دبي: عبير أبو شمالة 100 يوم من العزلة.. 100 يوم من الخسائر الاقتصادية والمالية التي تقدر بمليارات الدولارات.. 100 يوم كشفت بجلاء عن هشاشة الاقتصاد القطري، حيث دفعه نزيف الخسائر المتواصل إلى حافة الهاوية، بحسب المؤسسات المالية، وبيوت الخبرة الاقتصادية، ووكالات التقييم الائتماني، التي تجمع اليوم على قرب تهاوي اقتصاد قطر تحت وطأة العزلة.لم يستوعب نظام الحمَدين سرعة تفاعل وكالات التصنيف العالمية مع قرار المقاطعة، إذ توالت تقارير خفض التصنيفات واحداً تلو الآخر، لاسيما من قبل «ستاندرد أند بورز» التي اتخذت عدة خطوات لخفض تقييم بنوك قطرية بعد خفض التقييم السيادي لقطر، ووضعها قيد المراقبة، مع توجه سلبي، في أعقاب قرار عزل قطر من قبل دول المنطقة.أكدت أن القطاع المصرفي في قطر يعتمد، وبقوة، على التمويل الخارجي، ما يمثل خطورة بالنسبة له في الوقت الحاضر في ظل المقاطعة والعزل ما سيؤدي إلى رفع تكلفة التمويل لقطر بحدة في المرحلة القادمة.وخفضت الوكالة تقييم بنك قطر الوطني طويل الأجل من A+ إلى A، ووضعت التقييم طويل وقصير الأجل لبنوك قطر الإسلامي والدوحة وبنك قطر التجاري وبنك قطر الوطني أيضاً، قيد المراقبة مع نظرة سلبية، كنتيجة مباشرة لخفض التقييم السيادي لقطر. وقالت الوكالة إن القرار يعكس رؤيتها، وقناعتها بأن فرص التمويل ووضع السيولة في هذه البنوك من الممكن أن يضعف بصورة أكبر نتيجة للتطورات الأخيرة.وكانت الوكالة قامت بخفض التقييم الائتماني السيادي طويل الأجل لقطر من AA إلى AA-، كنتيجة مباشرة لقرار عزل قطر، وقالت الوكالة إن القرار يعكس مخاوف الوكالة حيال تبعات قرار العزل المباشر على اقتصاد قطر ووضعها المالي، حيث ترى أن القرار من شأنه أن يزيد من أوجه الضعف الخارجية لقطر، ويزيد الضغوط على النمو الاقتصادي والأسس المالية. تجفيف منابع التمويل وقالت الوكالة إنها لفتت سابقاً، وقبل أزمة عزل قطر، إلى الانعكاسات السلبية والمخاطرة الكبيرة المتمثلة في تنامي اعتماد البنوك القطرية على التمويل الخارجي، ما يعرضها لخطر حقيقي في حال «جفت» منابع التمويل الخارجي. وقالت إن الدَّين الخارجي للبنوك القطرية وصل إلى 182 مليار ريال قطري في نهاية إبريل/نيسان 2017. وأغلبية هذا التمويل من أوروبا وآسيا.وقالت الوكالة إنها تعتبر أن الأحداث والتطورات السياسية الأخيرة من عزل قطر يمكن أن تؤدي إلى خفض مصادر التمويل الخارجية أمام قطر. وقالت إن هذا ربما يعني تنامي الحاجة إلى دعم حكومة قطر لبنوكها للتعويض عن هروب كبير محتمل للسيولة.ورغم هذا الخفض الذي يهدد الاقتصاد القطري، إلا أن محمد علي ياسين الرئيس التنفيذي لشركة «أبو ظبي الوطني للخدمات المالية» ل«الخليج» يرى أن خسارة أكثر فداحة تكبدها الاقتصاد القطري تتمثل في خسارة السمعة الإيجابية في الأسواق العالمية، فبعد أن نجحت على مدى عقود في ترسيخ سمعة جيدة، كاقتصاد قوي يتمتع بأعلى مستويات الناتج المحلي للفرد على مستوى العالم، خسرت قطر اليوم هذه السمعة، وبدأت تواجه الخفض الائتماني تلو الآخر ما يصعب تعويضه، فالاقتصادات العالمية الأكثر تقدماً مثل الولايات المتحدة، لم تتمكن إلى اليوم من استعادة ما خسرته من تصنيف ائتماني رغم أهميتها وقوة وضخامة اقتصاداتها، فما بالك بقطر.وأضاف أن قطر خسرت ما حققته كذلك من تنافسية كاقتصاد إقليمي مفتوح، ما يجعل من الصعوبة بمكان أمامها اليوم اقتناص الفرص والكفاءات المتخصصة، كما فقدت جاذبيتها أمام الشركات العالمية التي بات من الصعب عليها اليوم وضع استراتيجيات طويلة الأجل للاستثمار في قطر، بل باتت تؤثر موقف الانتظار والترقب لرؤية ما يمكن أن تسفر عنه الأوضاع في المرحلة المقبلة.وأكد أن قطر تواجه، من جهة أخرى، ارتفاع تكلفة الاستيراد ما يزيد من تكلفة المشاريع، وتكلفة البناء والتشييد بصفة عامة، كما تؤدي إلى ارتفاع التكلفة بالنسبة للمستهلك، ما يرفع مستوى التضخم، خاصة اليوم في ظل ضعف الدولار الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع مستوى التضخم مع ارتفاع تكلفة الاستيراد بالعملات الأخرى. الضربة الكبرى وتابع: ارتفاع التكاليف، وتراجع القوة الشرائية، وغير ذلك من العوامل ستجعل العديد من الشركات تتردد، وربما تحجم تماماً عن الدخول إلى قطر في المرحلة القادمة.وتحدث عن سيناريوهات المرحلة المقبلة المتوقعة، قائلاً: إن الضربة الأكبر التي لم يشعر بها بعد الاقتصاد القطري سوف تتحقق في حال أصرت على مواقفها المتعنتة، ولم تجد الحل الذي يمكنها وبسرعة من العودة إلى البيت الخليجي، وتتمثل هذه الضربة في وصول القناعة لدى المؤسسات المالية العالمية بأن الوضع الحالي، وعزل قطر سوف يطول من دون حل مرتقب في المستقبل القريب، فعندها سوف يكون من الصعب على قطر التعامل مع المؤسسات المالية العالمية.ولفت إلى أن قطر استطاعت إلى اليوم الالتزام بسداد التزاماتها المالية، لكن في حال طالت الأزمة إلى فترة أطول، فعندها لن تتمكن من الوفاء بالتزاماتها بسهولة، وسوف تضطر للجوء إلى احتياطياتها الخارجية، وتسييل أصولها الأجنبية التي راكمتها على مدى السنوات الماضية، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، ما سيكون له انعكاساته السلبية على القطاعات العالمية نفسها التي وظفت فيها قطر استثماراتها، مثل القطاع المالي في أوروبا، والعقاري في الولايات المتحدة، وشبه التأثر المتوقع في الأشهر المقبلة بتدحرج كرة الثلج الذي لن يسلم من تبعاته الاقتصاد القطري. زيادة معدلات التضخم ما ذهب إليه ياسين عززه تقرير حديث لمجموعة «سيتي بنك» مؤكدة أن تأثير العزلة هذه المرة سيكون أكثر حدة مما شهدناه من قطع العلاقات عام 2014، وذكر أنه ليس من الواضح متى يمكن أن يتم رفع هذه العقوبات عن قطر حيث يتطلب الأمر الكثير ليتم رفع العقوبات عنها، الأمر الذي ترى المجموعة إنه قد يستغرق الوقت ويؤدي إلى إطالة أمد الأزمة.وحول التأثيرات الاقتصادية، قال التقرير إن قطر ربما تكون قادرة على تجاوز تبعات الأزمة على المدى القريب، إلا أن المخاطرة ستكون كبيرة على المستوى المالي والاقتصادي في حال طالت فترة العقوبات.ولفت إلى عدد من التأثيرات أبرزها ارتفاع مستوى التضخم خاصة في أسعار المواد الغذائية، لاسيما وأن حصة كبيرة من واردات قطر من المواد الغذائية تأتي من السعودية، وتحويل المسار بحراً وجواً أدى إلى ارتفاع التكلفة بصورة أكبر. ومن أبرز قنوات التأثير الإنشاءات التي تعتمد على الواردات من مواد البناء. وقال إنه في حال لم تتم حلحلة الأمور قريباً فمن الممكن أن تتأثر قدرة قطر على استضافة كأس العالم، مع تأخر عمليات البناء المتعلقة بالاستضافة.وتوقع البنك أن تتأثر خطوط الطيران القطرية جراء العقوبات مع خسارة وجهات وخطوط ملاحة، الأمر الذي يتوقع أن يكون له تأثير حاد، وطويل الأمد في أعمال هذه الخطوط، من خلال رفع متطلبات التمويل، والتأثير سلباً في الوضع المالي لها، وحتى في حال قامت الحكومة بتعويض خسارة الخطوط القطرية فهذا سيؤدي إلى زيادة متطلبات التمويل السيادية لقطر.وأكد التقرير أن سيولة المصارف القطرية تأثرت بحدة جراء تراجع أسعار النفط العالمية، ومن المتوقع أن تعاني بصورة أكبر جراء ارتفاع تكلفة الاقتراض كنتيجة للعقوبات. نزوح الودائع الأجنبية وحول الآثار الواضحة التي تكبدها الاقتصاد القطري، قال طارق قاقيش، مدير إدارة الأصول لدى مجموعة «ميناكورب»، إن الاقتصاد القطري بقطاعاته المختلفة تكبد خسائر فادحة نتيجة المقاطعة على مدى المئة يوم الماضية التي تركت آثاراً واضحة وملموسة على اقتصاد قطر، ووضعها المالي، ليس أقلها التراجع الحاد في تصنيف قطر الائتماني من قبل كبريات وكالات التقييم الائتماني العالمية، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض بحدة بالنسبة لقطر في الأسواق العالمية، ولفت إلى أن تكلفة التأمين على ديون قطر السيادية لأجل عشر سنوات ارتفعت بنحو 35% منذ بداية الأزمة إلى 136 نقطة أساس.ولفت إلى تنامي المخاطر التي تواجه القطاعات الاقتصادية المختلفة في قطر جراء ارتفاع تكلفة الاستيراد، ومستويات التضخم بصفة عامة، وتهاوي العملة المحلية في ظل الارتفاع الحاد والمتواصل في تكلفة الاقتراض، ما يشكل تهديداً حقيقياً، ومتصاعداً للاقتصاد القطري.وقال إن القطاع المصرفي يواجه مخاطر متنامية، خاصة مع خروج الودائع الأجنبية من قبل بعض الدولة، ومنها بالطبع ودائع من السعودية والإمارات والبحرين. ولفت كذلك إلى التراجع الحاد واللافت في مستوى تدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة إلى قطر منذ بداية الأزمة نتيجة فقدان المستثمر للثقة بالاقتصاد القطري في ظل العزلة والمقاطعة المستمرة من الدول المجاورة منذ 100 يوم.المناورات المستمرة من حاكم قطر، وآخرها تحريف المكالمة مع ولي العهد السعودي، عززت التوقعات بإطالة أمد الأزمة، حيث توقعت وحدة الأبحاث البريطانية «أيكونوميست انتيليجانس يونت» أن يطول أمد القطيعة، وعزل قطر سنوات لا لمجرد أشهر، بالنظر لعمق أزمة الثقة بين قطر وجيرانها.وقالت في تقرير حديث لها إنه كلما طال أمد العقوبات المفروضة على قطر زاد التأثير السلبي في الاستقرار السياسي لها خاصة في حال تأثر رفاه القطريين، وأسلوب عيشهم جراء المقاطعة بصورة أكبر.وأكدت أن مقاطعة دول الخليج ومصر للدوحة من شأنها أن تضع المنافسة والصراع الداخلي في قطر في المقدمة، الأمر الذي سيزيد وضع أمير قطر سوءاً، لافتة إلى أن التواجد العسكري الأجنبي المتنامي في قطر سيفاقم المشاعر العدائية بين الدوحة وجيرانها.وتوقعت «الأيكونوميست» أن تؤدي العقوبات إلى زيادة مخاطر التشغيل بالنسبة للشركات العاملة في قطر، مرجحة أن تشهد المرحلة المقبلة تشديداً أكبر في العقوبات على قطر.وأضافت المجموعة قائلة إن رفض قطر تنفيذ المطالب المطروحة لحل المقاطعة سيؤدي إلى المزيد من التصعيد ليصل الصراع إلى مرحلة جديدة تحمل عقوبات اقتصادية أشد على الدولة الصغيرة، عقوبات لها تبعاتها الأكثر شمولاً على الاستقرار الداخلي، وعلى مناخ الأعمال.وخفضت وكالة «فيتش» تصنيف الإصدارات السيادي طويل الأجل بالعملة المحلية والأجنبية لقطر إلى درجة «AA-» نزولاً من «AA» مع منحها نظرة مستقبلية سلبية، إضافة إلى خفض تصنيف الدعم للبلاد من «A+» إلى «A». كما ثبتت الوكالة تصنيف الإصدارات السيادية قصيرة الأجل بالعملة المحلية والأجنبية لقطر عند «F1+». كما خفضت الوكالة تقديراتها لأصول جهاز قطر للاستثمار بالنظر إلى البيانات العامة التي أصدرها مؤخراً محافظ مصرف قطر المركزي.ومن المتوقع أن تنخفض الأصول الخارجية السيادية الصافية لقطر إلى نحو 146% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2017، بالمقارنة مع 185% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2016، وضخ القطاع العام غير المالي ودائع بقيمة تزيد على 18 مليار دولار في البنوك القطرية خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز، وتتوقع «فيتش» أن تصل قيمة هذه الودائع إلى 35 مليار دولار بنهاية العام 2017.ومن المتوقع أيضاً أن تنخفض احتياطيات المركزي القطري إلى 20 مليار دولار بحلول نهاية العام 2017، نزولاً من 25 مليار دولار في نهاية يونيو، و32 مليار دولار في نهاية العام 2016.
مشاركة :