يمثل “الروهينجا” أقل من ٤٩٪ من مسلمي ميانمار، وأزمتهم الإنسانية المؤلمة، المحصورة بهم دون غيرهم من مسلمي ميانمار، والمتمثّلة بعدم اعتراف الحكومات المينمارية المتعاقبة بهم كمواطنين أو حتى كمقيمين شرعيين، ليست وليدة اللحظة، ما تسبب في اضطهادهم وضياع الكثير من حقوقهم. بيد أن الأوضاع في ولاية “راخين” -حيث القلاقل اليوم- كانت بشكل عام، ولسنوات مضت، في وضع مستقر وهادئ، بدليل أنه لم يكن ثمة من يهاجر من الروهينجا إلى خارج ميانمار بأعداد كبيرة طيلة فترة الهدوء والتعايش تلك، بل العكس..! و ذكرت التقارير بأن أعدادا من “الروهينجا” ممن كانوا في مخيمات اللجوء التابعة للأمم المتحدة في بنغلاديش، كانوا قد عادوا أدراجهم إلى ولاية “راخين”.. ولم تتفجر الأزمة وتصل إلى درجات سيئة جدا -كما هو الحال الآن- إلا مع أحداث ما سمي بـ “الربيع العربي” والبدء العملي بتنفيذ مشروع “الفوضى الخلاقة” و “الشرق الأوسط الكبير”..! ولربما خفى عن العديد بأن فتيل الفتنة الحالية اشتعل، وبشكل دراماتيكي يدعو للإرتياب، منتصف العام ٢٠١٢م، عندما وجدت فتاة مينمارية بوذية ملقية على قارعة الطريق من غير ما لباس يسترها.. وقد فارقت الحياة، بعد أن جرى اغتصابها. وكانت أصابع الاتهام بحسب شهادات القرويين التي روتها تقارير موثقة تشير إلى “مجموعة من شباب الروهينجا”.. فتم على اثرها ايقافهم وتعذيبهم وقتلهم من قبل جموع القرويين المينماريين الغاضبين، ما تسبب في اندلاع أحداث العنف بين الطرفين “الروهينجا والقرويين” أدت إلى أعمال قتل واغتصاب وتهجير.. راح ضحيتها بحسب الإحصائيات المعتبرة قرابة الـ ٢٠٠ إنسان من الطرفين.. غالبيتهم العظمى من “الروهينجا”، ثم ما لبثت أن هدأت الأوضاع، بعد أن بسطت قوات الجيش المينماري النظام بقوة السلاح. إلا أنه وقبل أيام معدودة فقط، وتحديداً في ٢٥ أغسطس ٢٠١٧م؛ اشتعلت الفتنة مجدداً بعدما قامت ميليشيات “ARSA” والمعروفة سابقاً بـ “حركة يقين” المسلحة والمدعومة من القاعدة وطالبان -ومن خلفهما إيران والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين- والتي تعتبرها الحكومة المينمارية تنظيماً إرهابياً؛ قامت بسلسلة اعتداءات إرهابية على عدد من مراكز الشرطة في الولاية، ذكرت التقارير الحكومية والدولية بأنها وصلت إلى ٥٠ مركزاً.. ما تسبب في اندلاع موجة جديدة من العنف والعنف المتبادل، وتصعيد خطاب الكراهية.. وتهجير عشرات الآلف من “الروهينجا” ومن القرويين المينماريين البوذيين أيضاً. وهنا لابد من التذكير من باب الإنصاف والموضوعية والعدل، بأن ما يزيد عن نصف مسلمي ميانمار يحملون الجنسية المينمارية، ويتمتعون بذات الحقوق التي يتمتع بها المواطن المينماري بغض النظر عن ديانته أو عرقه.. وأن العديد منهم تجار، وأن المسلمين المينماريين موجودين في الحكومة والجيش والبرلمان في دورات برلمانية عديدة.. ولهم مطاعمهم ومتاجرهم ومساجدهم التي يتلون فيها كتاب الله ويتدارسونه بينهم، ويتمتعون بحرية الاعتقاد والعبادة.. ولهم بعثاتهم الرسمية التي تسهل أداء مسلمي ميانمار فريضة الحج كل عام وبإشراف الحكومة المينمارية.. وأنهم مطمئنون على سلامة بيوتهم وأهليه.. ونساؤهم يمشون في الأسواق بين البوذيين آمنين. بل وحتى ممن يسمون بـ “الروهينجيين” تجدهم يعيشون بأمان وسلام بين ملايين المينماريين البوذيين في مدينة كبيرة كيانغون مثلاً.. ولا يتعرض لهم أحد طالما التزموا النظام. هذه حقائق على الأرض.. ينبغي أن لا نغفلها ونحن نتناول هذه القضية الشائكة.. فما أتحدث عنه في هذه المقالة هو من واقع ما وقفت عليه من مشاهدات واطلاع شخصي، وخبرات مباشرة اكتسبتها من الميدان خلال زياراتي المتكررة السابقة لميانمار، وليس كما يفعل بعض كتبة المقالات والتقارير الكسولة من النقل المباشر من “ويكيبيديا” أو “قوقل” وغيرها من مصادر المعلومات غير الموثوقة في الانترنت، المليئة بالأخطاء والمغالطات، والتي تعتبر مصادر لا يعتد بها في الأبحاث والتقارير الموضوعية والمحترمة. وفي ويكيبيديا مثلاً يستطيع من يشاء كتابة ما يريد، دون سند صحيح، أو دليل ومرجع صريح. كما أن ما أكتبه هنا ليس متأثراً بتلك الدعايات الإعلامية الغربية المغرضة، أو البروبغاندا الحركية الإسلامية المضللة.. أو تقارير جمعيات ومنظمات عابرة للقارات..لها ارتباطاتها بأجهزة استخبارية دولية، وتقدم نفسها تحت مظلة “حقوق الانسان”..! صحيح أن هناك أزمة إنسانية تعيشها جماعة “الروهينجا” في ولاية “راخين” المينمارية لا يمكن إغفالها، وهم ما لم ولن نفعله، ونؤكد دوماً موقفنا الثابت.. القديم المتجدد.. بوقوفنا الإنساني إلى جانب قضيتهم بشكل موضوعي وعادل، ومساندتهم في المحافل الدولية وفِي مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، ولا نقبل بأي حال من الأحوال أن يزايد أحد على مواقف المملكة تجاه هذه القضية الإنسانية المعقدة منذ بداياتها قبل أكثر من ٧٠ عاما. ولم تقدم دولة من دول العالم ولا عشر ما قدمته لهم المملكة، وهو ما يمليه علينا ديننا وقيمنا وعاداتنا العربية الأصيلة، حتى استضافت المملكة العدد الأكبر من الجالية الروهينجية خارج ميانمار -رغم العديد من المحاذير والتبعات والمخاطر والأعباء الأمنية التي تترتب على ذلك- وليصل تعدادهم ما يزيد عن الـ ٣٠٠ ألف “روهينجي”. لكن هذا لا يعني أبدا بحال من الأحوال أن لا نستنكر ونرفض تلك الأعمال الإرهابية التي تقوم بها ميليشيات ARSA المسلحة والخارجة عن القانون، أو تلك الدعايات التي تقول بأن “ولاية راخين واقعة تحت الاحتلال المينماري”..! فولاية راخين، كما باقي ولايات اتحاد ميانمار ، هي جزء لا يتجزأ من التراب الوطني لدولة ميانمار.. ولها سيادتها الكاملة عليها والتي نحترمها قولاً واحدا. رابط الخبر بصحيفة الوئام: عماد المديفر يكتب: الروهينجا.. الجانب الآخر من الحقيقة
مشاركة :