تتناول دراسة "دور الأحزاب السياسية في النظام السياسي دراسة تطبيقية على اليابان وكوريا الجنوبية" والتي حصل من خلالها الباحث محمود عزت نائب مير المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية من معهد الدراسات والبحوث الآسيوية أخيرا، على درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، طبيعة دور الأحزاب السياسية في النظم السياسية الديمقراطية المعاصرة مع التطبيق على التعددية الحزبية الذي يشهدها النظام السياسي في اليابان والنظام السياسي في كوريا الجنوبية، كذلك الاندماجات التي تحدث بين أحزاب المعارضة في هذين النظامين بالرغم ما تحمله برامجها من تباين فكري وتنوع منهجي، واختلافات في الأهداف والوسائل. كشف محمود عزت في دراسته أن النظام السياسي الياباني تحول من دولة ضعيفة تخاف الاحتلال الخارجي إلى دولة ذات نزعة عسكرية توسعية قادت إلى احتلال دول مجاورة، وتجلت تلك النزعة عبر مختلف أشكال العنف التي مارسها اليابانيون، على مستوى الأفراد والجيش والنظام السياسي، وقد نجم عن ذلك نظام سياسي له ملامح محددة. فضلا عن أن النظام السياسي الياباني وفقًا للدستور يتمتع بنظام برلماني للحكم يشبه أنظمة دولتي بريطانيا وكندا، وبخلاف الأميركيين والفرنسيين لا يقوم اليابانيون بانتخاب رئيس الدولة بصورة مباشرة، فأعضاء المجلس التشريعي يقومون بانتخاب رئيس مجلس الوزراء فيما بينهم. وبناء على ذلك، يقوم رئيس الوزراء بتشكيل مجلس الوزراء وبقيادة مجلس وزراء الحكومة. ومجلس الوزراء، ويكون مجلس الوزراء مسؤولًا أمام المجلس التشريعي في تأديته للسلطة التنفيذية. ورأى خصوصية النظام السياسي الياباني سواء في الدستور أو في الجانب الحركي إذ يبدو أن تاريخ الديمقراطية النيابية في اليابان كان مرهونا بالسياسات والتوازنات الحزبية، ومن هنا كان أقصر أمدًا من تاريخ الديمقراطية النيابية في الغرب. فمن ناحية، أدى التغيير الاجتماعي والاقتصادي السريع الذي شهدته البلاد إلى العديد من المشاكل التي تعترض قيام الدايت بعمله وحصوله على الدعم السياسي، كما أن مقاطعة المعارضة وإجبار الحزب الحاكم للبرلمان على تمرير القوانين كلها عوامل أدت إلى إضعاف دور البرلمان وعدم رضاء الناخبين عن سياساته. وفيما يتعلق بالثقافة السياسية اليابانية قال محمود عزت "برغم ما شهدته من تحديات ومحاولات اختراق خارجية مازالت إلى حد كبير محافظة على مكوناتها التقليدية التي اكتسبتها عبر مراحل تاريخية ممتدة؛ بحيث يمكن القول إن الواقع الثقافي الياباني يقف شامخًا في مواجهة الوفد الغربي، فبرغم انتهاج اليابان لليبرالية الاقتصادية والسياسية إلا إنها نجحت في مواءمة المستجدات على الساحة السياسية مع واقعها الثقافي التقليدي بما يشير إلى محاولة توفيقية بين كل من المنظومة القيمية الغربية وثوابت الثقافة السياسية التي تعكس أهم جوانب خصوصية التجربة اليابانية حيث تم تطويع القيم المحدثة واستيعابها في إطار القيم التقليدية. ومن خلال دراسة نشأة وتطور الأحزاب السياسية اليابانية وسمات النظام الحزبي الياباني بعد الاستقلال ورصد خريطة الأحزاب السياسية اليابانية اتضح أن فكرة الأحزاب السياسية في اليابان في محاولة من الجناح التقدمي للنضال ضد الحكم الرجعي كما شهد ذلك في الغرب، متخذة من الأحزاب السياسية والتي نشأت في النظم الغربية وسيلة في البداية لإجراء الإصلاحات والتغييرات. وقد مر النظام الحزبي في اليابان بعدة مراحل تبلورت فيها التجربة الحزبية في اليابان، ففي البداية لم تكن متطابقة مع التجربة الحزبية في الغرب، بل مزجت الأحزاب السياسية في اليابان الأفكار الغربية بالتقاليد اليابانية فاستمدت الإيديولوجية وأسس التنظيم من الغرب، أما سير النظام وتطبيقه فاعتمد فيه على الأفكار المحلية وفى ظل هذا الصراع بين القديم والجديد بدأت تظهر في اليابان الأحزاب الأولى. ثم مرحلة دستور الميجي والتي جاء معها إعلان دستور الميجى في 1889، وعودة الأحزاب من جديد إلى الظهور ثم أخيرًا مرحلة ما بعد الاحتلال والتي أدت إلى انهيار النظام العسكري في اليابان بدخول الحلفاء وعودة الأحزاب السياسية للعودة إلى ممارسة نشاطها بقوة في الحياة السياسية بعد اتضاح رغبة الاحتلال في إقامة نظام حكم ديمقراطي يعتمد على وجود الأحزاب السياسية، ومن ثم ظهرت عدة أحزاب مهمة شكلت قوام النظام الحزبي الحالي. وقد أوضحت خريطة الأحزاب السياسية في اليابان أنها تضم عدة اتجاهات حزبية موجودة على الساحة السياسية اليابانية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد اتضح أن النظام الحزبي الياباني يتسم بعدة خصائص وهي سيادة ظاهرة الانشقاقات الداخلية، وعدم وجود برامج قوية ومنظمة، وضعف الموارد الذاتية للتمويل، وضعف المشاركة بالعضوية في الأحزاب، وهيمنة حزب كبير في ظل نظام ديمقراطي برلماني، وهي خصائص تؤثر في أداء الأحزاب اليابانية لدورها وقيامها بمهامها في النظام السياسي. وأكد أن الأحزاب اليابانية تميزت بضعف العلاقة بين السياسة الحزبية والانقسامات الاجتماعية والثقافية، فالأحزاب التي تتكون والأصوات التي تتحدد وفقًا لهذه الانشقاقات الحزبية تكاد تكون غير ملموسة في السياسة الانتخابية في اليابان. ولذلك يمكن القول إن اليابان قد خضعت لتأثير ثلاثة عوامل أساسية وهي التقاليد السياسية والثقافية اليابانية، وخبرة الاحتلال الأميركي والتغيرات الاجتماعية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أسهمت هذه العوامل في إضفاء الاستقرار على عملية التحول الديمقراطي في اليابان. وكان دور الأحزاب السياسية من خلال برامجها ومن خلال حملاتها الانتخابية أثناء الانتخابات هي التركيز علي الاتفاق العائلي مع تقديم منح لمن ينجبون أطفالاً ودعم للمزارعين والتعامل مع مشكلات مثل نظام المعاشات المتهالك، واستمالة الناخبين من خلال إعلانهم بالتصدي لمشاكل عديدة تتعلق بارتفاع نسبة البطالة وتأمين الخدمات لمجتمع يكثر فيه عدد المسنين. وقضايا الاقتصاد المتعثر والبطالة وزيادة عدد المسنين وتناقص عدد السكان بشكل عام. وأوضح محمود عزت أن الأحزاب السياسية في النظام السياسي الياباني تؤدي دورًا مهمًا في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، فيمكن القول إن اليابان اليوم قد تحولت إلى قوة اقتصادية هائلة حيث تنتج قرابة 15% من إجمالي الناتج القومي العالمي محتلة في ذلك المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. إلا أن التأثير الجيوسياسي لليابان على المسرح الدولي لا يوازي قوتها الاقتصادية تلك. ويرجع الأمر في ذلك لسببين أساسيين أولهما مرتبط بالقيود الدستورية التي يفرضها البند التاسع في دستورها الذي يحد من انخراط اليابان في السياسة الدولية، ويرتبط الثاني بالقيود القومية الأوسع التي شكلت جزءًا من ثقافتها السياسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حيث ضعف التأثير السياسي الياباني. ومن الخصوصية التي يتمتع بها النظام الحزبي الياباني أن الأحزاب المتناحرة في اليابان، تحاول استغلال الأزمات الاقتصادية لجني مكاسب سياسية. وأشار إلى أن دور البرلمان الياباني أقرب ما يكون إلى "بصمجي القانون" أكثر منه "محررًا أو صانعا له" حيث يمرر بالأساس التشريعات التي تصيغها السلطة التنفيذية والبيروقراطية وهو في ذلك يختلف عن البرلمان البريطاني والفرنسي بل والألماني حيث تصل نسبة التشريعات الحكومية التي يمررها البرلمان البريطاني إلى 97% والفرنسي إلى 82% وتصل النسبة إلى 87% في برلمان ألمانيا الغربية – سابقا. بينما كانت النسبة 84% في البرلمان الياباني خلال عقد الخمسينيات من القرن العشرين، وانخفضت إلى 74 % في فترة الثمانينيات. وتتضح الصورة أكثر بالنظر إلى مشاركة الأعضاء ونسبة التشريعات الحكومية التي يتم تعديلها، تعطيلها، أو رفضها. فمعظم التشريعات المقدمة لمجلس العموم البريطاني هي من السلطة التنفيذية من قادة الحزب الحاكم بينما الوضع أكثر مركزية في اليابان. حيث تقترح أحزاب المعارضة تعديلات على مشاريع القوانين في شكل مشاريع قوانين فردية، وتخضع هذه المشروعات، المشاريع الأصلية والفردية، لمناقشة الأحزاب بشكل جماعي باعتبارها الأساس لوضع المشروع النهائي. أما عن النظام السياسي لكوريا الجنوبية ودور والأحزاب السياسية فيها فقد خلص الباحث إلى الآتي: أولاً: أن النظام السياسي الكوري مر بمراحل متعددة من التطور السياسي منذ أن حصلت كوريا الجنوبية على استقلالها عن اليابان منذ عام 1945 حتى بداية التحول الديمقراطي في عام 1987. وشهدت كوريا الجنوبية منذ تأسيسها عام 1948 وحتى عام 1987 حيث تم إجراء آخر تعديل على دستورها الحالي العديد من التطورات السياسية التي تعرضت فيها للاضطرابات والانقلابات وأعمال العنف والاغتيالات أفضت جميعها إلى إرساء وتطوير الممارسة الديمقراطية الكاملة. غير أن الطابع السلطوي ظل هو المسيطر على نمط اتخاذ القرار، وقد اختلط هذا النمط من الممارسات السياسية مع التقاليد الكورية الخاصة بالثقافة السياسية التي تسيطر عليها الطابع السلطوي لكي تؤثر على العملية الديمقراطية. ثانيا: أوضحت الدراسة مدى الخصوصية التي يتسم بها النظام السياسي لكوريا الجنوبية سواء في الدستور أو في الجانب الحركي حيث تم تعديل الدستور ما يقرب من تسع مرات، مما يدل على ضعف الوضع القانوني وسيادة القضاء داخل النظام، مما يجعله غير قادر على ترسيخ قواعد سياسية ثابتة. ويذكر أن سرعة تغيير التشريعات والدستور والقوانين كان له جانبه الإيجابي في أغلب الأحيان حيث بعد بدأ عملية التحول تغير الدستور الكوري إلى دستور أكثر ديمقراطية عن طريق التأكيد على الحريات المدنية وحقوق الإنسان وحرية الصحافة، كما أصدرت الجمعية الوطنية العديد من التشريعات بعد ذلك لتنظيم العملية الانتخابية والأحزاب السياسية والحث على قيام انتخابات نزيهة وسليمة قانونيًا والتأكيد على القيمة السياسية لوجود نظام تنافسي. وفي نفس الوقت سعت النظم الحاكمة المتعاقبة إلى تفكيك قوى وتنظيمات المجتمع المدني وإحكام السيطرة عليها، ولذلك لم يكن هناك من سبيل لتوصيل مطالب تلك القوى سوى اللجوء إلى أعمال الاحتجاج الجماعي التي تصاعدت بشكل ملحوظ خلال النصف الأول من الثمانينيات. ثالثًا: فيما يتعلق بالثقافة السياسية لكوريا الجنوبية، فرغم تعدد مصادرها، إلا أن الثقافة الكونفوشيوسية، تمثل العمود الفقري للفكر الثقافي الكوري، وتعد فلسفة لحكم المجتمع والدولة، فمن ناحية هي أحد أهم العوامل المهمة التي تؤثر على عملية صنع القرار بما فيها شكل وطبيعة العلاقة بين السلطات بشكل يؤدي إلى هيمنة السلطة التنفيذية المركزية، كما لها تأثيرها على النظام الحزبي، ومن ناحية أخرى لا تزال الثقافة السياسية التقليدية في كوريا تشكل إدراك الأفراد وطبيعة القضايا الاجتماعية. ومن خلال دراسة نشأة وتطور الأحزاب السياسية وسمات النظام الحزبي بعد الاستقلال ورصد خريطة الأحزاب السياسية لكوريا الجنوبية خلص محمود عزت إلى عدد من النتائج منها: أولا: فشل الممارسة الحزبية في كوريا في تطوير قواعد اللعبة السياسية الديمقراطية لتحقيق الصالح العام لناخبيها وأعضائها، وجاءت ملامح الأحزاب السياسية في كوريا الجنوبية بصفة عامة انعكاسًا لأفكار ومبادرات القيادات الحزبية لها نتيجة لافتقارها لأيديولوجية واضحة أو برنامج سياسي واضح المعالم، كما عانت الأحزاب من الانقسام والاندماج، وكذلك من التحول لأسباب مختلفة من حزب حاكم إلى حزب معارض والعكس، في ضوء ذلك نعرض لأهم الأحزاب على الساحة السياسية الكورية والتي تراوحت ما بين أحزاب معارضة، وأحزاب غير معارضة وفقًا لمتغيرات الفترة الزمنية. ثانيا: مثل التوجه الإقليمي السمة الغالبة على الواقع الحزبي في كوريا حيث مثلت الارتباطات الأسرية خاصة فترات الانتخابات الرئاسية والتشريعية أساسًا للعمل الحزبي استنادًا إلى نظرة الثقافة السياسية التقليدية العلاقات العائلية، وامتداداتها الإقليمية. ومن ثم، فإن الولاء والانتماء لم يكن للدولة الكورية، وإنما كان للفرد القائد والمناطق الجهوية. ثالثا: ساهمت حداثة تجربة التحول الديمقراطي، وميراث النظم السلطوية والانقلابات العسكرية وكذلك الأزمات الاقتصادية والسياسية التي أحاطت بالتجربة الكورية في السنوات الأخيرة بشكل كبير في محدودية الدور السياسي والاقتصادي والاجتماعي للأحزاب السياسية في التجربة الكورية الجنوبية. رابعا: نجد أن دور الأحزاب السياسية كان محدودًا في مجال التنمية السياسية في ظل الموروث التسلطي، فلم تكن الأحزاب وسيطًا فعالا بين المجتمع والنظام السياسي، بقدر ما كانت أداة من الأدوات التي وظفها النظام السياسي لتحقيق السيطرة والضبط والتحكم في العملية السياسية في المجتمع الكوري، وظلت المشاركة في المناصب العليا للدولة حكرًا على الحزب الحاكم. إضافة إلى إحجام مجموعة من الناخبين عن المشاركة السياسية خاصة في ظل انعدام نسبي للعدالة التوزيعية نتيجة فشل القيادات الكورية في إرساء دعائم سياسية توزيعية عادلة لفوائد التنمية. غير أن تلك العوامل لم تختف من العمل الحزبي وإن قلت حدتها تدريجيًا. تبقى الإشارة إلى أن الدراسة تفتح الباب نحو مزيد من الدراسات حول العلاقة بين مختلف مؤسسات النظام السياسي والأحزاب في النظم الديمقراطية، وتأثير الثقافة السياسية على النظام الحزبي وكذلك دراسة الانشقاقات والائتلافات الحزبية وأسبابها في العديد من النظم الديمقراطية سواء المعاصرة أو حديثة العهد. كما تبين أن الأسلوب المتعنت في العمل السياسي يجب أن يتغير إذا أرادت كوريا الجنوبية تحقيق تقدم سياسي يتطابق مع إنجازاتها الاقتصادية، ويبدو أن هناك خللا واضحا في العلاقة بين التنمية الاقتصادية والتنمية السياسية في كوريا الجنوبية، ومن ثم بدت عملية الإصلاح السياسي أكثر بطأ من النمو الاقتصادي. وأكد محمود عزت أنه مع مرور خمس سنوات على الحراك العربي، لا بد أن تتوقف النخب والشعوب العربية أمام تجارب تنموية ناجحة للاقتراب من أسبابها واستدعاء نتائجها وعوامل نهضتها للاستفادة منها، ومدى قدرة الدول العربية ومنها مصر على الاستفادة من تلك التجربة الرائدة أو على الأقل معرفة كيف نجح الآخرون. يذكر أن الباحث محمود عزت عبدالحافظ قد حصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية لعام 2013. محمد الحمامصي
مشاركة :