هُزم تنظيم "داعش" في الموصل، والآن هو في وضع لا يحسد عليه في دير الزور، وإلى جانب معركة تحرير الرقة يواجه "التنظيم" ضغوطاً متزايدة لإظهار القوة والنفوذ حتى في الوقت الذي تنهار فيه خلافته على الأرض. لقد أصبحت قيادة تنظيم "داعش" أقل مركزية وباتت المسؤوليات توزَع على القادة المحليين فيما يتم التشجيع على تنفيذ الهجمات في الخارج بواسطة المتعاطفين والأتباع. وشرع تنظيم "داعش" وفق تقرير لمجلس الأمن الدولي في إرسال الأموال إلى المناطق التي لا يملك "التنظيم" حالياً فروعاً فيها، استعداداً لسقوط "التنظيم" في العراق وسورية ولضمان استمرار القدرة على تنفيذ الهجمات في الخارج.ومع خسارة كل معركة، وفقا لتقرير ماثيو ليفيت، مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن، يتحول تنظيم "داعش" من جماعة مسلحة تحكم مناطق إلى مجموعة متمردة تعمل من دون السيطرة على أرض محددة. ومع هذه التداعيات تتزايد خطورة التهديد الإرهابي الذي يمثله "التنظيم" إقليمياً ودوليا. وفي حين يشكل التطرف المحلي العنيف أحد عناصر هذا التهديد، يتوجب على الدول التنبه كذلك لعودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين صقلتهم المعارك.والآن يفر المقاتلون الأجانب الذين دربهم "التنظيم"، من العراق وسورية أملاً في العودة إلى أوطانهم. ومن أصل 30 ألفاً، تتحدر قرابة تسعة آلاف من شرق آسيا، وثمانية آلاف من أوروبا، وستة آلاف من تونس. وأفاد منسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي بأن قرابة 1500 أوروبي، أغلبهم فرنسيون وبلجيكيون، عادوا إلى أوطانهم بعد أن تلقوا تدريبات على يد تنظيم "داعش" في سورية والعراق.ويشير تقرير نشرته الأمم المتحدة أخيراً إلى ضرورة تصنيف المقاتلين الأجانب العائدين في ثلاثة أقسام رئيسية لدى تقييم السلطات حجم الخطورة التي يشكلونها على بلدانهم عند عودتهم من سورية والعراق. يضم القسم الأول الأفراد المحرومين من حقوقهم، الذين عادوا بعد شعورهم بالإحباط بسبب الفارق الشاسع بين اليوتوبيا التي وعدهم بها تنظيم "داعش" وبين أفكاره الحقيقية وممارساته الواقعية. هؤلاء، ترى الأمم المتحدة، أن من الممكن تغيير أفكارهم المتطرفة وإعادة دمجهم في المجتمع.ويمثل القسم الثاني مجموعة أصغر تضم المقاتلين العائدين الذين أصبحوا أكثر تشدداً مما كانوا عليه عندما غادروا، ولم يتزحزح ولاؤهم لـ "التنظيم"، وقد تكون عودتهم مقرونة بالنية لتنفيذ هجمات إرهابية وتشكيل خطر أمني جسيم في بلدانهم. ويمثل القسم الثالث الأفراد الذين قطعوا صلاتهم بتنظيم "داعش" بعدما زالت أوهامهم وتكشفت لهم حقيقة "التنظيم"، ولكنهم ما زالوا متطرفين وقد تكون لديهم الرغبة في الانضمام لـ "تنظيم" إرهابي آخر.هذا التصنيف مهم من أجل فهم التحديات المختلفة المرتبطة بعودة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم، وكذلك بالنسبة إلى برامج مكافحة التطرف العنيف التي تم وضعها للتعامل مع العائدين، خاصة في أوروبا. لكن هذه البرامج يجب أن تكون مصحوبة بإجراءات أمنية مشددة على الحدود، ولا سيما أن بعض العائدين الأكثر خطورة، لن يعودوا إلى بلدانهم، على الأرجح، باستخدام أسمائهم ووثائق سفرهم الحقيقية، لكن سيعبرون الحدود بوثائق سفر مزورة بدقة عالية.وهذه ليست ظاهرة جديدة، فوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أعربت في 2001 عن قلقها بشأن الروابط المتزايدة بين المهربين الأجانب والمتطرفين مع ملحوظة حول كيفية استخدام الجماعات الإرهابية مثل "حزب الله" و"الجهاد الإسلامي" المصرية، هذه الشبكات من المهربين لتسهيل تنقل الإرهابيين، لكن هذه الظاهرة أصبحت أكثر تعقيداً الآن أكثر من أي وقت مضى.هناك أدوات عديدة قد تساعد على مواجهة هذا التهديد قبل أن يعبر هؤلاء الأفراد الحدود الدولية، لكن هذه الأدوات قد لا تكون فعالة إلا بوجود ما يكفي من التعاون الدولي.من ناحيته، طوّر "الإنتربول" عدداً من الأدوات التي استخدمتها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على حدودها، ومن بينها برامج التعرف على الملامح وقاعدة بيانات عالمية للمقاتلين الإرهابيين.وباستخدام تلك الأدوات يتسنى للدول الأعضاء التي تحقق مع هؤلاء الأفراد إرسال صور إلى "الإنتربول" الذي يستخدم بدوره تقنية التعرف على الملامح لمقارنة الصور إلكترونياً بتلك المخزنة في قواعد بياناته. ويعمل "الإنتربول" على توفير تقنية التعرف على الوجوه للشرطة في النقاط الحدودية.ويعد سجل أسماء المسافرين أداة أخرى مهمة لتسهيل تبادل المعلومات على الحدود، إذ يزود الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ببيانات من خطوط الطيران قد تساعد في التعرف على المسافرين ذوي الخطورة العالية ومنعهم من التنقل بحرية في أوروبا أو أي مكان آخر.وأخيراً، يجمع نظام معلومات "شينجن II" البيانات الشخصية لآلاف المقاتلين الإرهابيين الأجانب وينشئ ملفات شخصية أكثر شمولية عن كل منهم، يستخدمها مسؤولو الاستخبارات والحدود. كمثال على ذلك، تعرف هذا النظام على مقاتل إرهابي أجنبي حاول العودة إلى هولندا، وباستخدام هذا النظام تمكنت السلطات الهولندية من استجوابه فور وصوله إلى المطار.ولو كانت هذه الأنظمة قد تم تفعيلها في وقت سابق، فربما كان بإمكان أوروبا منع هجمات مثل تفجير بروكسل في 2016. وبما أن الشرطة البلجيكية كانت تحتفظ بقائمة بأسماء مشبوهين بالإرهاب، بمن فيهم أولئك الذين كانوا قد عادوا من الحرب في العراق وسورية، كان بإمكانها الاستفادة من تبادل المعلومات والتواصل الإلكتروني مع "الإنتربول" في النقاط الحدودية.يجب ألا نتصور أن سقوط تنظيم "داعش" - يختم ليفيت - يعني نهاية تهديده الإرهابي للمنطقة والعالم. من الواضح أنهم ما زالوا عازمين على تنفيذ هجمات إرهابية في الخارج، خاصة في الغرب. وفي الوقت الذي يعود فيه المقاتلون الإرهابيون إلى أوطانهم ويزدادون في حجم الشتات المتطرف، ليس أمامنا إلا إعطاء الأولية لتبادل المعلومات والتعاون في النقاط الحدودية الحساسة، على مستوى دولي.Image: Author: «الاقتصادية» من الرياضpublication date: الاثنين, سبتمبر 11, 2017 - 03:00
مشاركة :