د. أحمد سيد أحمد * أعلن رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، إصراره على المضي قدماً في إجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم في الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول الحالي، على الرغم من المعارضة الإقليمية والتحفظ الدولي على إجرائه.فقد أعلنت الحكومة العراقية برئاسة، حيدر العبادي، معارضتها لإجراء الاستفتاء واعتبرته غير شرعي وغير دستوري، كما عارضته تركيا؛ حيث اعتبرت أنه سيؤدي لنتائج كارثية ويفضي إلى حرب أهلية وصراعات إقليمية، كما اعتبرت إيران أنه سيؤدي إلى عدم الاستقرار والصراع في المنطقة لأكثر من عقدين، بينما تحفظ العديد من الدول الأوروبية، وطالبت الولايات المتحدة عبر وزير خارجيتها ريكس تيلرسون بتأجيل الاستفتاء حتى لا يصرف الانتباه ويشتت الجهود عن مواجهة خطر تنظيم «داعش» الإرهابي، بينما اعتبر مبعوث الأمم المتحدة في العراق، یان كوبیج، بأن الاستفتاء غير قانوني ويجب الالتزام بالدستور العراقي كإطار حاكم للعلاقة بين مكونات الشعب العراقي.الإصرار الكردي على إجراء الاستفتاء، رغم المعارضة والتحفظ الإقليمي، تقف وراءه العديد من الدوافع والأهداف تتمثل في:} أولاً: يرى الأكراد أن الفرصة مواتية الآن لتحقيق حلمهم التاريخي بإقامة دولة مستقلة لهم في شمالي العراق في ظل المشكلات الكبيرة التي يعانيها العراق نتيجة لصعود تنظيم «داعش» الإرهابي وسيطرته على أماكن كثيرة من البلاد؛ حيث شاركت قوات البيشمركة في تحرير كثير من المناطق التي سيطر عليها «داعش» وكثير منها يقع ضمن المناطق المتنازع عليها، خاصة في سهل نينوي، وأدخلتها ضمن الاستفتاء بعد قرار محافظة كركوك بالمشاركة فيها، رغم معارضة الكتلتين العربية والتركمانية في المحافظة.} ثانياً: اعتبر الأكراد أن صيغة الشراكة مع الحكومة المركزية في بغداد لم تنجح في استمرار صيغة العراق الفيدرالي الموحد، بعد توتر العلاقة بينهما منذ عام 2014 بعد قطع الحكومة العراقية للحصص المالية لإقليم كردستان، رداً على قيام الإقليم بتصدير نفط كركوك مباشرة عبر تركيا، ومع انخفاض أسعار النفط وتدهور الأوضاع الاقتصادية للإقليم لم تدفع الرواتب للموظفين ولا لقوات البيشمركة الكردية، ولذلك يسعى الأكراد إلى تحويل العلاقة مع الحكومة العراقية من الشراكة إلى الجوار بين دولتين مستقلتين.لكن في المقابل هناك اعتبارات تتعلق باستخدام الأكراد الاستفتاء كورقة في التفاوض مع الحكومة العراقية، للحصول على المزيد من المكتسبات المالية والاقتصادية وتحسين وضعهم السياسي والمالي ضمن الحكومة العراقية.} ثالثاً: يستهدف الأكراد توظيف الاستفتاء كورقة لضمان تحقيق حلم الدولة، من خلال الموافقة على التأجيل مقابل الحصول على ضمانات بالموافقة على إجراء الاستفتاء في وقت آخر، مع ضمان الاعتراف به دولياً وسهولة فك الاشتباك وخطوات الانفصال مع حكومة بغداد دون حدوث مشكلات أمنية أو عسكرية أو اقتصادية، وهذا ما ظهر في رد مسعود البرزاني على طلب وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون، باستعداده للتأجيل مقابل الحصول على ضمانات بديلة.} رابعاً: في ظل الخلافات الداخلية الكردية بين الحزب الديمقراطي وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يرتبط بعلاقات قوية مع بغداد على خلاف العلاقات المتوترة بين الحزب الديمقراطي وبغداد، وفي ظل وجود معارضة للاستفتاء من بعض الجهات مثل كتلة التغيير والجماعة الإسلامية، يسعى البرزاني إلى استخدام الاستفتاء كورقة للضغط على بغداد، ودعم شرعيته المتآكلة داخل الإقليم، خاصة بعد انتهاء ولايته منذ عامين وتعطل البرلمان الذي أقال رئيسه، كما أن تدهور الأوضاع الاقتصادية في الإقليم جعل الاستفتاء مخرجاً من جانب القوى الكردية للتغلب على تلك التحديات والمشكلات العديدة التي يواجهها الإقليم.استفتاء كردستان المزمع يثير العديد من الإشكاليات والتداعيات على العراق والمنطقة:} أولها: إشكالية العلاقة مع حكومة بغداد التي ترفض بشدة الاستفتاء، فلم ينجح الوفد الكردي الذي زار بغداد في تحقيق تفاهمات وتوافقات بينهما، في ظل إصرار بغداد على أنه غير دستوري، خاصة في ظل إصرار الأكراد على شمول المناطق المتنازع عليها وفقاً للمادة 140 من الدستور، وعلى رأسها كركوك ضمن الاستفتاء، وقرار المحكمة الإدارية العراقية في 17 أغسطس الماضي، بخصوص عدم وجود أي صلاحية لمجلس محافظة كركوك، وللإقليم الكردي، فيما يتعلق بوضع المناطق المتنازع عليها. وهو ما يعني تزايد احتمالات المواجهة والصراع بين الجانبين في مرحلة ما بعد الاستفتاء، المتوقع الموافقة عليه بـ«نعم»، فالاستفتاء لا يعني قيام الدولة، لأن الأكراد يحتاجون إلى إجراءات طويلة من أجل فك الارتباط مع العراق وحل الإشكاليات المتعددة بينهما، خاصة المناطق المتنازع عليها، إضافة إلى إشكالية الحصول على الاعتراف الدولي في ظل المعارضة الإقليمية والدولية للاستفتاء.} ثانيها: أن إصرار الأكراد على إجراء الاستفتاء وإعلان الاستقلال دون التنسيق مع الحكومة العراقية من شأنه أن يؤدي إلى تفتيت وحدة العراق وسيادته ولا يساعد على مواجهة المشكلات والتحديات المتزايدة، وأبرزها مواجهة تنظيم «داعش» الذي لا يزال يسيطر على بعض المناطق على الرغم من تحرير معظم المدن العراقية من قبضته، ومن ثم فإن تأجيج الصراع الكردي مع الحكومة العراقية قد يؤدي لتداعيات سلبية في المعركة مع التنظيم الذي قد يستغلها إلى إعادة تنظيم صفوفه مرة أخرى والقيام بأعمال إرهابية عبر الخلايا النائمة في المدن العراقية.} ثالثها: استقلال كردستان العراق من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التوتر والصراع الإقليمي في ظل معارضة تركيا وإيران اللتين لديهما أقلية كردية كبيرة تصل إلى 11 مليون كردي في إيران وستة ملايين في تركيا، وتخشى الدولتان من أن يؤدي استقلال أكراد العراق إلى تفجر النزعات الانفصالية لدى أكراد البلدين، خاصة في ظل تحسن أوضاع أكراد سوريا وحصولهم على مكتسبات كبيرة في ظل الدعم الأمريكي مالياً وعسكرياً لهم بالسيطرة على مناطق في سوريا، كما تعارض طهران بشدة الاستفتاء باعتبار أن وجود دولة كردية في شمالي العراق، إضافة إلى السيطرة الكردية في شمال وغربي سوريا من شأنه أن يقطع الطريق على طموحها في إقامة ممر بري عبر العراق وسوريا ويصلها بالبحر المتوسط، ولذلك هنا تبرز مخاطر وجود صدام ومواجهة عسكرية بين الميليشيات الحليفة لإيران في سوريا والعراق مثل الحشد الشعبي وغيرها وبين قوات البيشمركة الكردية، وهو ما يؤدي إلى زيادة حدة الصراع والتوتر في العراق وسوريا.رغم حق الأكراد في تقرير المصير، إلا أن الإصرار على إجراء الاستفتاء بشكل منفرد وفي هذه الظروف غير المواتية، سيجعل حلم استقلال الدولة أشبه بولادة متعثرة ستواجه بالعديد من التحديات الكبيرة، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية في الإقليم، كما أن معارضة بغداد والمعارضة الإقليمية والدولية ستجعل الاستفتاء حبراً على الورق ويؤدي إلى العديد من التداعيات السلبية أمنياً وعسكرياً واقتصادياً، ولذلك فإن الأنجع لإقليم كردستان هو الحوار مع بغداد وأن تتم معالجة المشكلات بين الجانبين في إطار الالتزام بالدستور والحفاظ على وحدة العراق وسيادته وإصلاح الخلل في المعادلة السياسية وتحقيق التلاحم بين كل مكونات الشعب العراقي وتكريس الديمقراطية والمواطنة، والعمل سوياً للقضاء على خطر الإرهاب وتنظيم «داعش»، وإعادة بناء العراق الموحد والمزدهر اقتصادياً والمستقر سياسياً وأمنياً. * خبير العلاقات الدولية في الأهرام
مشاركة :