--> غربت شمس أفريقيا يوم الجمعة الماضي عندما تركنا الدكتور عبدالرحمن السميط رحمه الله في قبره لوحده ، ولما كنت أحمل نعشه جالت بي خواطر كثيرة ، وتخيلت بكاء الأيتام وافتقادهم للمساته الحانية وتساؤلهم (أين أبا صهيب ؟) ، وتخيلت الأرامل وافتقادهن لابتسامته المشرقة وهن يتساءلن (أين أبا صهيب ؟) ، وتخيلت الفقراء وافتقادهم للطعام الذي كان يحمله بيده وهم يتساءلون (أين أبا صهيب ؟) ، وتخيلت الفتيات في مشاغل الخياطة ينتظرن كلمته وتشجيعه لهن بفارغ الصبر وهن يتساءلن (أين أبا صهيب ؟) ، وتخيلت مياه الآبار وافتقادها لوضوئه ودعائه وهي تتساءل (أين أبا صهيب ؟) ، وتخيلت غابات أفريقيا وبراريها وهي تفتقد خطواته بالليل والنهار للبحث عمن لم يسمع بالإسلام وتتساءل (أين أبا صهيب ؟) ، وتخيلت أكواخها وخيامها وهي تفتقد صلاته وحلقاته للقرآن وتتساءل (أين أباصهيب ؟) ، وتخيلت المساجد والمستشفيات والمدارس والمعاهد كل ذلك وأنا أحمل نعش (أبا صهيب) ، بدأ وحيدا في أفريقيا وهي قارة كبيرة وفيها قبائل كثيرة ولكنه استطاع بتوفيق الله وهمته الكبيرة وبدعم الفريق العامل معه أن يسلم على يديه أكثر من 10 ملايين انسان ، وبنى المساجد والمستشفيات ومراكز الأيتام وحفر الآبار بالآلاف لا بالمئات ، وقد عرفني يوما على (الشيخ علي) الذي أسلم على يديه وهو نائبه في كينيا وجيبوتي ومدغشقر فعلمت أنه أسلم على يدي الشيخ علي نصف مليون انسان ، وكل ذلك في ميزان حسنات (أبا صهيب) وتخيلت الأرامل وافتقادهن لابتسامته المشرقة وهن يتساءلن (أين أبا صهيب ؟) ، وتخيلت الفقراء وافتقادهم للطعام الذي كان يحمله بيده وهم يتساءلون (أين أبا صهيب ؟) ، وتخيلت الفتيات في مشاغل الخياطة ينتظرن كلمته وتشجيعه لهن بفارغ الصبر وهن يتساءلون (أين أبا صهيب ؟) ، وتخيلت مياه الآبار وافتقادها لوضوئه ودعائه وهي تتساءل (أين أباصهيب ؟) ، وتخيلت غابات أفريقيا وبراريها وهي تفتقد خطواته بالليل والنهار للبحث عمن لم يسمع بالإسلام وتتساءل (أين أباصهيب ؟) ولما انتهينا من العزاء في المقبرة ومشيت تمنيت أن يكون عندنا (5) من (أباصهيب ) رحمه الله ، فنرسل لكل قارة واحدا فيفعل ما عمله في القارة الأفريقية من المنجزات الخيرية العظيمة وتوصيل رسالة الإسلام بالأخلاق وحسن المعاملة ، ولعل أبرز ما يميزه عدم التفرقة عند تقديم الخير بين مسلم وغيره ، أو بين رجل وامرأة ، أو بين أسود وأبيض ، وأذكر أني كنت معه في زيارة احدى القرى فوقف يقول كلمة لأهل القرية ، فمسك بيد واحد منهم لونه أسود ورفعها ، ثم قال لهم : أنا لوني أبيض وهذا لونه أسود ونحن لا نفرق بين الألوان ، بل قد يكون هو أفضل مني عند الله ، ثم تحدث معهم عن قصة بلال رضي الله عنه مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم وتأثر الحضور بكلامه ، فهو نموذج للدعوة باللين والرحمة لا بالعنف والشدة ، وكان حكيما في تعامله مع اختلاف القبائل والثقافات العرقية ، وقد زرت معه قرية تأكل لحوم البشر وكان هو أول من أدخل الإسلام لهذه القرية ، فقام وتحدث بهم خطيبا وقال: إني أحضرت لكم ضيفا لحمه طيب ، فنظر إلي ثم سكت فبدأت عيونهم تنظر إلي فخفت منهم ، ثم ابتسم وقال لي لا تخف هؤلاء يعرفون أن أكل لحم الإنسان حرام ، فضحكنا وكانت مزحة جميلة منه رحمه الله كان زاهدا بالدنيا معرضا عنها وعن زينتها ، فملابسه من أرخص الملابس ويشتري الاثواب الجاهزة ، وقلمه من أرخص الأقلام ، واستخدم سيارته 17 سنة وكان يقول المهم أنها توصلني لهدفي ، وحتى أثاث بيته عمره طويل ، فقد ولد رحمه الله وقلبه معلق بالآخرة ، تراه يمشي على الأرض ولكن فكره وقلبه وهمه لخدمة المسلمين ، حتى الكتب التي يكتبها والإيميلات التي يرسلها يكتب في نهايتها (خادم الدعوة ) عبدالرحمن السميط ، قال لي يوما وهو حامل يتيم على كتفه : أنا أعاني من مرض السكر وعملت 13 عملية منها 3 بالقلب ولكني بمجرد ما أجلس مع الأيتام وأعيش معهم أنسى ما بي من الأمراض . كل من يعمل معه يتأثر به وبكلامه وبهمته ونشاطه ، فهو يعمل بصمت واخلاص ، يفهم الإعلام ولا يحب الظهور فيه ، ويعرف السياسة ويتجنب دخولها ، ويتقن التجارة ولكنه مبتعد عنها ، وكان من الناجحين في مهنته الطبية ولكنه تركها من أجل أفريقيا ، ان أبرز صفتين فيه رحمه الله (الإخلاص والتركيز في العمل) وهذا ما نحتاجه اليوم لنكون ناجحين ومتميزين في توصيل رسالة الإسلام والعمل الخيري كما كان يشرك أهله وأولاده معه حتى حببهم في العمل الخيري وخدمة المسلمين ، فنسأل الله له الرحمة والمغفرة. تويتر : @drjasem مقالات سابقة: جاسم المطوع : -->
مشاركة :