تفاخر الأمم بلهجاتها المحلية ومصطلحاتها الشعبية؛ وتنشئ مؤسسات للحفاظ عليها، فضلاً عن حرصها على ترويجها خارجياً والحديث بلسانها عبر وسائل الإعلام المختلفة. منذ بداية البث التلفزيوني في المملكة إلى الثمانينيات أسست البرامج الإذاعية والتلفزيونية السعودية أسلوباً خاصاً في مخاطبة المشاهد والمستمع المحلي يحافظ على الهوية ويعزز من المصطلحات الشعبية لتبقى راسخة في ذاكرة المشاهد الصغير. في السابق كان العاملون في التلفزيون السعودي حريصين على التأكيد على الهوية السعودية وذلك رغم قلة الكوادر المحلية حينذاك -خاصة العنصر النسائي- فيندر أن تشاهد خطأ في النطق أو ارتباكاً في اللهجة حتى لو كان من يقدم الدور ممثلة جاءت للتو من الأردن أو سورية. ورغم بساطة إنتاج الأعمال إلا أنها كانت تحمل قيمة وهوية وروحاً محلية واضحة. ونظراً لأن المرأة السعودية لم تستطع اقتحام مجال الفن والإبداع حتى الآن، لأسباب اجتماعية شتى، فقد استمرت استعانة المسلسلات السعودية بممثلات عربيات لسد الفراغ، ولكن بدون ذلك الحرص على إتقان اللهجة الذي كان يميز الأعمال القديمة، ونتج عن ذلك إساءة للهجتنا المحلية عبر ما يسمى باللهجة المفتوحة "البيضاء" التي استغلها المنتج ليبرر إقحام اللسان الأجنبي في مسلسلاته والنتيجة انتهاك صارخ للهجة السعودية. في مسلسلي "سواق وشغالة" و"جرذان الصحراء" تتجلى هذه الإشكالية بأوضح صورها؛ فيتوه المتلقي المحلي بين المفردات الغريبة التي ينطق بها الممثلون والتي يتم تسويقها على أنها مفردات سعودية. في هذين العملين تجد عائلة يفترض بها أن تكون عائلة سعودية؛ الأب فيها يتحدث بلهجة؛ والأم بلهجة مختلفة، والأبناء كل واحد منهم يتحدث بلسان ومفردات تختلف عن بقية أفراد العائلة. اختلاف الألسنة في العائلة ليست مشكلة جديدة، فقد تعودنا ذلك في "بعض" المسلسلات الخليجية ذات الإنتاج الضعيف، إنما المشكلة هي أن يتم تسويق كل هذا "العك" على أنه كلام السعوديين. فكيف يسمح لهؤلاء بأن يمارسوا انتهاك اللهجة المحلية بهذا الشكل؟. وأين دور المنتج والقنوات عن هذا الاستسهال في الإنتاج؟ إن أول أبجديات الإنتاج هو الوصول إلى أقصى درجات الإقناع؛ ومن أبسط أساليب الإقناع أن تجعل العائلة الواحدة تتحدث بلسان واحد. في الكويت تتم الاستعانة على مستوى واسع بالعرب في الدراما التلفزيونية، وأغلبهم درسوا وتخرجوا من المعهد العالي للفنون، ومن شدة إتقانهم للهجة الكويتية لا تشعر بأنهم من جنسيات عربية بل كويتيون مولداً ونشأة؛ وأهم مثال على ذلك الممثلة المميزة هبة الدري. ولم تصل الدراما الكويتية إلى هذا المستوى من إتقان اللهجة إلا لأن المنتج يفرض على الممثل ضبط اللهجة فإذا لم يتمكن من ذلك استبدله بممثل آخر. حتى في الإمارات هناك احترام للهجة المحلية وحرص على ترسيخها بين الناس حتى بتنا نرى الممثل غير الإماراتي يتحدث بلهجتها كأنه ابن الإمارات؛ وكذا الممثل حين يشارك في الدراما المصرية فإنه يتحدث بلسانهم تحت رعاية مدقق لهجات شعبية. في الماراثون الدرامي لهذا العام اتضح أن "الشق أكبر من الرقعة" فمن يقوم بتمثيل الفتاة السعودية ولهجتها في الدراما المحلية تتحدث بلسان "معوَّج"، واللوم لا يقع عليها، بل على المنتج الذي لم يعد يهتم بمدى الإقناع في مسلسله، وأهمل وجود مراقب لهجات يدقق في كلام الممثلين. لم يعد مقبولاً من المنتج أن يتحجج بعدم وجود ممثلات سعوديات ليبرر انتهاك اللهجة، فالآن بإمكانه الاستعانة بمن يضبط اللهجة ويتابع الحوار.
مشاركة :