بيت الشعر في القيروان يحتفي بالشاعر الشاذلي عطاء الله بقلم: حسونة المصباحي

  • 9/12/2017
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

الشاذلي عطاء الله كتب في أغراض كثيرة توزعت بين الوجدانيات والغزليات، لكنه خير أن يختتم تجربته بالشعر الصوفي.العرب حسونة المصباحي [نُشر في 2017/09/12، العدد: 10749، ص(15)]جميلة الماجري.. شعراء القيروان دائما في البال أقام بيت الشعر القيرواني مساء التاسع من سبتمبر الجاري احتفالية بديعة تكريما للشاعر التونسي الراحل الشاذلي عطاء الله، بحضور أفراد عائلته، وجمهور غفير جله من النساء العاشقات للشعر والشعراء. في بداية الاحتفالية قالت الشاعرة جميلة الماجري، التي تدير بيت الشعر، إن الاحتفالية المذكورة تندرج ضمن احتفاليات أخرى يعتزم البيت تنظيمها احتفاء بشعراء القيروان وأدبائها المجايلين للشاعر الشاذلي عطاء الله أمثال محمد مزهزد، والفايز القيرواني، والحبيب جاوحدو، ومحمد الصدام، والناقد محمد الحليوي الذي كان صديقا حميما لأبي القاسم الشابي، وكان أيضا مرشده للأدب الرومانسي الأوروبي الذي كان له تأثير كبير على شعره وعلى أفكاره بشأن الشعر، والتي بلورها الشابي في كتابه “الخيال الشعري عند العرب”. الشاذلي عطاء الله المولود عام 1899 كان من أول المتأثرين بالأفكار الإصلاحية والتنويرية التي انتشرت أواخر القرن الـ19 بين نخب تونس، وهي أفكار ستظل هادية له حتى اللحظة الأخيرة من حياته، فما تخلى عنها أبدا. ينتمي عطاء الله إلى عائلة عريقة ومحافظة، كانت تسكن “حومة الأشراف” بقلب المدينة. وفي البداية حفظ الطفل القرآن، وتعلم أصول البلاغة، مظهرا ميلا مبكرا إلى الشعر. إلاّ أن والده حرص على تربيته تربية خاصة فلم يرسله إلى المدرسة. مع ذلك تمكن من مواصلة تعليمه بطرقه الخاصة ليحفظ الشعر القديم، وليتمكن من الحصول على تكوين عصامي عميق ما خول له أن يتميز لاحقا في كتاباته بسلاسة اللغة، وعذوبة الأسلوب، وهو ما اكتسبه أيضا بفضل ميله إلى الموسيقى، وعشقه لشيوخ الفن ممن كان يحب الاستماع إليهم في أوقات مختلفة من النهار والليل. وعن تأثير الموسيقى عليه، كتب صديقه الشاعر جعفر ماجد يقول “كلّ الذين استمعوا إلى الشاذلي عطاء الله يُنْشد شعره، أحسّوا إن قليلا أو كثيرا أنه يمثل”، أي أن الشعر عنده يقوم على الإنشاد أثناء القراءة. وبفضل الأفكار الإصلاحية التي انجذب إليها مبكرا، كان الشاذلي عطاء الله يرى أنه على الشاعر الحقيقي أن يضطلع بدور في المجتمع. لذلك انتسب وهو في ريعان الشباب إلى الحزب الدستوري القديم بزعامة الشيخ عبدالعزيز الثعالبي. وبعد أن حضر مؤتمر الحزب الحر الدستوري المنشق عن الحزب القديم بزعامة الحبيب بورقيبة في ربيع عام 1934، فضل الشاذلي عطاء الله الانتساب إلى هذا الحزب. ورغم أنه تعرض للسجن، وللعديد من المضايقات الأخرى، فإن الشاعر ظل وفيا للحزب المذكور، ولزعيمه الحبيب بورقيبة حتى اللحظة الأخيرة من حياته. وفي مداخلتها التي عرفت فيها به شاعرا وإنسانا، أشارت الدكتورة فوزية الصفار إلى أن الشاذلي عطاء الله كتب في أغراض كثيرة توزعت بين الوجدانيات والغزليات، وهي نادرة بحكم تربيته المحافظة، والوطنيات التي نجد فيها الكثير من القصائد التي تتغني بأمجاد تونس والقيروان، ومدح الزعماء الوطنيين خصوصا الزعيم الحبيب بورقيبة. كما نجد في قصائده ما يمكن أن نسميه “الإخوانيات” التي تكثر فيها المداعبات والطرائف والمؤانسات، محيلة إلى مناسبات خاصة يكون فيها الشاعر مُنصرفا إلى السمر والسهر مع أصدقائه الشعراء من أبناء القيروان في محله التجاري المخصص لبيع الأقمشة. لكن عندما اشتد به المرض، وأجبره على مغادرة القيروان ليقيم في العاصمة بالقرب من أبنائه وأحفاده، انجذب عطاء الله إلى المنحى الصوفي والديني ليكتب العديد من القصائد في مدح الرسول. ولتفسير هذا الانجذاب، استشهدت الصفار بفقرة لميخائيل نعيمة يقول فيها “إن حياة الإنسان على الأرض -كائنا من كان- ليست سوى غفلة يكتنفها الموت، وإن أجمل ما فيها حلم يخترق ضباب الموت، إلى يقظة الحياة المثلى…إلى الله”. وتضيف الدكتورة فوزية الصفار قائلة إن التوجه الصوفي عند الشاذلي عطاء الله جاء عندما أحس الشاعر بعمق المأساة الإنسانية إذ لا شيء يستقيم في هذه الدنيا، ولا شيء يدوم على حال؛ فالصحة إلى زوال، والحياة تحمل في طيّاتها الفناء. وفي مداخلته التي أرادها أن تكون نقدا لشعراء القيروان الكلاسيكيين، أشار الدكتور سالم بوخداجة إلى أن الشاذلي عطاء الله ظل بحكم تربيته المحافظة محافظا في شعره، فلم يرغب أبدا في مسايرة التيارات الشعرية التجديدية التي عرفتها تونس مع أبي القاسم الشابي تحديدا. لذلك نشعر ونحن نقرأ شعره، وشعراء أبناء مدينته، بأنه كان يفضل أن يعيش في زمن آخر غير زمنه، ملتزما بالأغراض القديمة التي تكون أحيانا صدى لشعراء كلاسيكيين كبار أمثال المتنبي وأحمد شوقي وآخرين.

مشاركة :