حكايات من الريف "3": هاربون من الموت الصامت.. رحلة عبر 9 دول

  • 9/10/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مساء يوم الأربعاء، 2 سبتمبر/أيلول 2015، كان "عليٌّ" ذو الـ21 عاماً، جالساً رفقة خمسة من رفاقه بأحد التلال المطلة على البحر، بجوار الحي الذي يقطنونه بمدينة الحسيمة، يتبادلون أطراف الحديث عن مستجدات واقعهم المرير، ومحاولين التخلص من تعب عملهم اليومي الشاق. نظر "علي" إلى السماء متعقباً تحليق طيور "النورس"، ونطق مازحاً: يا ليت لنا أجنحة نهرب بها نحو أوروبا، مثلما فعل صديقنا "جواد"، الذي عاد "سائحاً" هذا الصيف والرفاهية بادية عليه، أو كما فعل "حسام" الذي أوشك على الحصول على أوراقه القانونية "بألمانيا". فقاطعه أحد أصدقائه: لكنها تبقى أحلاماً يا علي.. أحلام! في صباح اليوم الموالي دقَّ هاتف "علي"، والمتصل هو "أحمد"، خاله الخمسيني، القاطن بأوروبا: اسمع يا بني هناك فرصة مواتية لتصل إلى هنا، لكنها ليست مضمونة، غير أن نسبة تمكُّنك من النجاة كبيرة مقارنة بالطريقة المعهودة في قوارب الموت.. اعتبرها مغامرة! في البداية لم يفهم شيئاً، كيف؟ ما هي؟ ومن أين؟ إنها رحلة عبر تسع دول رفقة اللاجئين الهاربين من جحيم الحروب! أسرع "علي" إلى أصدقائه لإخبارهم بما بشَّره به الخال المشفق على حالهم، لقد لاحت في الأفق فرصة لا تعوَّض، ولا بد من استغلالها والمغامرة لأجلها.. لا شيء في صالحنا في المغرب، لقد كان الأصدقاء الخمسة، إضافة إلى "علي" أمام اختيار صعب؛ فراق العائلة بالموت إن لم ينجحوا، أو بالغياب لسنوات قد تطول إن وصلوا.. لكنهم اقتنعوا في النهاية بأن فرصة كهذه نادرة، وفي تمكنهم من بلوغ مسعاهم حياة جديدة لأسرهم الفقيرة. في صباح يوم الثلاثاء، 15 سبتمبر/أيلول 2015، الموعد الذي تم تحديده لبدء الرحلة، ودَّع الأصدقاء أُسرَهم على أمل لقاء تكون فيه الأحوال قد تغيَّرت إلى الأحسن، لم يستطيعوا كبح دموعهم التي انهمرت في لحظة وداع قد تكون بلا رجعة. استقلَّ "عليٌّ" ورفاقه حافلةً متوجهة صوب "الدار البيضاء"، آخر مدينة مغربية ستطأها أقدامهم قبل الرحيل. استأجر الشباب شقة بأحد فنادق الدار البيضاء البسيطة، قضوا فيها ليلتهم، قبل أن يركبوا الطائرة إلى "تونس"، ومنها إلى إسطنبول بـ"تركيا"، التي وصلوا إليها في وقت متأخر من الليل، ما أجبرهم على البقاء في المطار حتى الصباح. عند السابعة صباحاً، من يوم الخميس 17 سبتمبر/أيلول، ربط الشباب الستة الاتصال بأحد المتخصصين في تهريب البشر، وهو رجل أربعيني من أكراد تركيا، اصطحبهم إلى أحد المنازل التي يتجمع فيها المهاجرون الذين اختاروا نفس الطريق، وبقوا هنالك يومين قبل استكمال رحلتهم. بعد ليلة مليئة بالكوابيس المزعجة، عرج الأصدقاء الستة رفقة "المهرب" إلى قارب صغير، اكتظوا فيه إلى جانب مهاجرين آخرين متوجهين نحو جزيرة تابعة لليونان، لم يتذكر "علي" اسمها، فكل ما كان يهمه هو سماع كلمة: لقد وصلنا إلى مبتغانا! في الجزيرة اليونانية، صنع "المهرب" للرفقاء الستة الهاربين من جحيم التهميش والتفقير، "أوراقاً"، لم يفهموا لغتها، غير أنهم فهموا من تمتمات وإشارات "المهرب" أنها لمساعدتهم على المرور من اليونان إلى مقدونيا، لكن هذا لم يحصل بعد منعهم من المرور، بدعوى أن المسموح لهم بالعبور هم اللاجئون السوريون والباكستانيون والأفغانيون. بقي الستة في العراء جنب الحدود لمدة خمسة أيام بلياليها، إلى أن بدا لهم أن الأمل قد تلاشى، وبدأ اليأس يدبُّ إلى قلوبهم.. لقد انتهى الحلم قبل اكتماله! في صباح يومهم الخامس، قرب الحدود المقدونية، جاءهم خبر أعاد بصيصاً من الأمل، هناك شخص بالجزيرة اليونانية التي قدموا منها، يقوم بصنع أوراق مزورة تثبت أنهم من سوريا، غير أن الطريق يستغرق يوماً واحداً، لم يكن أمام الشباب خيار آخر، فعادوا إلى المكان المذكور، وحصلوا على الأوراق، وتمكنوا من دخول "مقدونيا" بعد سبعة أيام قضوها في اليونان. استقل أبناء الريف الستة "التاكسي" أحياناً، و"ترامواي" أحياناً أخرى، وساروا على الأقدام تارة في المدن المكتظة وضجيجها، في الغابات والتضاريس الصعبة، تحت الأمطار والبرد القارس، كان الهدف المرجو يستحق التضحية. بعد 24 ساعة شاقة تمكنوا من عبور "مقدونيا" ودخلوا إلى "صربيا"، التي كانت هي الأخرى معبراً استمروا يوماً آخر لقطعه والدخول إلى جارتها "كرواتيا"، ومنها إلى "سلوفينيا" وصولاً إلى "النمسا" بوابة "ألمانيا"، الملاذ الأخير. بعد رحلة شاقة واجه فيها الشباب الستة، الجوع والعطش، والخوف، ووعورة التضاريس وتغيرات الطقس وصعوبة التواصل... وعبروا خلالها -إضافة إلى المغرب وتونس- ثماني دول طوال 17 يوماً؛ تركيا، اليونان، مقدونيا، صربيا، كرواتيا، سلوفينيا، النمسا، وأخيراً ألمانيا التي دخلوها، في الـ2 من أكتوبر/تشرين الأول 2015، كل هذه المعاناة كانت هرباً من موت صامت يتكرر يومياً في وطن ينزف دون توقف. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :