عرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخيراً، استراتيجيته المرتقبة بشأن أفغانستان وجنوب آسيا. الكثير مما قاله يفتقر إلى التفاصيل: لم يشر إلى خطة لإنهاء التدخل العسكري الأميركي في البلاد، ولم يقدم زخماً جديداً لإيجاد حل للنزاع الأفغاني، ومن غير المحتمل بالتالي أن تغير استراتيجيته قواعد اللعبة. ويبدو أن استراتيجية ترامب تركز على عدد من النقاط الحيوية: أولاً، وضع حد للمهل الزمنية لانسحاب القوات الأميركية (ما يزيد المخاوف من حرب دون نهاية في الأفق)، وثانياً، المزيد من القدرة التشغيلية للقوات الأميركية بالتركيز على «قتل الإرهابيين»، وثالثاً، يبدو أنها تستعبد محاولات الانخراط في مهمة بناء الدولة، وأخيراً، مقاربة إقليمية تنطوي على موقف متشدد من باكستان، وتوقع «المزيد» من الدعم من الهند. بالتالي، فإنه لا شيء جديد، على الأقل في الظاهر. في الواقع، فإن خطاب ترامب في ما يتعلق «بالشبكات الإرهابية والإجرامية» ليس مختلفاً كثيراً عن الغارات الهادفة التي تجري في أفغانستان أصلاً، وكثير منها يركز على القضاء على قادة متعاقبين من تنظيم «داعش» المنافس لطالبان. في الواقع، يمكن أيضاً أن يعمل القرار لصالح طالبان، وقد أثبتت حركة طالبان دوماً أنها بارعة في استخدام وجود القوات الأجنبية لحشد الدعم، والإصابات بين المدنيين كأداة تجنيد. يؤكد ترامب أن الولايات المتحدة لن تشارك في بناء الدولة، متجاهلاً واقع أنه على الرغم من اكتشاف أن الجهود الدولية لبناء الدولة في أفغانستان (والعراق)، تفتقر لكل ما هو مطلوب، فإن مصالح الأمن القومية الأميركية، معتمدة أساساً على إيجاد دولة شرعية. وفي خطابه، شدد ترامب أيضاً على دور الجهات الإقليمية، تحديداً باكستان والهند، في حل الوضع في أفغانستان. وعلى الرغم من قساوتها، فإن وجهة نظر ترامب بشأن باكستان، بالإشارة إلى أنه لم يعد يقبل البند المتعلق بـ «ملاذات آمنة للمنظمات الإرهابية»، تتبع أساساً موقف إدارة أوباما، فيما إدراجه للعلاقة التجارية بين أميركا والهند في محاولة لحشد المزيد من الدعم الهندي في أفغانستان، يدخل بعداً جديداً للتعاون الثنائي، ومن غير المرجح أن يحظى بالدعم. ووفقاً إلى وزارة الدفاع الأميركية، فإن الهند أصلاً أكبر مسهم في المساعدات التنموية إلى أفغانستان في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، منذ عام 2001، فإن أكثر من 4 آلاف ضابط في الجيش الأفغاني تدربوا في الهند، وفي عام 2016، زودت الهند أفغانستان بمروحيات «مي-25»، هناك حاجة ماسة إليها في البلاد. ومن المرجح أن تستمر الهند في انخراطها في أفغانستان لمصالحها الخاصة، كرد على دعوة ترامب لـ «مزيد من الساعدة»، لأن «الهند تحقق مليارات الدولارات من التجارة»، خصوصاً أن ترامب تجاهل تحديد ما يعنيه «بمزيد من المساعدة». ومن خلال تخطي باكستان ودعوة الهند في الوقت نفسه للعب دور أكبر، فإن ترامب أثار رفض الحزبين داخل باكستان. في الوقت نفسه، إجراءات عقابية مثل حجب أموال دعم التحالف، خلال فترة إدارتي أوباما وترامب، لم يكن لها التأثير المرغوب في باكستان. وأخفق خطاب ترامب في أن يأخذ في الحسبان لاعبين إقليمين آخرين، هما الصين وروسيا، ودعمهما لباكستان. العلاقة الاقتصادية والاستراتيجية المتزايدة لباكستان مع الصين، من المحتمل أنها قلصت النفوذ الأميركي على باكستان، فيما اعتماد أميركا على باكستان كممر للإمدادات، ازداد بشكل كبير بعد إغلاق روسيا لشبكة التوزيع الشمالية مع انتهاء مهمة «إيساف» في ديسمبر 2014. وتبقى باكستان الممر الوحيد الممكن للإمدادات البرية إلى أفغانستان. وسائل إكراه، مثل فرض عقوبات على مسؤولي الحكومة الباكستانية، وإلغاء وضع باكستان الحليف من غير الناتو، تم ذكرها من قبل أعضاء في إدارة ترامب، ويمكن أن تكون مقامرة مكلفة في هذه المرحلة. ما كان متوقعاً من ترامب، هو استراتيجية إقليمية أكثر وضوحاً، تشمل بلداناً أخرى إلى جانب الهند وباكستان. وتبدو كل من روسيا وإيران قد تبنتا الموقف الذي يفيد بأن طالبان أفضل لهما من جماعات متطرفة عنيفة أخرى في المنطقة مثل «داعش». حيث أفيد أن روسيا زودت طالبان بأسلحة، وأن إيران استضافت معسكرات تدريب على أراضيها، مع مجموعة لطالبان في مشهد. أما الصين، فبالإضافة إلى حصولها على وجود بعلاقاتها مع باكستان، لديها مصلحة اقتصادية وأمنية في أفغانستان، حيث إن أعضاء من تنظيم شرق تركستان الإسلامي، لديهم روابط قديمة مع الجماعات المسلحة الأفغانية. الإخفاق في احتساب نفوذ تلك الدول يمثل فجوة أساسية في استراتيجية ترامب. ويعكس «تعريف ترامب الواضح» للفوز في أفغانستان، الاستراتيجية الأميركية منذ بداية الصراع ما بعد عام 2001: القضاء على الجماعات الإرهابية، ومنع طالبان من الاستيلاء على أفغانستان، ومنع الهجمات على الولايات المتحدة، لا يختلف عما كانت تسعى لتحقيقه إدارات سابقة على مدى السنوات الـ 16 الماضية.
مشاركة :