طعامنا لن يكون كسابق عهده بعد الآن، فقد أحدثت التكنولوجيا تعديلات عليه بطرق لا يمكن تخيلها، من المنتجات المعدلة جينياً، إلى اللحوم المصنعة داخل المختبرات، والمأكولات المعدة بالطابعات ثلاثية الأبعاد، واللصقات الجلدية، التي تمدنا بالغذاء، ابتكارات لا تحصى ولا تعد سوف تغير غذاءنا المستقبلي، وربما إلى الأبد. وبينما ستوفر الحشرات والطحالب، وفقاً للمتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي، بعضاً من احتياجاتنا الغذائية، مع تعرض كوكبنا لضغوط شديدة بفعل الزيادة السكانية وتدمير الأنهر والغابات والبيئة الساحلية، ويزداد الطلب على الحبوب من غير القمح والذرة والأرز التي توفر نصف السعرات العالم الحرارية في العالم حالياً، كالكيناوا وقمح الأمير والميليت الصغير المزروع في آسيا منذ 6500 سنة، فإن الأهم سيأتينا من الابتكارات التي لا تزال قيد التطوير، أو التي دخلت مرحلة التسويق الفعلي كالأطعمة المعدلة جينياً. وتعتبر المنتجات المعدلة جينياً من بين الابتكارات الأكثر إثارة للجدل حالياً، وتعتمد هذه التكنولوجيا على حقن جينات كائنات حية داخل كائنات أخرى لإنتاج نباتات وحيوانات لا وجود لها في الطبيعة، وكان العلماء قد تمكنوا من تطوير أنواع من الطماطم مقاومة للصقيع من جينات أسماك المياه الباردة، كما تمكنوا من إضاءة ماشية في الظلمة بإضافة مادة من قناديل البحر، والكثير غيرها. أطعمة فرانكشتاين بالنسبة لمركز السلامة الغذائية، تعتبر هذه التكنولوجيا «من أعظم تحديات القرن الـ21 وأكثرها تعقيداً على البيئة». وفيما يتحدث بعض العلماء عن منافعها، لناحية توفير أطعمة أفضل مذاقاً، ومقاومة للأمراض والجفاف، وبقيمة غذائية أعلى، فإن تياراً واسعاً مناهضاً لها بدأ يتشكل أخيراً، مطلقاً عليها وصف «فرانكنشتاين»، المخلوق المهجن المرعب. وليس واضحاً بعد كيف ستتطور تلك التكنولوجيا ما إن يجري إطلاقها في البيئة، وكيف ستتفاعل مع النظام الإيكولوجي، ولا يزال هناك جهل بأضرارها على الصحة العامة وعلى احتمال انقراض الكائنات الأصلية. وهناك نسبة كبيرة من البلدان المتطورة تعتبرها غير آمنة، كما توجد تقييدات كثيرة أو حظر كامل على إنتاجها وبيعها في أكثر من 60 بلداً حول العالم، بما في ذلك أستراليا واليابان وكل بلدان الاتحاد الأوروبي، وتطالب كل دول الاتحاد الأوروبي الـ28 بوضع ملصقات على المنتج ليتمكن المستهلك من تمييزه. وفيما تشير منظمات مثل «رابطة مستهلكي المنتجات العضوية» إلى أن أبحاثاً طويلة الأمد بشأن سلامتها على صحة البشر لم تجر بعد، وأن الدراسات على الحيوانات، أظهرت أن استهلاكها يسبب زيادة في الحساسية وأمراض الكلى والكبد، والسرطان والعقم وأمراض المناعة المزمنة وغيرها»، تقول الجمعية الأميركية لتقدم العلوم في المقابل إن: «منظمة الصحة العالمية والجمعية الطبية الأميركية، والأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم، والجمعية الملكية البريطانية، تفحصت الدليل وتوصلت إلى الاستنتاج نفسه، وهو أن الأطعمة المستهلكة التي تحتوي على مكونات مشتقة من محاصيل معدلة جينياً ليست أكثر خطورة من استهلاك الأطعمة نفسها التي تحوي عناصر من نباتات المحاصيل المطعمة بتقنيات تحسين النباتات التقليدية». واللافت للنظر هو أن "هيئة الغذاء والدواء" في أميركا لا تفرض معلومات إضافية على الملصق العائد للمنتجات المستخلصة من مصادر معدلة جينياً، إلا إذا كان هناك فرق مادي، مثل مكونات غذائية مختلفة، بين المنتج المعدل ومعادله غير المعدل جينياً. الاستخدام الأوسع لهذه التكنولوجيا يجري حالياً في المحاصيل الزراعية، حيث نسبة 90% من الصويا والقطن وكانولا والذرة والشمندر السكري التي تباع في الولايات المتحدة معدلة جينياً، وفقاً إلى الخبير مارك لالانيلا في مقال نشره في "لايف ساينس". وكان القصد من هذه التكنولوجيا بداية مقاومة الآفات الحشرية مما يقلص الحاجة إلى رش المبيدات الحشرية، لكن الأبحاث تشير إلى زيادة، في المقابل، في استخدام مبيدات الأعشاب المستندة إلى المواد المسرطنة، حسبما تقول الناشطة في "أصدقاء الأرض" دانا بيرلز، فيما يواجه ربع المزارعين الأميركيين الذين يعتمدون على المحاصيل المعدلة جينياً مثل الصويا والذرة والكانولا، مشكلات مع الآفات المقاومة للأعشاب ومبيدات الآفات حالياً، وفقاً للدكتور جوزف ميركولا في "ريجنرايشون انترناشونال". منتج طبيعي قريباً، ستكون المتاجر على موعد مع جيل ثان من هذه المواد المعدلة جينياً، المنتج الأول تفاحة لا يصفر لونها أبداً، سيجري تسويقها باعتبارها منتجاً "طبيعياً"، لأن الشركة قامت بتعديل جيناتها دون إدخال جينات من كائن حي آخر، إنما باستخدام تقنية "إسكات الجينات"أو ما يعرف بتقنية "سي أر أي إس بي أر". ويقال إن وزارة الزراعة الأميركية لا تزمع وضع أنظمة للذرة المستندة إلى هذه التقنية والتي ستنزل الأسواق قريباً، لأن ابتداعها لا يشمل مواد وراثية للآفات النباتية، لكن ناشطي البيئة يقولون إن الباحثين يعدلون فصائل نباتية بإزالة جيناتها أو تعديلها أو حتى ابتداع تسلسل جديد للحمض النووي بالكامل، ويسوقون تلك الأطعمة على أنها "طبيعية"، فيما هي من تقنيات معدلة جينياً، وكل ذلك يجري من دون أنظمة أو تقييم أو إشراف. وإلى ذلك، تعتقد الكاتبة في"واشنطن بوست"، كاتلين ديوي بأن تقنية "سي ار أي بي ار" الجديدة لشركة دوبون، ستصطدم بتجربة المحاصيل المعدلة جينياً من الجيل الأول "جي ام أو"، لشركة "مونسانتو"، والتي تسببت بكارثة في العلاقات العامة، إذ يشير معهد "بيو" إلى أن حوالي 40% من الأميركيين يعتقدون أن المنتجات المعدلة جينياً سيئة لصحتهم، على الرغم مما يقال إنها آمنة للاستهلاك البشري، وهذه الشكوك حيالها ليست بسبب الجهل أو الخوف من التكنولوجيا، وفقاً للدراسات، وإنما لنقص الثقة بالشركات الكبرى، مثل شركة مونسانتو المعروفة بتصنيعها "للعامل البرتقالي" الذي استخدم في حرب فيتنام، أو شركة "دوبون" التي صنعت مادة مبيد الحشرات "دي دي تي"، محدثة دماراً كبيراً في البيئة. المستفيد الأكبر وتطرح في سياق ذلك تساؤلات بشأن المستفيد الأكبر من تكنولوجيا المنتجات المعدلة جينياً، فالعديد من منتجاتها يقصد إحلالها مكان السلع التي تنتجها البلدان النامية، كالفانيلا والزعفران والكاكاو وجوز الهند وغيرها. يقول الخبير بول ديل في مجلة "ذا بالانس"، إن الطماطم المعدلة جينياً قلصت كلفة إنتاج الطماطم المعلبة بحوالي 20%، لكن الشركات تستخدم الهندسة الجينية أساساً لتحسين المحاصيل الكبيرة التي تدر لها ربحاً، مثل الذرة والقطن والصويا والقمح، مع استثمارات قليلة في المحاصيل الأكثر ارتباطاً بزراعة البلدان الفقيرة كالسرغم والميليت وغيرها. لا شك في أن الأطعمة المعدلة جينياً ستبقى قضية مشحونة سياسياً لفترة طويلة، فالناشطون في عدة دول يزيدون الضغوط الآن من أجل وضع ملصقات على المواد المعدلة جينياً ليتعرف عليها المستهلك، إذا لم يفرض حظر كامل عليها، فيما تصر الصناعة على سلامتها، فهل سيعتمدها المستهلك في أطباقه؟ وهو قد يكون الحكم النهائي عليها. إنقاذ العالم تفيد منظمة "غرين أميركا" بأنه ليس هناك حاجة إلى منتجات معدلة جينياً لإنقاذ العالم من الجوع كما يشاع، إذ يوجد في العالم ما يكفي لإطعام سكانه، لكن الطعام يذهب هباء، والمتاجر تتخلص من الخضار والفواكه بسبب منظرها غير الجذاب، فيما العيوب السطحية تلك لا تقلل من قيمتها ومذاقها. والمطلوب الاستفادة من المنتجات التي يجري إتلافها، سواء بإعادة بيعها بأسعار مخفضة، أو تدويرها لإنتاج الكهرباء والغاز الطبيعي، أو كونها سماداً للمزارع. السلمون أول حيوان معدل جينياً يصل إلى حجمه المكتمل في 18 شهراً، وتم إنتاجه بإدخال تعديلات جينية على السلمون الأطلسي من سلمون «الشينوك» من أجل أن ينمو بحجم أكبر وبسرعة، وهو لا يتكاثر، وتتم تربيته في مستوعبات منفصلة. وحظرت وكالة الغذاء والدواء استيراده وبيعه دون ملصقات تبين أنه معدل جينياً. ديفيد رايد صحافي في «سي ان بي سي.كوم» تفاحة لا يصفر لونها جرى تعديل جيناتها داخلياً باستخدام التقنية، وتباع كونها منتجاً طبيعياً. ويقول العلماء إن الأنزيم المسؤول عن اصفرارها قد يحارب الأمراض. فإذا كانت الأكسدة مثيرة للإزعاج، يمكن إضافة عصير الحامض لحل المشكلة. دانا بيرلز ناشطة في «أصدقاء الأرض» وعود لم تلب منذ 20 عاماً رفضت أوروبا زراعة المواد المعدلة جينياً فيما تبنتها كندا وأميركا. وعند مقارنة النتائج في تحليل «ذا تايمز»، فقد فشلت تلك المحاصيل بتعزيز غلة أكبر من المحاصيل التقليدية، بل وازداد استخدام مبيدات الأعشاب في اميركا، مقابل تراجعها في أوروبا. وفيما انخفض استخدام المبيدات الحشرية بنسبة الثلث بمحاصيل الذرة والقطن وفول الصويا المعدلة جينياً في أميركا، وارتفع رش مبيدات الأعشاب بنسبة 21%. وعلى العكس، انخفض استخدام المبيدات الحشرية في فرنسا بنسبة 65% ومبيدات الأعشاب بنسبة 36%. «الأرز الذهبي» أشيد به ووصف في عام 2000 بأنه المحصول المعدل جينياً الذي سينقذ الملايين في العالم الثالث من المجاعة، لكنه لم يصل لمرحلة الإنتاج بعد، بسبب مشكلات في تطوير سلالات غنية ببيتا كاروتين، وازدياد المخاوف من تلويثه. غيري ايردينغ كاتب في «ذا سورس» بجامعة واشنطن في سانت لويس
مشاركة :