جاء إفراج محكمة فلسطينية أول من أمس عن الناشط الحقوقي عيسى عمرو بكفالة مالية لحين انتهاء إجراءات محاكمته بتهم تتعلق بالتعبير عن الرأي، ليسلط الضوء على مسألتين، الأولى هي قانون الجريمة الالكترونية الفضفاض. والثانية الأكثر غرابة هي محاكمة ناشط حقوقي فلسطيني أمام المحاكم الإسرائيلية والفلسطينية في آن. والمثير في قضية عمرو الذي يقود مجموعة شبابية ناشطة ضد الاستيطان في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، أنه يخضع للمحاكمة أمام محاكم عسكرية منذ شهور بتهم التحريض واعاقة عمل الجنود وتهديد حياة المستوطنين. وقال عمرو لـ»الحياة» في مقر الحملة الشبابية ضد الاستيطان الواقع على حدود البؤرة الاستيطانية المسماة «تل الرميدة» في مدينة الخليل بعد الإفراج عنه أول من أمس في أعقاب اعتقال دام أسبوعاً: «لدي ثلاث جلسات محاكمة في المحكمة العسكرية الإسرائيلية في تشرين الأول (اكتوبر) المقبل، والآن أنتظر أن تحدد المحكمة الفلسطينية مواعيد جلسات المحاكمة». وأضاف بسخرية فيها الكثير من المرارة: «آمل بأن لا تتزامن مواعيد المحاكمة في المحاكم الإسرائيلية والفلسطينية». وكان عمرو اعتقل مرات عدة في مواجهات مع مستوطنين يقيمون في قلب الخليل. وأثارت قضية اعتقاله من جانب السلطة الفلسطينية موجة احتجاجات واسعة، محلية ودولية، لدوره المعروف في النشاط ضد الاستيطان، ولتعرضه الى حملات الاعتقال والملاحقة الإسرائيلية. وتتهم السلطة عمرو بخرق القوانين السارية، خصوصاً قانون الجريمة الالكترونية وقانون العقوبات من خلال نشر منشورات تحتوي على قدح وذم مقامات عليا. لكنه نفى نشر أي شيء ينطوي على قدح وذم، وقال: «أعرف القانون الفلسطيني جيداً، ولم أنشر أي آراء فيها قدح وذم مقامات عليا، ولم تحتوي منشوراتي على أي أسماء». وأضاف أن المحققين قدموا له اثناء التحقيق سبعة منشورات نشرها في وقت سابق على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» اعتبروها مخالفة للقانون، ومنها منشور انتقد فيه تحويل قصر الضيافة الرئاسي الى مكتبة عامة من دون محاسبة المسؤولين عن الخسائر التي لحقت بموازنة السلطة نتيجة اتخاذ قرار خاطئ وغير مدروس. كما انتقد في منشور آخر اعتقال صحافي في الخليل طالب الرئيس محمود عباس بالاستقالة. واعتقلت السلطة أخيراً عدداً من المواطنين على خلفية منشوراتهم وتغريداتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. وتجرى محاكمة المغردين وفق قانون جديد أقرته السلطة أخيراً يسمى «قانون الجريمة الالكترونية» الذي لاقت بنود فيه انتقادات من مؤسسات حقوق الإنسان قالت إن هذه البنود وضعت بصيغ عامة بهدف استخدامها لإسكات الأصوات الناقدة والمعارضة. وقال المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق المواطن (ديوان المظالم) الدكتور عمار الدويك ان الصيغة العامة لبعض بنود القانون تتيح للسلطة التنفيذية اعتقال أي شخص على خلفية كتاباته. وأضاف: «الصيغ العامة للقانون، مثل تهديد الوحدة الوطنية والأمن الاجتماعي وغيرها، هي صيغ مرنة ومفتوحة تتيح للسلطات اعتقال ناشطين ومحاكمتهم على خلفية الرأي». وطالبت مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية ونقابة الصحافيين بتعديل القانون وإلغاء الصيغ العامة فيه. وشكلت لجنة مشتركة من الهيئة المستقلة لحقوق المواطن ونقابة الصحافيين لتقديم اقتراحات لتعديل القانون. وقال عمرو انه يعتقد أن اعتقاله جاء بهدف إسكات صوته الناقد، مضيفاً: «لا يريدون أي صوت معارض، والهدف من اعتقالي هو إسكاتي وإسكات الآخرين، لكنني لن أصمت». واستنكرت مؤسسات حقوقية محلية ودولية اعتقال عمرو. وأصدرت الهيئة المستقلة لحقوق المواطن ومنظمة «العفو» الدولية (آمنستي) والمرصد اليورومتوطسي لحقوق الإنسان بيانات استنكار. وقالت الهيئة المستقلة انها رصدت تزايد الاعتقالات على خلفية التعبير في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة، فيما قالت «آمنستي»: «إنه لأمر مثير للغضب أن يجرى اعتقال مدافع عن حقوق الإنسان بسبب إبداء رأيه... إن انتقاد السلطات ليس جريمة».
مشاركة :