واشنطن – حنين غدار** أصر «حزب الله» على ربط نفسه بهجوم الجيش اللبناني على داعش، رغم أنه كان موجوداً فقط على الجزء السوري من الحدود. عندما أعلن زعيم «حزب الله» حسن نصر الله، يوم الاثنين قبل الماضي، «اليوم الثاني للتحرير»، بيّن جزءٌ من خطابه محاولته اليائسة لإثبات شرعية هذا الحزب ومصداقيته. وكان التحرير الأول في عام 2000 عندما حرر «حزب الله» جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي وحظي بدعم العديد من الناس والبلدان في المنطقة. ولكن الأوضاع تدهورت منذ ذلك الحين وفقد «حزب الله» اليوم معظم شرعيته التي حظي بها قبل سبعة عشر عاماً، ويرجع ذلك أساساً إلى مشاركته في صراعٍ طائفي طويل الأمد امتد إلى جميع أنحاء المنطقة. وبدا إعلان نصر الله عن «التحرير الثاني» – الذي يشير إلى انتصار لبنان مؤخراً على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) – كأنه شوقٌ لتلك الأيام، عندما كان يُنظر إلى «حزب الله» على أنه بطل العالم العربي. واليوم، فإن الهتاف في لبنان موجّهٌ إلى الجيش اللبناني الذي فاز في المعركة دون أي مساعدة وأثبت للّبنانيين والمجتمع الدولي أنه يستطيع أن يكون الحامي الشرعي للبنان وأنه ليس ضعيفاً كما يصوّره «حزب الله» غالباً. ويعتبر رد فعل «حزب الله» على هذا الانتصار واضحا جداً. فمنذ اليوم الأول من المعركة، أصر الحزب على ربط نفسه بهجوم الجيش اللبناني على داعش، على الرغم من أنه كان واضحاً أن «حزب الله» كان موجوداً فقط على الجزء السوري من الحدود. كما أبرم اتفاقاً مع داعش ونفذه بمفرده دون التنسيق مع الجيش اللبناني. وكجزءٍ من الاتفاق، وافق لبنان على نقل المئات من مقاتلي داعش من الحدود اللبنانية السورية إلى معقلهم في دير الزور، شرقي سوريا، مقابل جثث ثمانية من أصل تسعة جنود لبنانيين اختطفهم تنظيم داعش في 2014 وقتلهم. وتظهر هذه المحاولات أن «حزب الله» يتطلع لتحقيق أيِّ انتصار ولن يسمح للدولة اللبنانية بأن يكون لها أي فضلٍ فيه. ولكن الأهم من ذلك هو إظهار أن «حزب الله» سيبذل كل ما في وسعه لتحقيق أهدافه في لبنان وسوريا دون مراعاة سيادة لبنان.الانتصارات والإنجازات ظاهرياً، يبدو هذا غريبا لأن «حزب الله» يظهر وكأنه قد فاز بالمعركة في لبنان والمنطقة ولا يحتاج إلى أخذ فضل انتصار الجيش. وقد تمكن من إنقاذ نظام الأسد في الوقت الحالي وتوسيع نفوذه في المنطقة وزيادة ترسانة أسلحته من 33 ألف صاروخ قبل حرب 2006 إلى ما يقدر بنحو 150 ألف صاروخ اليوم. وبالإضافة إلى ذلك، قام الحزب بتجنيد المزيد من المقاتلين بسبب الحرب الطويلة في سوريا ودوره المتغير في الصراع. وتشير التقديرات إلى أن أعداد مقاتليه قد ازدادت من بضعة آلافٍ في عام 2006 إلى ما يقدر بأكثر من 20 ألف عضو في الوقت الراهن. كما وفرت الحرب في سوريا لهؤلاء المقاتلين تجربة قتالية مهمة ومعرفة بالتخطيط العسكري الروسي. ويتلقى المقاتلون اليوم أسلحة أفضل من إيران. وهناك تقارير تفيد بأن لدى الحزب الآن مصانع أسلحة خاصة به في لبنان وسوريا واليمن، حيث يمكنهم صنع أسلحتهم الخاصة. لقد تمكن «حزب الله» وإيران – بمساعدة جميع الميليشيات الشيعية في العراق وباكستان وأفغانستان، وروسيا بالطبع – من وقف توسع الجيش السوري الحر. كما تمكن من تغيير أولويات المجتمع الدولي للتركيز على التطرف السني مثل داعش و«القاعدة»، وترك الميليشيات المتطرفة الشيعية حرة في التنقل بين العراق وسوريا ولبنان واليمن. واستطاع الحزب تحقيق هدفه؛ إذ قام فيلق القدس بالضغط على كل شيعيٍّ على استعدادٍ للقتال من جميع أنحاء العالم. ولا يبدو أنهم راحلون أو أن أيَّ شخصٍ يحاول وقفهم. ولكن يجب أن لا ننسى أن المعركة لم تنته وأن النصر مؤقت. ولا يزال «حزب الله» والميليشيات الشيعية الإيرانية يواجهون تحدياتٍ، وسيواجهون المزيد من هذه التحديات مع مرور الوقت.الخسائر والتحديات على الرغم من كل الإنجازات والانتصارت المذكورة أعلاه، فقد خسر «حزب الله» وإيران الكثير. ولا يمكن تعويض الكثير من خسائرهم في أي وقتٍ قريب. على سبيل المثال، فقد «حزب الله» بعض كبار مسؤوليه في سوريا. وتم تدريب العديد منهم لسنواتٍ وقاتلوا في الكثير من حروب الحزب ضد إسرائيل. وعوّض «حزب الله» ذلك عن طريق تجنيد المزيد من المقاتلين، ولكن الكثيرين منهم من فئة الشباب غير المدربين. والكثيرين منهم أيضا غير منضبطين إذ إن عملية التجنيد – التي كانت طويلةً جداً ودقيقة من قبل – قد اختُصِرت وتزود الحزب بمقاتلين لا يتناسبون مع معاييره المعتادة. كما أن تمويل إيران لـ«حزب الله» والميليشيات الشيعية الأخرى يركز الآن على الجزء العسكري، مما يعني أن معظم شبكات الخدمات الاجتماعية للحزب اضطرت إلى خفض الخدمات بسبب نقص التمويل. واليوم، لا يستفيد من هذه الخدمات سوى مقاتلي «حزب الله» وأسرهم، مما يستبعد العديد من موظفي «حزب الله» وأعضائه ومؤيديه. وقد أدى هذا، بالإضافة إلى ما استنزفته الحرب السورية الطويلة، إلى زيادة مستوى السخط بين أبناء الطائفة الشيعية في لبنان، الذين سئموا الموت والحروب في حين تسوء معيشتهم يوماً بعد يوم. وتشير بعض التقارير إلى أن «حزب الله» وجد صعوبة كبيرة في دفع تعويضات أسر المقاتلين الذين قتلوا أو جرحوا في سوريا. كما تكبد «حزب الله» خسائر مالية من العقوبات المفروضة عليه وزيادة النفقات العسكرية. كما ربطت عدة حكومات «حزب الله» بشبكات الاتجار بالمخدرات وغسل الأموال، مما أدى إلى فرض عقوبات تحد من موارد «حزب الله» المالية في الخارج. وفي 2016، بدأت البنوك اللبنانية في الامتثال لقانون أميركي يستهدف موارد «حزب الله»، وأغلقت مئات الحسابات المرتبطة بـ«حزب الله»، ومن المتوقع أن موجة أخرى من العقوبات الأميركية سوف تضرب «حزب الله» في وقت لاحق من هذا العام. وارتفعت حدة التوترات بين «حزب الله» والدول العربية وشعوبها. وعلى الرغم من أن معظم الحكومات العربية قد أدانت «حزب الله» بسبب «مغامراته» في حرب يوليو (تموز) 2006، إلا أنه ظل يتمتع بدعم شعبي كبير في جميع أنحاء العالم العربي، بسبب قتاله لعدوٍ مشترك – وهو إسرائيل. ولكن الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي وصفت «حزب الله» بالمنظمة الإرهابية. فبنظر دول الخليج العربي السنية في الغالب، تحول «حزب الله» إلى قوة شيعية تقتل السُّنّة في سوريا. ولذلك فقدَ «حزب الله» عمقه العربي، وتعاني اليوم الدولة اللبنانية والشعب والمجتمع الشيعي من عواقب أفعاله. أما في سوريا، وعلى الرغم من أن النظام آمنٌ حتى الآن، فإن المعركة لم تنتهِ بعد. وعلى الرغم من كل الإنجازات، لم يتمكن «حزب الله» من إعلان انتصارٍ كاملٍ في سوريا وإرجاع مقاتليه إلى أُسَرِهم آمنين. فلا تزال معركة دير الزور مستمرة، ولن تكون سهلة لأن التحديات كثيرة ومنها التضاريس الوعرة. كما يمكن لتقدم قوات سوريا الديمقراطية، بدعمٍ من التحالف الدولي بقيادة أميركا في الرقة وإمكانية إحرازهم مزيداً من التقدم في دير الزور، أن يجعل الأمور معقدة على أرض الواقع. فحتى لو تمكنوا من السيطرة على دير الزور، سيظل تزايد الوجود الإيراني وقوته في المنطقة، وخطتها لاستكمال الهلال الشيعي – أو الجسر البري – الذي يمتد من طهران إلى بيروت، يشكل تهديداً لكثيرِ من المعارضين لإيران في المنطقة وخصوصاً إسرائيل ودول الخليج. لذلك أيّ انتصار هو مؤقت وأي إنجاز يعتبر ضعيفاً. ولكن الأهم من ذلك، أن «حزب الله» خسر الدعم من الشعب والذي كان يتمتع به لفترةٍ طويلةٍ جداً، وأصبح جعل اللبنانيين والعرب يفرحون بالانتصار ضد داعش أكثر تعقيداً مع انتشار الصراعات الطائفية في المنطقة. ولهذا يحاول حسن نصر الله جاهداً أن يجعل «حزب الله» مرتبطاً بانتصار الجيش اللبناني، وسيبقى يحاول أن يظهر أن له الفضل في أي انتصارٍ في المنطقة، حتى لو لم يكن يستحق ذلك. يسعى «حزب الله» جاهداً لتحقيق الانتصارات، لأن الانتصارات تجلب السلطة والدعم الشعبي. واليوم، تمكن الحزب من الظهور بصورة أقوى، ولكن نجاحاته ضعيفة جداً، وانتصاراته البسيطة يتم تسليط الضوء عليها أكثر من اللزوم. فزمن «الانتصارات الإلهية» قد ولّى. * حنين غدار: زميلة زائرة في زمالة فريدمان الافتتاحية في معهد واشنطن.
مشاركة :