بين حين وآخر ومنذ «ثمانينيات القرن الماضي» تطرح فكرة «خدمة العلم أو التجنيد الإجباري»، يزداد الحماس في طرحها باضطراب واقع منطقتنا، وكان من يثير هذه الفكرة بالمجتمع «المؤمنون» بأن الفرد لا قيمة مستقلة له، وأنه عدد أو رقم ليس إلا، وبالتالي لا مانع من سلبه حرية الخيار لمصلحة الجماعة. في ما بعد بدأ بعض من يدافعون عن الحريات الفردية الذين اصطلح على تسميتهم «الليبراليين أو الاصطلاحيين» مجازا، يعزفون على فكرة «التجنيد الإجباري» بحجة أنه أفضل من «حافز»، فبدل أن يعطى خريج الجامعة الذي لم تخلق له المؤسسات «فرص عمل»، الأفضل أن تتم عسكرته وتعليمه استعمال السلاح لفترة، قبل أن يترك عاطلا عن العمل في المجتمع، ليواجه مصيره ويواجه المجتمع عاطلا عن العمل يجيد استعمال كل الأسلحة. وفكرة «التجنيد الإجباري» ليست وليدة العصر الحديث، فأول مرة تمت «عسكرة المجتمع» كانت قبل الميلاد تقريبا، فاليونان القديمة وروما بدأت هذا، ثم اختفت بعد ذلك طوال قرون عدة، «حتى الحضارة الإسلامية» لم تلجأ للتجنيد الإجباري، في ما بعد عادت من جديد في القرن «الـ16م» في سويسرا، تبعتها السويد بعد قرن، قبل أن يأتي مهووس الحرب «نابليون» ليفرضها في فرنسا، وهتلر الذي لم يترك حتى أطفال ألمانيا، فإنجلترا وأمريكا وغالبية دول العالم، بعد ذلك بدأت الغالبية تتراجع عن فكرة «عسكرة المجتمع» بسبب نشوء الحريات الفردية التي هي ضد طغيان المجتمع على الفرد وإجباره، كذلك الاقتصاد فرض هذا، فوجدوا أن فتح فرص عمل جديدة في السلك العسكري أقل تكلفة ماديا، وتحقق عملا دائما للأفراد بدلا من عمل مؤقت لتدريب الأفراد على استعمال الأسلحة ثم تركهم عاطلين عن العمل. خلاصة القول: إن فكرة «التجنيد الإجباري أو عسكرة المجتمع» التي يعزف عليها بين حين وآخر، تم اختبارها منذ القدم، وثبت أنها مضرة لأمن المجتمع ولاقتصاده، وأن فكرة فتح فرص عمل في السلك العسكري جديدة، أفضل للمجتمع اقتصاديا وأمنيا. والأهم من كل هذا ما يسمى «بالحرية الفردية» التي من المفترض أن يتم توسيعها للجيل الجديد، لا أن تسلب حرية الفرد خصوصا أن «الإبداع» مرتبط ارتباطا طرديا بحرية الفرد، فكلما ضيقت الحريات خنقت الإبداع.
مشاركة :