نينوى (العراق) / أحمد قاسم، عارف يوسف / الأناضول تعاني حقوق نفط منطقة القيارة (شمالي العراق) من عمليات تهريب للخام من قبل مافيا متخصصة في الفساد والجريمة، تلقى دعماً ومساعدة من أطراف سياسية وعسكرية نافذة، حسب تحقيق ميداني أجرته "الأناضول" استنادا إلى مصادر أمنية وسائق يشارك في عمليات التهريب تلك. لكن مسؤول شرطي عراقي نفى صحة ذلك، وعده من قبيل الشائعات. و"القيارة" هي ناحية تتبع إداريا لقضاء الموصل مركز محافظة نينوى (شمال)، وتعد من أكبر نواحي المحافظة؛ إذ يبلغ عدد سكانها أكثر من 89 ألف نسمة، وسميت بهذا الاسم لكثرة وجود النفط والقير وعيون الكبريت حتى على شاطيء نهر دجلة. وكشف أثيل النجيفي، قائد "حرس نينوى"، عن وجود عمليات منظمة لسرقة النفط الخام من حقول منطقة القيّارة (جنوب الموصل)، وتهريبه إلى جهات مشبوهة مقابل أموال طائلة. وأكد النجيفي، في حديثه مع "الأناضول"، على امتلاكه دلائل ملموسة تعزز ما كشف عنه من هذه العمليات وبشكل يومي، مبينا أنه أرسل نسخا من هذه الدلائل إلى الحكومة المركزية، ولم تتخذ أي إجراء سواء في زمن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، أو في زمن رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي. ولفت إلى أن تلك العمليات تقوم بها جهات أمنية بالتواطؤ مع جهات سياسية فاسدة وأخرى مسلحة، لها نفوذها في المنطقة لاسيما في أجزائها الصحراوية. ويوضح النجيفي، للأناضول، أن الجهات النافذة التي تعمل على سرقة النفط وتهريبه تقوم بقطع جسر القيارة أمام السيارات والصهاريج لتسهيل جريمة التهريب باتجاه جبال مكحول في محافظة صلاح الدين شمالي العراق، ومن هناك يتم التصرف به. وأضاف أن "هذا الأمر يعرض سكان نينوى بشكل عام، إلى نقص حاد للخدمات بدءاً من النفط ومشتقاته، مرورا بالمواد الغذائية والخضراوات وانتهاءً بتعطيل أجزاء من أعمالهم اليومية". وأوضح النجيفي أن "موقف مجلس محافظة نينوى من عمليات السرقة التي تحدث هناك غير واضح؛ فالتزامها جانب الصمت أو التغاضي يضعها بدائرة الشبهات بسبب أن من مسؤولياتها القانونية مواجهة تلك الجرائم". وتابع: "على وزير النفط العراقي، جبار علي اللعيبي، التحرك العاجل للحد من هذه الجريمة واتخاذ خطوات متسارعة للقضاء عليها". وحذر النجيفي من أن "استمرار الوضع على ما هو عليه، سينعش مافيات سرقة النفط وسيكاثرها؛ وبالتالي تنتعش مع هذا الوضع المعقد الجريمة المنظمة، وقد تعود الأمور أسوأ مما كانت عليه قبل أحداث 10 يونيو/حزيران 2014". ** سرقة وتهريب على النحو ذاته، كشف ضابط استخبارات في الجيش العراقي برتبة مقدم معلومات أخرى عن عمليات سرقة وتهريب نفط منطقة القيارة، كما يقول، متهما ميليشيات الحشد الشعبي (الموالية للحكومة) بأنها المسؤول الأول عن هذه الجريمة. وأضاف الضابط، الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه خشية تعرضه للأذى، أن "المسؤول عما يحدث تحديدا هم ما تسمى بكتائب (الإمام علي) و(سيد الشهداء) و(عصائب أهل الحق)، و(الممهدون) بالتعاون مع بعض القيادات العسكرية البارزة في جهاز الشرطة الاتحادية والرد السريع (تتبع وزارة الداخلية)". وأشار الضابط، خلال حديثه مع "الأناضول"، إلى أن الجميع مستفيد من هذه العمليات التي تدر أموالا طائلة عليهم، لا يذهب منها أي شيء إلى خزينة الدولة. واعتبر أن "ما يجري في ناحية القيارة، بعد انتهاء تحريرها من سيطرة تنظيم داعش، يمكن وصفه بالصراع المسلح الخفي، بين القوات الأمنية المسيطرة على الأرض من أجل الحصول على مراكز نفوذ تساعدها في تحقيق منافع من وراء تهريب النفط الخام". وأشار الضابط العراقي، في هذا الصدد، إلى أن "ميليشيات الحشد الشعبي أقدمت قبل أيام قليلة، على قتل ضابط برتبة مقدم، واختطاف مرافقه وقتله أيضا في ناحية القيارة؛ بسبب أنهما كانا من المعارضين لجرائم التهريب وقد أقاما دوريات مرابطة قرب الحقول النفطية ترصد المهربين وتتصدى لهم". واستطرد: "تمكنت تلك الدوريات من إحباط خمس محاولات لتهريب النفط باتجاه محافظة صلاح الدين (شمال) في غضون 3 أيام من عملها؛ ما أزعج تلك الميليشيات ودفع بها بعد فشل محاولتها لشراء ذمة المقدم ومرافقه، إلى إقامة نقطة أمنية وهمية قرب مقر عملهما وأثناء مرورهما تم التعرض لهما والتخلص منهما". وتابع أن "الحكومة المحلية لنينوى ووزارة النفط وكل المسؤولين، لا يستطيعون الوقوف بوجه تلك المافيات التي تقتل وتسرق وتهرب؛ بسبب أن هذه المافيات الإجرامية مدعومة من قبل جهات خارجية إقليمية (لم يذكرها) تعمل على توفير المناخ الملائم لعملها الإرهابي، وتساعدها في التخلص من العقبات التي قد تعترض طريقها". ** فساد سياسي ولم تستطع "الأناضول"، إتمام لقاء مع أحد الجهات المهربة للنفط أو حتى المتهمة بذلك بسبب احتمالية التعرض للأذى، وهذا ما نصح به الكثير من المسؤولين السياسيين والعسكريين، ما توجب التقرب من أحد سائقي ناقلات النفط الخام المهرب (الصهريج) للحصول منه على معلومات بهذا الشأن. واستطاعت "الأناضول" من الوصول إلى أحد السائقين ويدعى أبو ضرغام الأعفري، وقال إن "هناك وسيط بين مجموعة من سائقي الناقلات الكبيرة نوع (الصهريج)، وبين قوات أمنية تعود إلى ميليشيا الحشد الشعبي". وأضاف: "هذا الوسيط يعمل على ترتيب عمليات التهريب، وبعد أن يعمل على اتخاذ التدابير اللازمة يبلغ السائقين بالاستعداد، ويأتي بهم إلى الموقع لتنفيذ المهمة". وذكر الأعفري أن 70 بالمائة من عمليات تهريب النفط الخام تجري من حقلي نجمة والقيارة النفطيين، وأن العمليات يتم تنفيذها من الساعة 10 مساء وحتى الـ 2 بعد منتصف الليل، بواقع 30 شاحنة كبيرة في اليوم؛ أي 15 ألف برميل من النفط الخام في الأسبوع. ويسير سائقو الشاحنات على شكل ارتال، كل رتل مؤلف من 3 إلى 4 مركبات تسير برفقة عناصر من الحشد الشعبي، الذين يستقلون مركبات مدنية لضمان عدم تعرض أي جهة أمنية أخرى لشاحنات الحمل، إلى تصل إلى جبال مكحول في محافظة صلاح الدين. وتابع الأعفري: "بعد الوصول إلى النقطة المعينة، يتم نقل النفط المهرب إلى صهاريج أخرى تحمل ألواح رقمية معتمدة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما أن أصحابها لا يتكلون اللغة العربية وانما يتكلمون اللغة الفارسية". ولفت إلى أن ناقلات الحمل الجديدة، تتوجه بعد أن تتم صفقة تسليم النفط واستلام الأموال بين وسيط ميليشيا الحشد الشعبي والجهة الأخرى نحو محافظة ديالى (شرقي العراق على الحدود مع إيران)، وبعد ذلك تعبر الحدود العراقية دون معرفة وجهتها الجديدة. وعن المبلغ المالي الذي يجنيه أبو ضرغام ومن يقوم بعمله، أشار إلى أنه يتقاضى على كل حمولة نفط مهربة قيمتها شاحنة مبلغ مالي قدره 500 ألف دينار عراقي (400 دولار). الخبير القانوني جواد الهباب أكد لـ"الأناضول"، أن الحكومة العراقية في ورطة إزاء جرائم التهريب للنفط الخام التي تحدث جنوب الموصل، لا سيما من حقلي (نجمة والقيارة النفطيين)؛ بسبب أن هذين الحقلين هما تحت إدارة شركة أنغولية. وأوضح الهباب أن العقد الموقع مع وزارة النفط العراقية عام 2010 يمنح الشركة حق تأهيل وتطوير واستثمار هذين الحقلين. لكن مع سيطرة تنظيم داعش على محافظة نينوى، صيف يونيو/حزيران 2014، غادرت تلك الشركة البلاد. ورغم الأدلة التي جمعتها الأناضول من مصادر عدة بخصوص عمليات تهريب وسرقة نفط القيارة، إلا أن العميد الركن واثق الحمداني، قائد شرطة نينوى، نفى صحة ذلك، وعده من قبيل "الشائعات". وقال الحمداني، في تصريح للأناضول، إن "ما يروج هو شائعات لسرقة روح النصر الذي تحقق في تحرير كامل محافظة نينوى". وأضاف: "الحقول النفطية تخضع لسيطرة وزارة النفط جميعها وتحت حراسة مشددة من القوات الأمنية، ولا يُسمح بخروج أي صهريج بدون موافقة، وأن جميع هذه الآبار تخضع الآن لسيطرة الشرطة الاتحادية ولا تدخل لقوات الحشد الشعبي فيها". الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :