< تمثل البطالة في العراق مشكلة حقيقية يصعب على الوزارات والقطاعات الاقتصادية التصدي لها، وتتطلب وضع استراتيجية شاملة يحكمها قرار سياسي وتنسيق الجهود المتاحة. ويرسم رئيس «اتحاد رجال الأعمال العراقيين» راغب رضا بليبل، صورة «مقلقة» لحال سوق العمل في العراق، ويصفها بـ «المشوهة وغير المنظمة، ما أفضى إلى تفاقم البطالة وغياب الحلول الموضوعية للحدّ منها». وقال في حديث إلى «الحياة»، إن «مصادر حكومية أشارت إلى أن نسبة البطالة بلغت 30 في المئة من قوة العمل البالغة نحو 7 ملايين شخص، فيما قدرت وزارة المال نسبة البطالة المقنعة بنحو 30 في المئة». أما الخبراء فرأوا أن «البطالة المقنعة تفوق هذه النسبة في ظل الأوضاع غير الطبيعية في عدد كبير من الإدارات والمنشآت الحكومية الإنتاجية والخدمية». وأكد بليبل أن «البطالة تتداخل مع الفقر، بحيث يكون كل منها نتاج وسبب للآخر، فمع ارتفاع معدلات البطالة يتسع نطاق الفقر والعكس صحيح». إذ «عندما يتعمق الفقر بمفهومه الشمولي في مجتمع ما، تتعطل طاقات أعداد متزايدة من السكان، لا سيما من الفئات الناشطة اقتصادياً، ما يبدو واضحاً في الواقع العراقي». وأشار إلى أن الاتحاد «أعد دراسة يتطلع من خلالها إلى تلمس المعالجة غير التقليدية ويدعو إلى تحرك فعال في إطار استراتيجية شاملة تعتمد إجراءات غير مسبوقة». ورأى أن «وصول البطالة في العراق إلى معدلات عالية، جاء نتيجة تراكمات متتابعة ناجمة عن أوضاع استثنائية سادت العراق خلال الفترة الماضية، تعرضت خلالها السوق إلى عملية تشويه واختلال وتزايد نسب البطالة وارتفاع معدلات التضخم الجامح واقترانه بالكساد، ما أدى إلى اختلالات عميقة في الاقتصاد الكلي والقطاعات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية العامة، وتوقف معظم مشاريع القطاع الخاص التي لم تجد سبيلاً إلى العمل في ظروف عصيبة وسياسات خاطئة». وأشار إلى أن «انتشار البطالة على نطاق واسع وشمولها فئات الخريجين وحاملي الشهادات العالية وتداخلها مع ظاهرة الفقر، ساهم في تزايد أعداد العراقيين المهاجرين بحثاً عن فرص العمل، إلى جانب الهجرة التي أفرزتها الظروف السياسية المتردية الناجمة عن استمرار السياسات الخاطئة والإرهاب». واعتبر أن هذه الأوضاع «عمّقت ظاهرة البطالة المقنعة أو المستترة بناء على تدني معدلات تشغيل المشاريع الاقتصادية العامة وتردي إنتاجيتها، وهي المتخمة بالعاملين الذين يفوقون حاجاتها كثيراً، حتى في حال التشغيل الاقتصادي للمشاريع الإنتاجية والخدمية». ودعا بليبل إلى «التعامل مع البطالة باعتبارها معضلة وطنية كبيرة، لا تمكن معالجتها في إطار تدابير نمطية تقليدية وإنما من خلال تعبئة الجهود والإمكانات، وعبر إعداد إستراتيجية وطنية شاملة تضع في اعتبارها أن دوائر الدولة ومشاريع القطاع العام ليست مؤهلة لتشغيل أعداد كبيرة من العاملين، والقطاع الخاص خصوصاً المشاريع الصغيرة والمتوسطة، هي التي تستطيع استيعاب مثل هذه الأعداد، ما يرتبط بتنشيط الأوضاع الاقتصادية عموماً واعتماد سياسات تمويل وإقراض موسعة وتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية». وقال: «أكدت وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي صعود معدل البطالة في العراق متجاوزاً 33.4 في المئة بين الشباب واليائسين وغير القادرين على إيجاد فرصة عمل، بينما يصل إلى 37.2 في المئة بين الشباب الحاصلين على التعليم الإعدادي أو الجامعي». ويشكل مجموع العاملين والعاطلين من العمل فئة السكان الناشطين اقتصادياً أو القوى العاملة. في حين يشير الإطار المعتمد لدى «منظمة العمل الدولية» لتحليل سوق العمل العراقية، إلى وجود فئتين أخريين، هما السكان غير الناشطين اقتصادياً وأولئك الذين هم دون سنّ العمل. ويعمل أكثر من 50 في المئة من الرجال الناشطين اقتصادياً في الشركات الخاصة و25 في المئة في القطاع الحكومي و9 في المئة بالأعمال العائلية. بينما تعمل أكثر من 50 في المئة من النساء في القطاع الحكومي و27 في المئة في الأعمال العائلية و16 في المئة فقط في الشركات الخاصة. وشدد بليبل على أن «المعالجة المطلوبة لمعضلة البطالة تتطلب اعتبارها حالة طارئة، وتشكيل هيئة عليا لمكافحتها برئاسة رئيس الوزراء لإعطائها بعداً وقيمة معنوية عالية، تتيح التعامل معها باندفاعة قوية وروحية جديدة وإمكانات ضخمة». ولفت إلى «ضرورة تحديد مهمات هذه الهيئة وتوصيف أعمالها في شكل واضح، في إطار سقف زمني للإجراءات التنفيذية المقررة والتهيئة الفعالة لمؤتمر وطني هدفه تسليط الضوء على هذه المعضلة وسُبل مواجهتها».
مشاركة :