سأل رجل نبي الله موسى عليه السلام: من هو أعلم أهل الأرض؟.. فقال: موسى أنا!، فأوحى الله إليه أن هناك من هو أعلم منك! قرر موسى أن يرحل إلى هذا العالم ليستفيد منه. كانت الرحلات العلمية، والرحلة من أجل العلم إحدى وسائل التعلم.. القدماء كانوا يضربون الأرض لطلب حديث أو بحث مسألة.. اليوم تقربت إلينا مسافات العلم وصارت علوم الدين والدنيا بين يديك بضغطة زر. قرر النبي موسى المضي إلى الخضر -عليهما السلام- حتى أنه قال: «... لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً» ما أجمل أن يكون لدى الطالب هدف يسعى له، ومنارة علمية يؤمها. وبعد بحث التقى موسى بالخضر، عند المكان المحدد الذي فقد فيه الحوت.. طلب منه أن يصحبه ليتعلم منه.. وصحبة العلماء وسيلة علمية، لعل الموهوبين وطلابنا يركزون على هذه الوسيلة.. فلقاء العلماء في أي مجال علمي يفيد الطالب وينمي مهاراته ويزيد معلوماته ويرفع خبراته. وافق الخضر على صحبة موسى له، شريطة ألا يسأله عن شيء حتى يبينه له.. انطلقا وركبا السفينة فقام الخضر بخرقها فاعترض عليه موسى.. فذكّره بالشرط الذي بينهما وهو ألا يعترض.. فاعتذر موسى وبين أن السبب في اعتراضه النسيان.. في الموقف الثاني قتل الخضر الولد، فأنكر عليه موسى.. وفي النهاية لم يعتذر بالنسيان، ووضح له أنه إذا اعترض عليه مرة أخرى فسيكون الفراق بينهما. النسيان عذر.. وعلى المدرسين قبوله، أحد مدرسينا -في أيام الطيبين- لم يكن يقبل عذر النسيان وكان يقول للناسي: رح بلط البحر بها!! كما أن السؤال أداة معرفية واستكشافية.. فالطالب الذي يسأل ويستفسر هو طالب ذكي يجيد الغوص في المعرفة.. فهناك فرق بين الطالب «الهزاز» الذي يهز رأسه بالموافقة، وبين من يسأل ويعترض. الأول جامد، والثاني متفاعل يفيد ويستفيد. بعد الفراق، أخذ الخضر يفسر لموسى تلك المواقف.. فخرق السفينة؛ لأنها لفقراء وهناك ملك ظالم يصادر كل سفينة صالحة على أهلها.. فخرق السفينة أهون من مصادرتها، والضرر الأخف أهون من الضرر الكبير.. قتل الولد؛ لأنه إن بلغ فسيكون كافراً وعاقاً لوالديه.. ألم فراق الولد في الصغر أخف مصيبة من ألم عناده وطغيانه في الكبر.. بناء الجدار مع أن أهل القرية لم يقدموا الضيافة للخضر وموسى؛ لأنه كان لولدين يتيمين وتحته كنز.. ليس لهما ذنب في لؤم وخبث سكان القرية. على الطالب أن يتعلم أهمية التأني في الأمور، وألا تأخذه العجلة في الحكم على الظاهر دون استفسار وسؤال وبحث.. وعلى الأستاذ أن يدرك أن الطالب الذي أمامه ليس له دخل في انحراف أبيه، ولا بمشاكل والده إن كان الأستاذ تمشكل معه. وفي الأخير.. قصة موسى والخضر علمية تعليمية، فيها الكثير من الآداب والدروس التي ينبغي على الطالب وأستاذه ووالديه أن يحرصوا عليها، وينهلوا منها، والعمل بتوجيهاتها.. فدرس الحصة الأولى في بدايات العام الدراسي بالمدارس ينبغي أن يكون تحفيزاً وتحبيباً في العلم.. فالأفراد والشعوب والأمم لا تنهض إلا بالعلم، ولا تتخلف إلا بغياب المعرفة والثقافة.
مشاركة :