى عن هذا الموضوع، ولكن التفكير بالقتل والقتل نفسه يشكلان شيئاً يؤرقني ومهموم به، وآمل يوماً أن ينتهي وللأسف لن يحدث ذلك قريباً. ولكن على الأقل أحلم أن تخف وتيرته وضحاياه. * كاتب مصري
مشاركة :