التغيرات المناخية في أعين علماء المناخ

  • 9/12/2017
  • 00:00
  • 20
  • 0
  • 0
news-picture

في إطار حديث جرى معه في الفترة الأخيرة حول كتابه «المقياس» (Scale)، وصف الفيزيائي جيفري ويست التغيرات المناخية بأنها نمط من العشوائية - خلل يظهر كثمن للنظام والطاقة التي تنطوي عليها المدن. ومن وجهة نظره، لا تعتبر التغيرات المناخية مجرد تعبير لطيف عن ظاهرة الاحتباس الحراري، وإنما هي مصطلح أوسع يعكس النحو العشوائي الذي يتعذر التكهن به لتأثير التغيرات المناخية على المحيطات والمناخ.بمعنى آخر، فإننا لن نكون محظوظين بالدرجة التي تجعلنا نعاين زيادة منتظمة تدريجية في متوسط درجة حرارة الأرض. بدلاً عن ذلك، نعاين تغيرات سريعة وعشوائية في الأنماط المناخية التي ألفها الناس لقرون.على سبيل المثال، دعونا ننظر إلى واحدة من الفرضيات المثيرة المتعلقة بارتفاع درجات حرارة الأرض: إنها ستتسبب في تباطؤ أنماط حركة الرياح التي عادة ما تنقل العواصف من مكان لآخر، ما يؤدي إلى إطالة أمد فترات هطول الأمطار وكذلك الجفاف. وقد وردت إشارة إلى هذه الفكرة في الكثير من الكتابات العلمية وكذلك مجلة «ساينتيفيك أميركان»، لكن مثلما الحال مع الكثير من الأفكار المثيرة بالمجال العلمي، لم تلقَ هذه الفكرة بعد قبولاً واسع النطاق، ذلك أن البعض ما يزال في انتظار الاطلاع على المزيد من الأدلة الداعمة لها.إلا أنه بالنسبة للعلماء الذين اهتموا بدراسة فرضية تباطؤ حركة الرياح، يبقى إعصار هارفي حالة مثيرة للاهتمام. ومن بين الأسباب وراء الدمار الهائل الذي سببه أن سرعته تباطأت فوق هيوستن. كانت العاصفة قد حوصرت بين نظامي ضغط مرتفع في أعقاب مرورها بتكساس بفترة قصيرة. وعليه، بدلاً من اكتساحها المنطقة، ظلت عالقة لبضعة أيام، وتسببت بهطول أمطار غزيرة على مساحة هائلة - بإجمالي 19 تريليون غالون. وكلما طال أمد بقاء العاصفة، زادت كمية الأمطار التي تسببها. وفي نهاية الأمر، تعرضت أجزاء من الولاية لكمية الأمطار التي تسقط عليها سنوياً في غضون أقل عن أسبوع.من جانبه، يعتقد تشارلز غرين، العالم المتخصص في شؤون الغلاف الجوي في جامعة كورنويل، أن ارتفاع درجات حرارة منطقة القطب الشمالي أدى إلى تباطؤ الحركة في ارتفاعات عالية لرياح تعرف باسم «التيار النفاث»، الذي يرى أنه أسهم في القوة التدميرية لإعصار هارفي. وإذا اتضحت صحة هذا الافتراض، فإن هذا ينبئ بوقوع المزيد من مثل هذه الأحداث. ويشتبه غرين في أن موجات الجفاف التي ضربت غرب الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة تفاقمت جراء الظاهرة ذاتها، مع تسبب تباطؤ حركة «التيار النفاث» في محاصرة كتل من الهواء الجاف داخل المنطقة.والتساؤل هنا: لماذا يؤثر ارتفاع درجات الحرارة على الرياح والعواصف؟ مثلما يشرح غرين، لا يحدث ارتفاع درجات حرارة الأرض على نحو منتظم ثابت، وإنما ترتفع درجات حرارة القطب الشمالي على نحو أسرع عن المناطق المتوسطة في كوكبنا. وعليه، أصبح هناك تباين أكبر عما كان عليه الحال من قبل بين درجات الحرارة في القطب الشمالي وفي دوائر العرض المتوسطة. وقال: «يعتبر هذا التباين في درجات الحرارة المحرك للرياح داخل الغلاف الجوي»، الأمر الذي يتضمن «التيار النفاث» ونمطاً آخر لدوران الرياح يوجد إلى الشمال أكثر يطلق عليه «الدوامة القطبية». وعادة ما تحصر «الدوامة القطبية» الهواء البارد داخل منطقة القطب الشمالي. وعندما يلحق بها الضعف، يصبح بمقدور هواء القطب الشمالي التحرك جنوباً وخلق حالة استثنائية من الطقس البارد في مناطق قريبة من خط الاستواء.وشرح غرين أن ارتفاع درجات الحرارة في منطقة القطب الشمالي أسرع مما عليه الحال في باقي أرجاء الكوكب لوجود عملية داعمة في الخلفية، ذلك أن ذوبان جليد البحر يكشف المحيط المظلم القائم وراءه، ما يعني أن قدراً أكبر من أشعة الشمس يجري امتصاصه داخل المحيطات، الأمر الذي يسبب بدوره مزيداً من ارتفاع درجات الحرارة. خلال الخريف، تعود بعض من الحرارة التي امتصها المحيط إلى الغلاف الجوي. ويؤدي هذا التغير في درجات حرارة القطب الشمالي إلى تغير في «الدوامة القطبية»، ما يؤدي إلى إلحاق الضعف بها وإبطاء سرعتها. وقد تزامن ذلك مع زيادة في عدد الأعاصير الاستوائية وإعصار «نوريستر».أيضاً، يعتقد غرين أن ارتفاع درجات حرارة القطب الجنوبي يتسبب كذلك بتباطؤ حركة «التيار النفاث»، الأمر الذي يسمح بتكون مزيد من «كتل» الضغط المرتفع التي تحصر الأعاصير مثل «هارفي» في مكانها. إلا أنه أقر بأنه لا يتوافر دليل كافٍ يربط بين السبب والنتيجة في هذا الصدد.من ناحيته، قال كيفن ترينبيرث، العالم المتخصص في شؤون المناخ لدى المركز الوطني لأبحاث المناخ في بولدر بكولورادو، إنه ما يزال يتعين على غرين وزملائه بذل مجهود أكبر لتوضيح الروابط بين ذوبان جليد القطب الشمالي وأنماط حركة الرياح وصور المناخ المتطرف. إلا أنه تبقى هناك روابط مؤكدة بالفعل قائمة بين ارتفاع درجات الحرارة عالمياً والعواصف.الملاحظ أن عمل ترينبيرث يركز على المحيطات، التي ترتفع درجات حرارتها مع ارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي. وفي الوقت الذي ترتفع درجة حرارة سطح المحيطات ببطء منذ منتصف القرن العشرين، حملت تسعينات القرن الماضي معها ظاهرة جديدة: بدأت درجات حرارة الماء في الارتفاع على بعد يتراوح بين 700 و2000 متر تحت السطح. وأشار إلى أن الزيادة ضئيلة، لكن مجمل الطاقة المحصورة تحت السطح هائلة. في العادة، تدفع العواصف المياه الباردة من الأعماق، ما يؤدي لانحسار قوتها. والآن، مع انتقال المياه الأكثر دفئاً إلى أسفل السطح، تصبح هناك حرارة إضافية موجودة، حسبما أوضح ترينبيرث، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعمق العاصفة وإطالة أمدها.وليس هذا السبيل الوحيد الذي يمكن لظاهرة الاحتباس الحراري من خلاله التسبب في عواصف أكثر تدميراً. من المعروف أن الهواء الأكثر دفئاً يحتجز بداخله رطوبة أكبر، الأمر الذي يسمح لـ«هارفي» وأعاصير أخرى بتخزين مزيد من الأمطار. كما أن المحيطات الأكثر دفئاً من المحتمل أن تعطي مزيداً من الوقود إلى هذه العاصفة، وسوف يستمر هذا الحال على مدار القرن. يذكر أن مياه خليج المكسيك ارتفعت بمعدل يتراوح بين درجتين وأربع درجات عن المستوى التاريخي لها في هذا الوقت من العام، حسبما شرح غرين. وتساعد المياه الدافئة الأعاصير على أن تزداد كثافتها بسرعة، مثلما حدث مع «هارفي» لدى انتقاله من المستوى 2 إلى المستوى 4 في غضون ساعات. واليوم نجد أن معظم النقاشات الدائرة في أوساط العلماء لا تدور حول ما إذا كانت ظاهرة الاحتباس الحراري تسهم في موجات الطقس الحاد، وإنما أي من تداعيات هذه الظاهرة سوف يسبب الدمار الأكبر.- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»

مشاركة :